IMLebanon

لبنان إلى التصفية أو إلى الإنقاذ

 

يُراهن البعض من العاملين في الشأن السياسي اللبناني على التعاطي مع المرحلة المصيرية التي يمرّ بها لبنان، بالرغم من قساوتها واستثنائيتها، على أنّها مُجرّد صفحة من صفحات الحالة اللبنانية، معتبرين أنّ هذا البلد نشأ على مشاهد مستمرّة من الإهتزازات، ويُحاولون تسويق نظرية قاتلة بالدعوة إلى عدم الحاجة للتعمّق في تفاصيل الحلول الجذرية الضرورية لنقل البلاد من منطق المزارع والفوضى الادارية إلى دولة المؤسسات، فبرأيهم هذا البلد يستطيع الإستمرار بالحياة من دون انتظام واضح وعلمي وثابت لمؤسساته ولقطاعاته، وأنّه سيبقى ساحة التسويات والتوازنات وسياسات البقاء التي برع بها أفرقاؤه السياسيون وفئاته المُمثلون للطوائف والمذاهب، عن حاجتهم لهذه العناوين.

يتردّد على مسمع اللبنانيين الكثير من الأحاديث المُضحكة عن سياسيين لبنانيين تغنّوا بعجز الخبراء الماليين الدوليين عن فهم قدرة لبنان على العيش بالرغم من العجز الذي يُحقّقه ميزانه التجاري والتصديري والإستيرادي والإنتاجي والضرائبي، حتّى وصلت الغباوة بالبعض من هؤلاء الساذجين إلى المفاخرة والتباهي بأنّ للبنان قدرة عجائبية تتمثّل بعدم حاجته للإنتظام المالي للدولة وللموازنات ولقطع الحساب. إنّ وضعيات فوضوية كهذه تناسب هذا النوع من السياسيين حيث تسمح لهم بالبقاء في أماكنهم التي تستفيد من الصالح العام لمصالحهم الخاصة، فالإنتاجية بالنسبة لهم هي مدى جلب الأموال من الخارج لصرفها على أزلامهم وشركات أعوانهم ومحسوبياتهم وتمويل قدراتهم السلطوية، ولكنّ المُستفيد الأكبر من هذه المنهجية المُدمّرة هو الطرف الاستراتيجي الدافع للاستمرار في هذا الفكر الانتفاعي، وهو الدويلة التي تهدف إلى بناء وطن جديد بدل الوطن الحالي الذاهب إلى الانهاء.

يعتبر السياسيون الحاليون القابضون على السلطة وعلى قرار الدولة أنّ واقع خسارتهم للأكثرية النيابية لا يفرض عليهم التنحّي جانباً وترك السلطة لأخصامهم لإدارة الدولة وشؤونها، فالسلطة بالنسبة لهم هي القدرة الواقعية والقمعية واللاشرعية واللاديمقراطية، فيفرضون سياسة شلّ البلاد ويُهدّدون بتفجير الأوضاع الامنية، بإنتظار قبول الآخرين الضنينين بالوطن بالخضوع لشروطهم، والتي تبدأ بالسكوت عن الدويلة والقبول بالتهريب الداعم لدول المحور وتكريس الخزينة اللبنانية وموارد اللبنانيين وودائعهم وقطاعاتهم كافةً لصالح مشروع الفقيه. منهجية حتمية لتصفية لبنان الدولة وتفكّك لبنان الوطن.

أمّا على المقلب الآخر المواجه، فالمنهجية مُعاكسة تماماً، حيث تراهن على المسار الخلاصي المترتّب بالتحلّي بالجرأة لكسر المعايير السابقة التي أودت بلبنان إلى الانهيار. وهذا المحور قد بدأ المعركة لفكّ أسر لبنان بالعمل حالياً على تأمين التوازن مع المشروع التدميري، ويجهد لمنع محور المُمانعة من نيل أهدافه تحت الضغوطات التي يُمارسها بمهارة. ويُدرك أنّه يخوض حالياً المعركة المصيرية بين زوال لبنان أو بقائه، ويعتبر أنّ التحدي الأكبر له، هو إمّا السماح باستمرار لبنان دولة فاشلة أو نقله إلى أن يكون دولة عميقة.

إنّ عدم قناعة قوى اللادولة بالانتقال إلى مفهوم الدولة الجامعة لكافة الاطراف اللبنانية يضع الصراع أمام معادلة واضحة، يسعى طرف الدويلة واللادولة إلى إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل إنفجار الوضع الاجتماعي، أي إلى زمن الاستدانة والهدر والوهم والصفقات والمحاصصات والإهتزازات المُنظّمة والتبنيج الشعبي، وهذا المسار هو الذي يُؤكّد وضعية إنهاء لبنان، أمّا الطرف الآخر المواجه والمُعاكس فهو الذي يسعى جاهداً لانقاذ لبنان من خلال إغلاق الباب على كلّ محاولات العودة إلى التسويات المُخادعة بين الاطراف السياسية، أكانت تحت شعارات قومية أو طائفية، معتبراً أنّ تلك التسويات شكّلت النقيض للتفاهمات الوطنية التي يجب أن تستكين لها الحوارات السياسية الحقيقية، ونُردّد اليوم ما قاله الرئيس المُنتخب الشيخ بشير الجميّل في خطاب القسم «الوفاق حكم لا لقاء وإرادة وطنية لا إجماع وطني، والوفاق قناعات موحّدة تجاه الوطن، لا تنازلات متبادلة بين فئات الوطن».

(*) عضو تكتّل «الجمهورية القوية»