IMLebanon

“إستقلال 2021” وآخر المحاولات

 

لا أنكر انني تأثرت لرؤية ابن ثلاث سنوات عائداً من المدرسة أمس ملوحاً بالعلم اللبناني ومحاولاً أن ينشد بحماسة بعض ما لُقِّن من “كلنا للوطن” تماماً كما تعلمناه زمن كانت المدارس تفتتح به النهار.

 

ويحق لمن عاش أهوال حروب لبنان منذ العام 1969، تاريخ أول اشتباك ودخول الدبابات “الشقيقة” الى ينطا ودير العشاير في راشيا – البقاع، وصولاً الى الانهيار الموصوف هذه الأيام في مجمل مكونات السيادة والاقتصاد، طرح أسئلة جدية عما إذا كان الوطن الذي لم تحافظ عليه أجيال “ما بعد الاستقلال” لا يزال يستحق ابتسامة طفل مقبل بفرح على دنياه، أو حنين مخضرم أجهده الإصرار على أن الحروب الى نهاية، وأن الضوء في آخر النفق موجود، وأن دولة السيادة والقانون ستقوم لا محالة.

 

لن نحتفل الاثنين بالاستقلال، بل سنتذكره فقيداً ترك ندوباً في القلب وغار كالسراب. عرْضٌ مدني في جادة الرئيس شارل حلو يدغدغ حلم 17 تشرين الذي تعرّض للاغتيال، واستعراض رسمي مختصر لولا وجود الجيش فيه لكان مجرد عراضة وقحة لرموز السلطة المسؤولة عن الخراب.

 

ليس بسيطاً أن تمر السنة الثامنة والسبعون على الاستقلال بعد عام من مئوية إعلان “لبنان الكبير” الذي شاءه أسلافنا واحة لتلاقي أديان وتعدد ثقافات وعيشاً مشتركاً فيما نحن نعاود طرح سؤال “أي لبنان نريد؟”، ونتساءل هل لبنان الموحّد بصيغته ونظامه قابل للحياة؟.

 

انتهى زمن “وطن النجوم أنا هنا…” و”لبنان يا قطعة سما” والأسطورة الرحبانية اللذيذة. هنا، ثمانون في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر، و”الأمن العام” ينوء تحت ثقل إصدار سبعة آلاف جواز سفر يومياً، والمدينة المدمّرة بفعل انفجار النيترات تخون ضحاياها لعجزها عن حماية التحقيق والقضاة الشرفاء والاقتصاص من يد الإجرام. هنا، مواطنون طالبوا بكرامتهم واحتلوا الشوارع احتجاجاً على منظومة الفساد فأُجهضت انتفاضتهم بالعنف وقلع العيون وأُبلغوا بصراحة ان التغيير أوهام وأن “الثورات الملونة” لا مكان لها في لبنان.

 

هنا لبنان. 22 تشرين الثاني 2021. لا كهرباء لعموم الناس. لا دواء إلا للأغنياء. الليرة أثرٌ بعد عين. جامعةٌ وطنية تلفظ الأنفاس ودكاكين الجامعات تعكس تداعيات ثلاثين عاماً من حكم الزعران والميليشيات. سلطة “سراق المال العام والخاص” تجثم على صدور المقهورين، والسلاح غير الشرعي يرسم حاضر الكبير والصغير ومستقبله وينصّب نفسه وصياً على الكيان والحدود وقوى الشرعية وجميع المؤسسات محدداً معنى الكرامة الوطنية ومختصراً تحقُّقَها بالولاء لمحور طهران.

 

هي الانتخابات، آخر محاولة للنهوض من الحفرة وترقيع ثوب الدولة الواحدة والمؤسسات وإعادة الاعتبار الى الاستقلال. بعدها، قد لا يكتفي اللبنانيون المحبطون أو المؤمنون بالحرية ودولة القانون بتبني تحذير البطريرك الراعي التاريخي: “لا شراكة بلا حياد”. وسيصير السؤال مشرَّعاً على الخيارات القصوى التي توسّع الشرخَ وتقلّص المشتركات… وتكثّف الطلب على الجوازات.