IMLebanon

رسائل إيرانية في كلّ الإتّجاهات

 

 

الحكومة اللبنانية مدعوّة  للإنعقاد الأسبوع المقبل بجدول أعمال، فرضه الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله، مقيّد بمناقشة الموازنة وخطة النهوض الإقتصادي، وهذا عُرف جديد تفرضه قوة التعطيل التي تتيحها حكومات الوحدة الوطنية. قليلة هي الأيام الفاصلة بين موافقة حزب الله وحركة أمل على المشاركة في جلسات الحكومة ومواقف سابقة ساقها أمين عام حزب الله ومساعده الشيخ نعيم قاسم عرضا خلالها القيود حيال إمكانية التئام الحكومة دون استئصال الحالة العصيّة على التطويع التي يمثّلها القاضي طارق البيطار، الأمر الذي يجعل من المستحيل تقبّل «المسوّغات الوطنية» التي قدّمها الثنائي في سياق تبرير موافقته على المشاركة في جلسات الحكومة. لقد سبق للثنائي عينه بالتكافل مع التيار الوطني الحر أن عطلا قطع حساب الموازنات وإقرارها منذ العام 2005 لتكون آخر موازنة تصدر لغاية العام 2017، حتى الموازنات التي صدرت بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية فقد طالها التأخير ليصل الى 10 أشهر في العام 2017، وقد أُقرت في غياب الرقابة الرسمية المتمثّلة بمجلس النواب وديوان المحاسبة، وغياب الرقابة المجتمعيّة التي يُفترض بالمواطنين ممارستها، لتتبع إنجاز المشاريع العامة وأوجه الإنفاق.

 

فهل أتى قرار الثنائي على خلفية إدّعاء الشعور بالمسؤولية وتلمّس خطورة تطوّر الأزمة الداخلية سياسياً وإقتصادياً وانهيار المداخيل، واستجابةً لنداءات القطاعات الإقتصادية والنقابية، وهل يهتم الثنائي باتّهامه بالتعطيل؟ وبكلمة أخرى هل يملك حزب الله القدرة على إعطاء الأولويّة للعوامل الداخلية بمعزل عن المعطيات الإقليمية التي يستند إليها تموّضعه ووزنه الداخلي؟ إنّ التجربة التي تمتد لعقود خلت أثبتت بما لا يقبل الشك إنّ الخيارات السياسية على مستوى الدولة لم تكن سوى إسقاط طبيعي لميزان قوى إقليمي، أو هي راعت في أحسن الأحوال الإصطدام بالقوى الإقليمية، فكيف الحال عندما أصبحت القوى الإقليمية ممثّلة بمجموعات سياسية محليّة مسلّحة وأصبحت الخيارات الوطنية تختصر الصدام الإقليمي وتضع نفسها رهن تسوياته؟

 

عودة الحكومة الى الإنعقاد ليست أكثر من رسالة اختبار نيّات إيرانية تمرر عبر لبنان باتّجاه الولايات المتّحدة التي لا زالت تتمسك بلبنان وتقدم له الدعم الدائم وتحفّز المجتمع المدني ومبادراته، كأحد الخيارات المتاحة للتغيير، بالرغم من موقفها الواضح من الطبقة السياسية. فإدارة الرئيس جو بايدن وبالرغم من التعثّر الواضح لديها في وضع الأولويات، إلا أنّ رسائل أميركية جديّة وردت إلى طهران على لسان مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان ووزير الخارجية أنطوني بلينكن تحدثت عن استحالة القبول بحيازة إيران سلاحاً نووياً، كما تحدثت عن الخيارات المفتوحة للتّصدي للأنشطة الإيرانية؛ وهذا ما تدفع إسرائيل وعدد من الدول الأوروبية نحوه، كما أنّ العديد من الدول العربية لا تبدي أيّ ممانعة في الإنضمام لتحالف دولي لمهاجمة إيران وكبح اعتداءاتها ودرء طموحاتها.

 

وربما يأتي قرار المشاركة في جلسات الحكومة بعد الرسالة الواضحة التي نقلتها السفيرة الأميركية في بيروت للرئيس نجيب ميقاتي إنّه «لن يكون هناك أي مخاوف من قانون العقوبات الأميركية. وهذه الرسالة التي تمّ تسليمها تمثّل زخماً إلى الأمام وحدثاً رئيسياً، في الوقت الذي نواصل فيه إحراز تقدّم لتحقيق طاقة أكثر استدامة ونظافة، للمساعدة في معالجة أزمة الطاقة التي يعاني منها الشعب اللبناني.. الرسالة الأميركية التي تمثّل تتويجاً لجهود لبنانية ومصرية وأردنية مع الإدارة الأميركية، تمثّل في الوقت عيّنه استدارة هامة في العلاقات اللبنانية العربية وتقطع الطريق على ربط لبنان بإيران إقتصادياً وتلتف على مقولة «الإتّجاه شرقاً».

 

وقد يكون قرار المشاركة بإجتماعات الحكومة رسالة نحو المملكة العربية السعودية تلاقي عودة ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين إلى السعودية لشغل مناصب في مقر منظمة التعاون الإسلامي وفق ما صرّح به المتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، أول من أمس. وربما تصرّ طهران من خلالها على المزيد من شراء الوقت والرهان على المواقف الفرنسية في ظلّ الجولات اللامتناهية من المباحثات في فيينا. فبالرغم من إصرار العديد من المتابعين أنّ إيران والسعودية تقتربان من استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات في كلّ من الرياض وطهران، وبالرغم من حاجة إيران لإنجاز محادثات  تسهم في دعم موقفها في مفاوضات فيينا، فإنّ الموقف الإيراني لا يزال يراهن على قدرته على الإبتزاز من خلال أذرعه في المنطقة. ففيما تؤكد الرياض على الدفع بالمباحثات نحو القضايا الجوهريّة التي تتعلّق بسلوك الحكومة الإيرانية في المنطقة، ومنها التخلي عن أعمالها المزعزعة لإستقرار الدول ورفع يدها عن اليمن تحديداً ثم بحث بقيّة القضايا، تُصرّ إيران على أنّ المشاورات يجب أن تقتصر على علاقات ثنائيّة بحتة، وفي أحسن الأحوال تقترح محادثات إقليمية تشارك فيها تركيا ومصر ضمن مساعيها لإثبات نفوذها في المنطقة.

 

إنّ استئناف جلسات الحكومة ليس سوى عبثاً في الوقت الضائع وشكلاً من أشكال المداهنة التي لن تلبث أن تتخلى عنها طهران لوضع عقبات جديدة وإستخدام أذرعها وحلفائها. إنّ الإعتداء الإرهابي اليوم على دولة الإمارات العربية هو دليل قاطع على جاهزية طهران في الإنقلاب على كلّ دبلوماسيتها الزائفة التي خاضت فيها جولات ولقاءات مع دولة الإمارات. وقد يتحوّل قرار مشاركة الثنائي الشيعي، حركة أمل وحزب الله، في غفلة من الزمن ودون سابق إنذار الى ما يشبه الإعتداء على مطار أبو ظبي.

 

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات