IMLebanon

تفادياً لـ”شيل البخور” في المئوية الأولى

 

ضرب فيروس “كورونا” رئة الاقتصاد العالمي وخنقه. التوقعات في الولايات المتحدة تشير إلى تراجع في الاقتصاد الأميركي في الربع الثاني من الـ2020 بنسبة 24% وهو التراجع الأكبر في تاريخ بلاد العم سام. أوروبا في حال كارثية نتيجة انهيار النظام الصحي تحت وطأة أعداد المصابين والوفيات بـ”كورونا”، وحال اقتصادات الدول الأوروبية أسوأ من الولايات المتحدة. الدول العربية والخليجية تحديداً تعاني كثيراً، وما يحميها هو حجم احتياطاتها المالية نتيجة النفط، لكن النفط والغاز ما بعد “كورونا” لن يكونا كما قبلها، وبالتالي فإن مداخيل هذه الدول ستتراجع حكماً وبشكل كبير. كل الدول تصرف من احتياطاتها في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحتى صندوق النقد الدولي أعلن استنفاره بكامل قدراته الإقراضية التي تبلغ تريليون دولار لدعم اقتصادات الدول الفقيرة والمتهاوية، وإيران أولى الدول التي طلبت مساعدة من الصندوق.

 

الخلاصة أن على لبنان أن يعيد حساباته بالكامل، وعليه حتماً أن ينسى كل الأموال التي كانت موعودة في مؤتمر “سيدر”، كما عليه ألا يتأخر في طلب المساعدة من البنك الدولي، ليس لمواجهة “كورونا” فحسب بل لإعادة تلمّس طريق النهوض الاقتصادي قبل فوات الأوان، وهذا ما يستلزم أولاً المباشرة بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة من دون أي تأخير كما يحصل اليوم نتيجة التجاذبات بين أهل “الخط الواحد” حكومياً.

 

في عودة بسيطة بالذاكرة إلى العام 2008، ينسى اللبنانيون أن دول العالم بأسره وقعت في أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وانهارت البورصات من نيويورك إلى هونغ كونغ. ينسون كيف أن كثيرين تركوا سياراتهم في مطار دبي وغادروها بعدما انهار كل شيء. وحده لبنان يومها لم ينهر بسبب السياسات الحكيمة لمصرف لبنان وحاكمه وبسبب النظام المصرفي المتين فيه، لا بل استفاد وطن الأرز من الانهيار العالمي ليحصّن وضعه المالي الداخلي يومها رغم سلسلة النكسات الأمنية والسياسية، بدءاً من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسلسلة الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي سبقته وتلته، مروراً بحرب تموز وليس انتهاء بتعطيل الانتخابات الرئاسية وشلّ البلد وإقفال مجلس النواب، وصولاً إلى 7 أيار واجتياح بيروت والجبل.

 

رغم كل ما سبق وهو لو حدث في أي دولة لكان كافياً للوقوع في الانهيار، ورغم الأزمة الاقتصادية العالمية، لم يشعر أي لبناني بأي أزمة على الإطلاق، لا بل زادت الاحتياطات النقدية ووصلنا بين العامين 2009 و2010 إلى تحقيق نمو ناهز الـ9%.

 

واليوم في ظل كل ما يحصل لا يمكن أن يعرف لبنان الخلاص إلا بالسير في خطين متوازيين: المباشرة اليوم بالإصلاحات المطلوبة ووقف استباحة الدولة بالصفقات والزبائنية وسياسة المحاصصة، وإعادة الدور المطلوب إلى القطاع المصرفي عبر إعادة رسملته، ليتمكن من لعب دور المحرّك للاقتصاد الوطني وتحفيزه ليتخطى الأزمة الخطيرة التي باتت تهدد أسس الدولة والمجتمع.

 

على المسؤولين في لبنان أن يتحملوا مسؤولياتهم وينسوا أي اعتماد على الخارج الغارق في أزماته ويباشروا بتنفيذ الإصلاحات، لأن الوقت لا يسمح باستمرار المناكفات السياسية واللعب على حافة الهاوية لأننا أصبحنا في قعرها، وعلى “حزب الله” وأدواته أن يوقفوا حربهم وحملاتهم على القطاع المصرفي وعلى مصرف لبنان وحاكمه. خارج هذه المعادلة يمكنكم أن تقيموا مراسم شيل البخور عن راحة نفس الدولة اللبنانية واقتصادها في الذكرى المئوية الأولى على تأسيس لبنان الكبير!