IMLebanon

ولكم في العراق مثال أيها الألباب.

 

كذا تصريح، وكذا تلميح، سبق أن صدر عن كبار وصغار المسؤولين في إيران، تبرز من خلالها، المباهاة بأن طهران، ودولتها الإسلامية، باتت تسيطر وتمسك السلطة في أربع عواصم عربية، الأمر الذي يدفع بنا مجدّدا إلى التساؤل عن مدى توافق هذه التصاريح مع الحقيقة، واستخلاص مزايا وخصائص ونتائج هذا الوضع الذي تم نشره في بلدان عربية عُرِفت بانتمائها العربي العريق، وبارتباطها بقضاياه وبظروفه الحياتية.

من هذا المنطلق: أكثر ما يلفت الإنتباه في هذه الأيام العصيبة، ما هو قائم من أوضاع في بلدين عربيين، لبنان والعراق، مع تأكيد فوري على الملاحظات التالية:

لبنان: بلد متعدد الطوائف (18 طائفة)، الأمر الذي عكّر صفاء سياساته العامة وعرّضه لاضطرابات مستمرة، تبادلت فيها الطوائف والمذاهب موقع الصدارة والتأثير، وحاليا، فإن الطائفة الشيعية هي التي تمسك بزمام الأمور من خلال حزب الله خاصة، وقدراته العسكرية وتغلغله في جميع مؤسسات الدولة ومسالكها وشعابها وهو حزب إسلامي بالتصريح والممارسة، يجاهر بعلاقاته الحميمة مع إيران، وقد سبق أن أعلن قائده السيد حسن نصرالله، أن أكله وشربه وسلاحه واحتياجاته جميعا تأتيه منها.

العراق: بلد عربي ذو تاريخ تراثي يمتد في جذور التاريخ البعيد، غالبية سكانه الأساسيين تنتمي إلى المذهب الشيعي، مع فارق هام مع الوضعية الشيعية في لبنان، يتمثل في تناقض وتناهض مع الوضع الإيراني المجاور في حدود بالغة الإمتداد وتباينات في المصالح ظهرت إلى العلن الثابت والأكيد من خلال الإنتخابات النيابية التي جرت مؤخرا بحيادية تامة ومدروسة وبإشراف دولي واسع الأطر والفعالية، متمثل خاصة بالأمم المتحدة، وكان من نتيجته تراجع كبير في تعداد النواب المنتمين إلى الجهات والفرق ذات العلاقة الوطيدة بإيران، وما يدور حاليا من تحرّكات احتجاجية مسلحة وصلت إلى حدود محاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقية الحالية، مصطفى الكاظمي، نفذتها بمنهجية إرهابية متطرفة، ميليشيات محلية (معروفة من العراقيين، وفقا لما صرّح) وسط اتهامات بتزوير الإنتخابات وبأن الرئيس الكاظمي هو «المدبّر الأول» في إحداث هذه الهزيمة النكراء، من هذا المنطلق كانت محاولة اغتياله، خاصة بعد أن تبين الفوز الساحق لتيار شيعي عريق بزعامة السيد مقتدى الصدر وعدد كبير من المرشحين الطليعيين، فكانت محاولة الإغتيال بواسطة طائرة مسيّرة تحمل متفجرات أصابت وحطمت جزءا هاما من منزل رئيس الوزراء العراقي المعروف بهدوئه وبحياديته وبامتناعه عن ترشيح نفسه للرئاسة تاركا للنتائج الإنتخابية وللنهج الديمقراطي السليم تحديد النهج القيادي المقبل، الذي يؤمّن سلامة العراق ووحدته وتخليصه بالطرق الديمقراطية من أدران التسلط الخارجي المجاور، ومما لا شك فيه أن محاولة القتل العمد هذه، تشكل قلبا للصورة الساعية إلى إصلاح الوضع العراقي وتحويلها من وضعية النتيجة الإنتخابية الديمقراطية إلى وضعية انقلابية عنيفة الطابع، لنصل في المقارنة إلى كلا البلدين (لبنان والعراق)، حيث اشتد العنف الممنهج والموظف لمصالح الخارج، ووصل إلى حدود لا يمكن وصفها بالحدود المعقولة والمقبولة، طالما أنها انتهت بأعمال قتل ومحاولات قتل على أعلى المستويات، نجحت أحيانا وبقيت في إطار المحاولة- الإقتحامية في أحيان أخرى.

وبعد: نعود إلى لبنان حيث الأوضاع باتت متأقلمة مع ظروفها وتحدياتها المستجدة، لتظهر على الساحة، أعمال عنف من نوع آخر، تمثلت في مواقف مستغربة من القضاء عموما ومن الإصرار على تعزيز عمليات وضع اليد على ما تبقّى من مواقع الحكم والتحكّم، والسلطة والتسلط، وصولا في ذلك إلى وضع اليد على السلطة التنفيذية وتجميد العمل الحكومي ووضع المصير اللبناني كله في مهب الريح. ويلاحظ في هذا الإطار كيف أن المصالح والمنافع منطلقة من دوافع طائفية ومذهبية ومناطقية، ما زالت في لبنان هي التي تتحكم بمنهجية الأحداث وبمدى إطلالاتها المتشدّدة والمصرّة على تغليب الأوضاع التي ازدادت تعقيدا وحدّة منذ دخولنا في مراحل الحكم في «العهد الحالي الذي قارب على الإنتهاء» والتي وصلت بالتالي إلى نهاية قريبة رغم إصرارها على التشبث بشكل أو بآخر بتحقق وضع حافل بالفوضى والإضطرابات، الأمر الذي أحدث الفوضى المستفحلة في الجسم القضائي، وأبرز جملة من التصرفات المعاكسة للدستور والقانون، فضلا عن أن ذلك كله، يمكن أن يؤدي إلى تأجيل الإنتخابات المقبلة التي باتت هاجسا يخشاه كثيرون ويسعون إلى نسف إمكانية تحققه بما يسمح بتمديد أوضاع سائدة ومستفحلة، وترسيخ نظرية الحكم الوراثي ولو بشكل حافل بالمآخذ والثغرات الدستورية والقانونية والواقعية. ومما لا شك فيه، أن درجة العنف التي طاولت العراق في الأيام الأخيرة وصولا إلى محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي، مؤشر على الجزع الذي طاول تلك الميليشيات العراقية من تحول الأوضاع والرأي العام العراقي إلى هذه الحدود التغييرية الهامة التي قلبت التمثيل النيابي رأساً على عقب، الأمر الذي لا بد له من أن يخلق أوضاعا من الحذر والتحسب في بقية العواصم العربية التي طاولها ما طاول مماثليها في عملية وضع اليد على بلدان عربية بأسرها، وسط سيل من الذرائع التي أخذت نتائجها تفعل فعلها في كل المواقع والأوساط، كل ذلك وجميع هذه البلدان تعاني من حالات مستفحلة من الفوضى والخراب والدمار الشامل، الأمر الذي بدأت نتائجه بالظهور الخطير في العراق.