IMLebanon

إيران و”حزب الله” والإرتباك والإنفصام

 

بإمكان “حزب الله” وحلفائه، وأنصار إيران في لبنان، أن يراكموا الحجج الإعلامية التي تبرّئهم من إفشال المبادرة الفرنسية ويكثروا من توزيع المسؤولية على سائر الفرقاء اللبنانيين، ويرموا عبء الحائط المسدود الذي بلغته على من قدم تنازلاً من أجل إنجاح تلك المبادرة، الرئيس سعد الحريري، لأنهم يدركون مدى ثقل الخطأ الذي ارتكبوه في الحؤول دون تشكيل الحكومة الجديدة.

 

أبرز المفارقات في كل الحملات الإعلامية والتعبوية التي أعقبت اعتذار الرئيس المكلف تأليف الحكومة السفير مصطفى أديب هي أن من أفشلوا المبادرة الفرنسية التي استند إليها في وضع معايير تشكيلها، يعلنون تمسكهم بها ويتنصلون من عملية إجهاض الفرصة التي أتاحتها من أجل وضع البلد على مسار وقف الانهيار.

 

في موسكو يبلّغ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف نظيره الروسي سيرغي لافروف حين طالبه بتسهيل بلاده تشكيل الحكومة ووضع لبنان على سكة الحلول، أنه يجب ترك اللبنانيين يعالجون شؤونهم بين بعضهم البعض من دون تدخل، سائلاً لماذا يتدخل الرئيس إيمانويل ماكرون؟ وفي بيروت يقول حلفاء طهران إنهم يريدون لباريس أن تبقي على اهتمامها ويرفضون إعلان فشلها بعد اعتذار أديب. في موسكو يختم ظريف الحديث مع لافروف سائلاً لماذا يتصل الجانب الفرنسي مباشرة بـ”حزب الله”، موحياً بذلك أن على باريس أن تبحث التسويات في لبنان مع طهران. وفي بيروت يروج أنصار طهران بأن الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله يتمتع بتفويض اتخاذ القرار المناسب من القيادة الإيرانية من دون الرجوع إليها.

 

بالاستماع إلى المطالعات التي تصدر عن أنصار إيران و”الحزب” حول أسباب فشل المبادرة الفرنسية واعتذار أديب لا يستنتج المرء إلا أنهم يدفنون الرؤوس في الرمال. قبل الاعتذار بين انتقاد ما سموه التدخل الفرنسي في تأليف الحكومة وبين اتهام نادي رؤساء الحكومات السابقين بالتدخل، ثم بعد الاعتذار باتوا يشددون على أن المبادرة لم تسقط ويطلبون استمرارها. يتهم المحيطون بـ”الحزب” ماكرون بتنسيق جهوده مع إدارة دونالد ترامب من جهة، ثم يتهمون الأميركيين بأنهم من يفشلون مبادرة ماكرون.

 

المفارقات في هذه المواقف لا تعبر سوى عن ارتباك وانفصام واضحين.

 

فالرئيس المكلف المعتذر أديب وضع قواعد جديدة لعملية التأليف سواء من موقعه الدستوري أو انطلاقاً مما يفرضه موقعه السياسي، خارج إطار المحاصصة الطائفية والسياسية التي كانت سبباً رئيساً في المأزق الذي غرق فيه البلد. وحين بقي ثابتاً على مبدأ تجنب الدخول في بازار المساومات وعلى الأسلوب السابق في فرض موازين القوى داخل السلطة التنفيذية، بالخضوع لأعراف هجينة على الدستور والحياة السياسية. ولربما أن الأسلوب الجديد الذي اعتمده أديب شكل مصدر الارتباك والانفصام في موقف “الحزب” وحلفائه ما دفعه وإيران إلى لعبة مكشوفة لا تصلح المناورات في التغطية على أهدافها: عدم التخلي عن احتفاظه باليد العليا في تشكيل الحكومة لإبقائها تحت هيمنته الكاملة بحكم تحالفه مع “التيار الوطني الحر”.

 

نجاح “الحزب” وإيران في حرمان ماكرون من تحقيق إنجاز في لبنان، وإبقاء طهران على ورقة نفوذها إلى حين التفاوض المفترض مع واشنطن، قد يؤديان إلى تسويغ التقارب بين العاصمتين في شأن العقوبات والتشدد حيال إيران. أما محلياً فإن حرمان البلد من فرصة مبادرة ماكرون وضع إيران و”الحزب” في موقع الخصومة مع المكونات اللبنانية كافة، وأفقد حليفه الرئيس نبيه بري دوره التوفيقي والتفاوضي على رغم محاولاته.