IMLebanon

“حقوق السحب الخاصة” وقود في “آتون” تجديد شرعية “المنظومة”

 

فاقت المتوقع بـ275 مليون دولار وفتحت شهية مختلف القطاعات على قضمات كبيرة للخلاص بنفسها من الانهيار

 

تمثل حصة لبنان من حقوق السحب الخاصة “الحيلة والفتيلة” لما يمكن أن يحصل عليه البلد من مساعدات نقدية بالعملة الأجنبية في المدى القريب، أو حتى المتوسط. الكل يراهن على حصة من المبلغ الذي يفوق المليار دولار لانقاذ نفسه، وتجاوز “قطوع” الأزمة مرحلياً. فيما لم تتبلور لغاية اللحظة رؤية موحدة لكيفية الاستخدام الأمثل للمساعدة المحدودة لئلا تذهب هدراً، على غرار المليارات المسحوبة من أموال المودعين.

 

وزارة المالية تبلغت رسمياً من صندوق النقد الدولي بأن لبنان سيستلم في 16 أيلول الحالي حوالى مليار و135 مليون دولار أميركي بدل حقوق السحب الخاصة. وقد أضيف على مبلغ 860 مليون دولار العائد لتوزيعات العام 2021، لتخطي آثار جائحة كورونا، مبلغ بقيمة 275 مليون دولار يمثل حصة لبنان من توزيعات الصندوق في العام 2009. وقتذاك أقدم الصندوق على توزيع حصص الدول من حقوق السحب الخاصة عقب “الأزمة المالية العالمية”، لمساعدة الدول على الخروج من مرحلة الانكماش العالمي الذي ولدته الأزمة. إلا أن لبنان لم يكن بحاجة إلى المبلغ، فلم يسيله. إذ حقق في هذا العام فائضاً قياسياً في ميزان المدفوعات وصل إلى 7.9 مليارات دولار. مستفيداً من عدم تورطه بالسندات الأميركية المسمومة، وتحوله جنة للرساميل الهاربة من الانهيار المصرفي العالمي.

 

المشكلة بكيفية الصرف

 

مبلغ 1.135 مليار دولار على أهميته يمثل حوالى 6.6 في المئة فقط من مجموع الدولارات التي ضخت في الاقتصاد منذ تموز 2019 ولغاية تموز العام الحالي. فبحسب الارقام تراجع احتياطي العملات الأجنبية في مصرف لبنان من 31 مليار دولار في تموز العام 2019 إلى 14 ملياراً منتصف هذا العام. أي أن لبنان استهلك 17 مليار دولار نقداً في غضون عامين من دون أن تترك أي أثر ايجابي على الاقتصاد. لا بل العكس، فقد انهارت في هذه الفترة القطاعات الصحية والانتاجية والخدماتية والتربوية، وتدهورت مختلف المؤشرات الاقتصادية وتقهقر سعر الصرف وارتفعت نسب البطالة والفقر. ما يعني أن المشكلة ليست في نقص الدولار بقدر ما هي بكيفية صرف هذه الدولارات. فمبلغ 17 مليار دولار ذهب القسم الأكبر منه إلى جيوب التجار والمهربين وقلة من المحظيين بسبب سياسة دعم السلع الفاشلة.

 

 

 

واذا ما استكملت هذه السياسية مع وصول 1.135 مليار دولار من “الصندوق” فان المبلغ لن يصمد لأشهر قليلة قبل أن ينفد، من دون أن يترك أي انعكاس عملي على المدى الطويل. من هنا يرى الخبير الاقتصادي د. نديم المنلا انه اذا أُريد للمبلغ أن يكون فعالاً يجب أن يترافق استخدامه، بشكل جزئي أو حتى كلي، مع خطة محكمة واضحة المعالم والاهداف، ومحسوبة بشكل دقيق. فالمبلغ يدخل تلقائياً على ميزانية مصرف لبنان ويتحول إلى جزء من الاحتياطيات بالعملة الصعبة. وعلى الحكومة، في حال أرادت استخدام جزء من هذا المبلغ لتمويل البطاقة التمويلية، فتح اعتماد في الموازنة العامة واقتراض المبلغ من مصرف لبنان. وهذا يتم مقابل فوائد والتعهد برد أصل المبلغ كما تقتضي شروط الاستدانة. وعليه لا يكون المبلغ المقتطع تقدمة مجانية”.

 

 

 

هذا من جهة أما من الجهة الثانية فيرى المنلا أن “ثانية الاولويات المطروحة هي لتمويل قطاع الطاقة”. فعلى الرغم من نية الحكومة العتيدة مخاطبة الصناديق العربية لتأمين تمويل لتطوير وتفعيل مشاريع الكهرباء، فإن تخلُّف لبنان عن تسديد ديونه في آذار الفائت أيام حكومة الرئيس حسان دياب يعقّد الموضوع، ويصعّب حصول لبنان على أي نوع من أنواع القروض حتى لو كانت من صناديق عربية. وبالتالي فان “الاتكال على التمويل من القطاع الخاص لمشاريع الكهرباء تبدو في هذه المرحلة ليست في مكانها”، من وجهة نظر المنلا، و”لن يعود من حل إلا استخدام مبلغ محدد من مساعدة الصندوق لتمويل مشاريع الطاقة”. إلا أن هذا لا يعني بطبيعة الحال بحسب المنلا الاستمرار باعطاء السلف لشراء الفيول، إنما التمويل بناء على خطة تطوير تحول الكهرباء من قطاع خاسر إلى قطاع يستطيع تسديد مصاريفه وقروضه وهذا لا يتم إلا في ظل خطة محكمة. كما على الحكومة وضع رؤية منطقية للاستفادة من المبلغ المعطى لتمويل عجز ميزان المدفوعات في السنوات القليلة القادمة.

