IMLebanon

كيف سيكون مستقبل لبنان في ظل تحوّل الهجرة إلى حلم؟

 

 

عادة عندما تقع الازمات في اي دولة من الدول تنتج عنها ارتدادات مختلفة فكيف اذا كانت ازمة استثنائية غير مسبوقة كما هو الحال في لبنان في ظل افاق مقفلة تنذر بمزيد من التأزم في المرحلة المقبلة؟

 

واللافت من هذه التداعيات المباشرة التي يتعرض لها لبنان خسارته للادمغة وخيرة شبابه الذي اصبح تركيزه الاول هو الهجرة وبناء مستقبله خارج بلد الصراعات السياسية والتناقضات الفكرية، مما يطرح السؤال اي مستقبل ينتظر لبنان في ظل هجرة شريحة اساسية من مواطنيه؟ «اللواء» طرحت هذا السؤال على وزير الشؤون الاجتماعية السابق ريشارد قيومجيان فقال: «اذا نظرنا الى الاوضاع التي نمر بها اليوم بالتاكيد نجد ان المستقبل قاتم انطلاقا مما نعيش به، ولكن يبقى هناك امل بالخروج من الازمة ببناء لبنان الجديد الذي نحلم به، خصوصا ان عددا من الدول تعرضت لازمات اقتصادية ومالية وسياسية مماثلة لما نتعرض لها ولكنها استطاعت النهوض من جديد».`

 

قيومجيان: خيار قاتل والحل بخطة للنهوض وإيجاد أسواق للشباب

 

ويعتبر قيومجيان ان الهجرة التي نشهدها حاليا قاتلة، لان من يهاجر هي الفئة العمرية ما بين 30 و60 سنة، وهي فئة منتجة بعد ان تكون تخرجت من الجامعة واكتسبت خبرة كبيرة، لهذا هي خسارة للوطن، ويرى ان معظم خريجي الجامعات يطمحون حاليا للهجرة والعمل في بلاد الاغتراب، لذلك فهو يشدد على أن معالجة الموضوع هو بايجاد سوق عمل لهؤلاء الشباب، وهذا الامر يحصل عندما يتوفر الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من خلال وضع خطة للنهوض والنمو للاقتصاد والقيام بالاصلاحات المطلوبة وعندها يستفيد لبنان من المساعدات الدولية التي تحفزالمغتربين للعودة الى لبنان.

 

ويرى قيومجيان ان الحوكمة والادارة السيئة للشأن العام في لبنان هي سبب وصولنا الى ما وصلنا اليه، مشددا على اهمية ان يكون التركيز على عملية نهوض المجتمع والاقتصاد بدلا من الهائنا بأمور بديهية من خلال السعي لتأمين الحاجات الاساسية للعيش.

 

ويشير الدكتور قيومجيان الى ان لبنان خلال سنوات الحرب ونتيجة الانهيارات مرّ بوضع شبيه بما يمر به حاليا بالنسبة لهجرة الادمغة، مؤكدا ضرورة بذل الجهود لايجاد فرص عمل لعودة الشباب الى لبنان للاستثمار به والمساهمة بشكل مباشر بالحركة الاقتصادية والعمرانية والمالية المستقبلية، واعتبر ان من يهاجر في عمر الاربعين يكون هناك امل بعودته مجددا الى وطنه لما يحمل من ذكريات وحنين، اما من يترك البلد في عمر مبكر يتطبع في تقاليد المجتمعات المضيفة له وعندها يصبح الامر خطير على المستوى الاجتماعي بعدم عودته الى لبنان.

 

واعلن عن تقارير تتحدث عن ان اعداد طالبي الهجرة في السفارات حاليا هي بحدود 140 الفا، ومعظمهم من الفئات العمرية الصغيرة، ويتحدث عن تجربته الشخصية حيث وبسبب الاحداث اللبنانية في التسعينات هاجر الى الولايات المتحدة الاميركية وكان في عمر 35 سنة ولكن في اول فرصة عاد الى لبنان ليستقر به.

