IMLebanon

إستحقاقا التفاوض هذا الشهر

 

مع تعثر الحوار واستمرار الطريق مقطوعاً أمام اجتماع مجلس الوزراء في شكل يعيق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، فإن النصف الثاني من الشهر الجاري يحمل استحقاقين مفصليين تفرضهما أجندة التحركات الخارجية من أجل مساعدة لبنان على تخطي أزمته التي تزداد سوءاً كل ساعة وليس كل يوم، مع الارتفاع الصاروخي لسعر صرف الدولار الأميركي، وتقلبات أسعار المواد الأساسية من الخبز إلى المحروقات والأدوية…

 

الاستحقاق الأول وصول بعثة صندوق النقد الدولي للبدء في المفاوضات الرسمية بين الجانبين بعدما استفادت اللجنة الوزارية المكلفة التواصل مع الصندوق من الوقت المهدور من عمل مجلس الوزراء لعقد الاجتماعات التشاورية مع خبراء الصندوق تحضيراً للتفاوض الرسمي بعد توحيد أرقام الخسائر والتمهيد لتوزيع الخسائر المالية بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف التي تشمل المودعين. وبات معروفاً أن أقصى ما يمكن توقعه في التفاوض مع صندوق النقد هو التوصل إلى اتفاق إطار في أواخر شباط المقبل، يتناول عناوين الإصلاحات المنتظرة، من دون تحديد أرقام نهائية تسمح بتصور انعكاساتها على الاقتصاد والتصحيح المالي. فالوقت المتبقي حتى حصول الانتخابات النيابية لن يتيح التوصل إلى الاتفاق التفصيلي الذي يشمل سلة من الإجراءات تتعلق بخفض إنفاق الدولة بتقليص القطاع العام أو الإنفاق على الرواتب، وزيادة وارداتها برفع الضرائب، وتصور لبنان للتفاوض مع الدائنين من أجل إعادة جدولة تسديد أموالهم بعد خفض قيمتها بنسبة قد تفوق الـ65 في المئة، وخطة تنشيط الاقتصاد وقيمة الأموال المطلوبة من الصندوق وأوجه إنفاقها وكلفة البطاقة التمويلية لتأمين شبكة أمان اجتماعي مقابل زيادة الأعباء عليه، وكيفية صرفها ومدتها الزمنية…

 

فالخطة التي تحمل كل هذه العناوين ليست جاهزة ولن تجهز في الأشهر القليلة المقبلة. ويصعب التوافق عليها بين القوى السياسية قبل الانتخابات. وكل ما يمكن للحكومة أن تقوم به حسب المعطيات المتوفرة لدى هؤلاء الخبراء هو أن ترفع قيمة الدولار الجمركي من سعر 1500 ليرة مقابل الدولار إلى سعر الصرف المعتمد على منصة صيرفة، بحيث تزداد مداخيل الخزينة في شكل يسمح بتعويض موظفي القطاع العام انخفاض قيمة رواتبهم، عبر مضاعفة التقديمات بمنح مالية موقتة ريثما يستقر الوضع المالي. لكن هذا الإجراء معرض للتآكل كونه سيزيد التضخم ويرفع سعر الصرف إذا لم يقترن الأمر بالخطة الشاملة. تبقى الحلول بالمفرّق بدلاً من المعالجات الجذرية وفق الخطة الموعودة، قاصرة عن وضع البلد على سكة الخروج التدريجي من الأزمة. يمكن للبنان أن يدعي بأنه خفض نسبة من إنفاق الدولة بحكم الأمر الواقع، لأن تطور الأمور شطب من هذا الإنفاق قيمة الدعم على المحروقات والخبز ومعظم الأدوية…

 

في الانتظار يؤدي ترك الأزمة على غاربها إلى مواصلة “الهيركات” التلقائي على ودائع اللبنانيين والمقيمين عن طريق سحب أجزاء منها على سعر 3900 ليرة للدولار، وأخرى على سعر الـ8 آلاف ليرة، وثالثة على سعر منصة صيرفة بحيث يعتبر المعنيون أن المودعين فقدوا حتى الآن من الأموال التي سحبوها من المصارف نسبة من ودائعهم تتراوح بين 65 في المئة و90 في المئة حسب آليات سحب الأموال، بحيث تنخفض ديون المصارف للدائنين، وبالتالي ديون المصارف لمصرف لبنان.

 

الاستحقاق الثاني هذا الشهر هو عودة الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل آموس هوكستين الذي تردد أنه يحمل معه اقتراحاً سبق أن استمزج رأي الجانب اللبناني به، ويقضي بحصول لبنان على الجزء الأكبر من مساحة الـ860 كيلومتراً مربعاً في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وفق الخط البحري الرقم 23، لكن من دون ضمان حصول لبنان على كامل حقل قانا الغازي الذي يقع جزء منه في المنطقة الاقتصادية الخاصة بإسرائيل، على أن تتولى الشركة المستثمرة لهذا الحقل توزيع حصتي الدولتين من الإنتاج بعد استخراج الكميات التي يختزنها من الغاز. وتفيد المعطيات أن تولّي الشركة المستثمرة توزيع الحصص بين لبنان وإسرائيل هو بديل لفكرة كان طرحها هوكستين نفسه تقضي برسم خط بحري متعرج يحصل بموجبه لبنان على كامل حقل قانا، يبدو أن الجانب الإسرائيلي لم يقبل به.

 

لكن الجديد في شأن خيار تولّي الشركة المستثمرة الحصص بين لبنان وإسرائيل، أنها تفترض أن تتولى شركة إماراتية استخراج الغاز أو النفط إذا وجد من حقل قانا، بحيث يرضى لبنان بإيكال هذه المهمة إلى جهة عربية، فيما لن يعارض الجانب الإسرائيلي كونه بات على علاقة ديبلوماسية مع دولة الإمارات.

 

وإذا صحت هذه المعلومات فإن على المسؤولين اللبنانيين الاتفاق على إعطاء جواب موحد حيال هذه الفكرة.