مع إصدار غرفة الاستئناف في المحكمة الخاصة بلبنان حكماً قضى بإدانة المتهمين حسين حسن عنيسي وحسن حبيب مرعي بجريمة المشاركة والتدخّل في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وذلك بعدما فسخت الحكم الصادر عن غرفة الدرجة الأولى في 18 آب 2020، القاضي بتبرئتهما، عاد ليُطرح من جديد دور المحكمة، ومسارها، وصدقيتها، خصوصاً بعد ما كشفه وزير العدل الأسبق شارل رزق منذ مدة، عن انّ المحكمة تحاكم أفراداً وليس جهات سياسية.
عادت الأنظار تتركّز إلى «حزب الله»، بعد الحكم الصادر عن المحكمة الدولية، وإصدار مذكرات توقيف بحق مرعي وعنيسي. فالحزب الذي أعلن مصطفى بدر الدين قديساً من قديسي المقاومة، لا شك أنّ عنيسي ومرعي قديسان جديدان سيطوبان على مذبح الحزب. لكن، السؤال، هل يقتنع اللبنانيون انّ عياش وعنيسي ومرعي خطّطوا وشاركوا ونفّذوا اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بمبادرة فردية منهم؟ وما التأثير الذي يمكن ان يحدثه هذا القرار، أيغيّر شيئاً في المعادلة الداخلية؟ أيدفع من يريد من الأطراف السياسيين ان ينتفض على الحزب، أن يثور وينتفض؟ وهل سيدفع الحكم المعنيين بشعار الحرية والسيادة والاستقلال الى المطالبة بتسليم قتلة الرئيس الشهيد إلى العدالة الدولية؟ وأي رجال في أي دولة لهم القدرة على فعل ذلك؟
ربما الكثير من الأسئلة تُطرح. لكن، يقول مصدر سياسي في 14 آذار سابقاً، إنّ «حزب الله» الذي يضرب بعرض الحائط الدولة اللبنانية بحدّ ذاتها، والذي يخطف قرارها السيادي، إن من ناحية ترسيم الحدود، أو من ناحية قرار الحرب والسلم، أو من ناحية إنشاء مصانع أسلحة على أرض الدولة اللبنانية لأهداف خارجية، لن يتأثر اليوم بما تقرّره المحكمة الدولية، بعدما عمل جاهداً على إفراغها من مضمونها وصدقيتها. والأكيد أنّ أحداً من حلفائه لن يفعل اليوم ما كان يجب ان يقوم به بالأمس، أي مطالبة الحزب بتسليم المتهمين.
قرار غرفة الاستئناف كان حاسماً لجهة، انّ السيدين مرعي وعنيسي، ومعلوم أنّهما عنصران من «حزب الله»، مذنبان بسلسلة اتهامات، تهمة مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي، التدخّل في جريمة ارتكاب عمل إرهابي؛ التدخّل في جريمة القتل عمدًا؛ والتدخّل في جريمة محاولة القتل عمداً.
هذا القرار عاد ليؤكّد انّ المحكمة الدولية جهة يمكن الاعتماد على صدقيتها، فلو بقي القرار متعلقاً بشخص واحد قرّر ونفّذ الجريمة، عندها قد تكون صدقيتها معرّضة للاهتزاز، ولكن، عندما يطال الاتهام ثلاثة اشخاص، وربما أكثر، يرتبطون بشبكة واسعة، فهذا يثبت صدقيتها، بحسب ما يؤكّد عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب وهبي قاطيشا لـ»الجمهورية».
قاطيشا يرى انّ «العناصر التي اعتمدت عليها المحكمة ثابتة وأكيدة، ولو كان لها حرية الحركة داخل الأراضي اللبنانية لكانت ربما أدانت عشرات الأشخاص».
ويضيف: «ولو انّ الاتهام طال هؤلاء الثلاثة، لكن هذا لا يعني انّهم ليسوا مرتبطين بتراتبية معينة، لأنّ عملاً ضخماً كجريمة اغتيال الرئيس الحريري يحتاج إلى رأس كبير ومنظّم، وإلى شبكة واسعة من الأشخاص لتنفيذ هذه المهمة».
ويرى انّ «ما صدر هو دليل يورّط «حزب الله» على انّه وراء عملية الاغتيال، لأنّ كل المدانين ينتمون الى الحزب. لذلك، لا يمكن تبرئة الحزب طالما انّ كل المدانين في الجريمة هم من عناصره».
أما ترجمة هذه الأحكام، فتحتاج الى دولة، والدولة غير موجودة، يقول نائب «القوات». إذ انّ الدويلة تسيطر على القرار، وعلى الحدود، والمطار، وعلى مؤسسات الدولة. لذلك لا يمكن التنفيذ بغياب الدولة. ولكن يبقى انّ اللبنانيين والجميع بات يعلم انّ منفّذ جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري هو «حزب الله».
بدوره، يقول عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبدالله، لـ»الجمهورية»: «إنّ صدور قرار المحكمة الدولية المتعلق بسليم عياش كشف أموراً مهمّة وأساسية، وهي انّه وفق قانون المحكمة تساق الاتهامات بحق أفراد وليس بحق جهات سياسية. وبالتالي لن يكون هناك اتهام واضح للجهة السياسية التي حرّضت وخطّطت ونفّذت».
لكنه يضيف: «لا أحد يقتنع انّ تفجيراً بهذا الحجم واغتيالاً بهذا المستوى، يطال شخصية كبيرة مثل الرئيس رفيق الحريري له بعد محلي وإقليمي ودولي، خطّط لهما مجرد أفراد، ما يطرح سؤالاً أساسياً، إلى أي جهة سياسية ينتمي هؤلاء الأشخاص؟ وللتأكّد من هذا الموضوع يجب تسليم هؤلاء المتهمين، وبالتحقيق معهم سيتمّ معرفة من خطّط وحرّض ونفّذ الاغتيال».
ويتابع عبدالله: «منذ اليوم الأول تحدثنا عن اتهام سياسي، بجريمة تفجير اغتيال الحريري او بتفجير مرفأ بيروت. وحكماً اتهام هؤلاء الناس يكشف الهوية السياسية للجهة التي قتلت رفيق الحريري. لكن يبقى السؤال، نُفّذت بقرار ممن؟ وبمعنى أوضح، من أخذ قرار تصفية الحريري، ايران أو نظام الأسد ام هو قرار محلي لبناني»؟
بكل الأحوال، يختم عبدالله، «المحكمة الدولية افضل من لا شيء. في وقت ملفات اغتيال كل الشخصيات السياسية في لبنان لم تصل الى نتيجة. أضافة الى علامات استفهام حول من فجّر مرفأ بيروت».