 

ويختم قائلا: «المشكلة اننا في نفق مظلم، ولا نرى ضوءا وليس هناك اي خارطة طريق للخلاص او النهوض الاقتصادي مع هذه السلطة القائمة، لذلك نحن بحاجة الى سلطة جديدة تستلم زمام الامور وقدرات البلد للبدء بتنفيذ خطة مستقبلية واضحة، لان اسوأ الامور هي عندما يرى المجتمع ان الافق مقفل».

 

ياسين: مقبلون على عقد ضائع بسبب خسارة الرأسمال البشري

 

ياسين: مستقبل ضائع

 

من ناحيته اعتبر استاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الاميركية في بيروت والمشرف على مرصد الازمة ناصر ياسين ان البلد في المستقبل قادم الى عقد ضائع في تنمية الاقتصاد بسبب خسارة الراسمال البشري الذي هو راسمال لبنان، وذلك بسبب هجرة عدد كبير من المواطنين وخصوصا فئة الشباب الذين يهاجرون بحثا عن قوت عيشهم بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي السائد، ويتوقع ان يخسر لبنان هذا الصيف عددا كبيرا من الشباب من كافة الاختصاصات خصوصا اننا نمر حاليا في عمق الازمة، ويقول: «لا نعرف مدى حجم الهجرة حاليا ولكن سيظهر حجمها في السنوات القليلة المقبلة، والنتيجة ستكون خسارة كبيرة للراسمال البشري».

 

ورغم توقع ياسين ان البلد لن يتركه جميع شبابه يعتبر في المقابل ان الخسارة تكمن بعدم وجود الاشخاص الذين عليهم بناء المستقبل واعادة تحريك الاقتصاد والمجتمع وهذا هو الامر المخيف خصوصا بفقدان الاختصاصيين في القطاعات الخدماتية كالتعليم والاستشفاء على سبيل المثال، مما قد ينعكس سلبا على هذه القطاعات من تدني في مستوى خدماتها».

 

ويرى ياسين ان ثقافة لبنان مبنية على الهجرة وخصوصاً في التاريخ الحديث من خلال الاحداث التي مرت عليه، وتكمن المشكلة بأنه حسب دراسات وضعت في العالم العربي اظهرت ان الشعب اللبناني اكثر الشعوب حماساً للهجرة ولديه نية دائمة للسفر بإنتظار اي فرصة للسفر.

 

ويتخوف ياسين ان تكون السنوات المقبلة جاذبة اكثر للشباب اللبناني للهجرة وذلك مع استنهاض اقتصاديات العالم بعد جائحة الكورونا مما يعني ان هناك استثمارات ستحصل خلال السنوات المقبلة وسيعود اقتصاد العالم للازدهار مجددا خصوصا ان اليد العاملة اللبنانية اصبحت مطلوبة بسبب تدني كلفتها عما كانت عليه في السنوات الماضية، حيث اصبح الطبيب يتقاضى راتبا اقل مما كان يتقاضاه في الماضي، كذلك اساتذة المدارس والجامعات. ومن المعروف في عالم الهجرة ان يدرس من يريد ان يهاجرالفروقات ما بين ما يتقاضاه في بلده وما يتقاضاه في الخارج لا سيما ان كل الامور التي يعيشها المواطن اللبناني حاليا تعتبر عوامل ضاغطة تشجعه للمغادرة.

ad

 

وعما اذا كانت هناك ارقام محددة عن الذين هاجروا يقول ياسين: «الموضوع ليس سهلا وهو يحتاج الى وقت ليصبح واضحا، ولكن حسب نقابة الاطباء هناك قرابة 1000 طبيب غادروا لبنان، اضافة الى اعداد كبيرة من الممرضين والاساتذة».

 

بدوره، يرى الدكتور ساري حنفي رئيس قسم علم الاجتماع في الجامعة الاميركية ان اثار هجرة الادمغة ستكون كبيرة على الوضع السكاني في لبنان في السنوات المقبلة ولكنه يعتبرها هجرة مؤقته بإنتظار تغيير النظام السياسي الفاسد الذي يسبب هذه الهجرة.

 

ويعطي حنفي مثالا الارجنتين التي حصلت فيها ازمة اقتصادية كبيرة ادت الى هجرة عدد كبير من مواطنيها في العالم ولكن فور تحسن الوضع عاد المواطنون الى بلدهم.