 

الكابيتال كونترول أولاً

 

بالاضافة إلى إمكانية الصرف العشوائي المرتفعة، فان “أكثر ما يهدد المبلغ بالضياع هو عدم وجود قانون لتقييد الرساميل CAPITAL CONTROL”، بحسب عضو مجلس إدارة “جمعية رجال الأعمال اللبنانيين”جان طويلة، و”من بعد قوننة استعمال الاحتياطي، يجب الانتقال إلى وضع خطة واضحة وشاملة لكيفية إدارة ما تبقى من العملة الصعبة، واعتبار المبلغ المضافة اليه حقوق السحب الخاصة “أصولاً استراتيجية” للدولة لا يجوز التفريط بها. فهذا المبلغ يمثل الاموال المتوفرة لادارة المرحلة وايقاف الهبوط الحر وإعادة الاقلاع”.

 

 

 

وعليه يرى طويلة “ضرورة أخذ القرار سريعاً بوقف كل أشكال دعم السلع، والانتقال إلى تعزيز البطاقة التمويلية كمّاً وعدداً، ورفدها بمبالغ إضافية لتطال الطبقة الوسطى الأساسية في عملية النهوض وتلبية أبسط الشروط الحياتية للمواطنين. فما أقر من دعم مباشر للعائلات في المجلس النيابي وبسقف 556 مليون دولار، أقصى ما لا يقل عن نصف الطبقة الوسطى من امكانية الحصول على أي مساعدة. الأمر الذي يهدد بجر عشرات آلاف العائلات إلى الحضيض. ويحمل نتائج كارثية على مستقبل البلد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحياتي بشكل عام. أما المبلغ المقر للعائلات بحدود 1000 دولار سنوياً فهو لا يكفي لتلبية أبسط الشروط في ظل الارتفاع الهائل بأسعار السلع والخدمات. وعليه فان الأولوية هي لتعزيز حماية المواطنين، من بعدها تأتي “ضرورة التفاوض مع المصارف وتخصيص مبلغ لاعادة حقوق المودعين”، يقول طويلة، “من دون أن ننسى ضرورة ابقاء مبلغ صغير بالعملة الصعبة بيد مصرف لبنان يسمح له بالتدخل لتأمين الاستقرار النقدي للعملة وضبط التقلبات الحادة، في حال بدأت الحكومة خطة توحيد أسعار الصرف وتحريرها جزئياً.

 

الرقابة على صرف المبالغ

 

في الوقت الذي لا يضع فيه صندوق النقد الدولي أي شروط على كيفية استخدام الدول لحصتها من حقوق السحب الخاصة SDR، يرى الخبير الاقتصادي نيكولا شيخاني أن “الدول التي ستبدل “الوحدات” بعملة نقدية بشكل مباشر أو الاحتفاظ بها، مقابل إعطاء لبنان هبة تستطيع أن تضع بعض الشروط على كيفية التصرف بهذه المبالغ”.

 

وفي حال نجاح عملية الاستبدال فمن المستحسن استخدام هذه الاموال بمشاريع انتاجية تساهم بخلق قيمة مضافة بدلاً من “حرق” المبلغ على الاستهلاك. واحد من أهم المشاريع التي يمكن تنفيذها بالمبلغ هو إقامة مصنع أو أكثر لانتاج الكهرباء، وتطوير معملي دير عمار والزهراني اللذين يعملان على الغاز. الامر الذي يوفر للبنان بعد عدد قليل من السنوات كهرباء لمرة واحدة ونهائية 24/24. وبحسب شيخاني فانه “في حال بدأت الحكومة بتركيب خطة اقتصادية البارحة قبل اليوم، فلن تنجزها قبل سنة ونصف على أقل تقدير. ومن الممكن استخدام جزء من هذه الاموال النقدية في هذه الفترة كتدفقات نقدية لتسيير عمل مرافق الدولة الأساسية وضمان استمرارية أجهزتها الحيوية”.

 

بالقياس إلى ما صرفه لبنان في غضون عامين فان مبلغ 1.135 مليار دولار لن يصمد لأكثر من شهرين، إن لم تكن هناك من ضوابط وخطة لكيفية الاستخدام.

 

ولعل أكثر ما يخشاه المراقبون هو تحول هذا المبلغ إلى “وقود” في آتون السلطة لتجديد شرعيتها. وبحسب جان طويلة “فان المنظومة ستعمد إلى إيهام الرأي العام بالاصلاحات والخطوات الايجابية فقط لكي تصل إلى بر الانتخابات النيابية بسلام، من دون أن تحدث بالضرورة أي تغيير ايجابي على أرض الواقع”. من هنا، مهما كانت الاهداف نبيلة لاستخدام هذه الأموال فيجب أن تكون على قاعدة الشفافية والحوكمة الرشيدة.