IMLebanon

زمن الهيمنة الإيرانية الكبرى ولّى!

 

صحيح أن التاريخ يعيد نفسه ولو متأخراً، وربما بنسخ منقحة أو أكثر دموية، لكنه يُبقي الأمل بالتغيير متّقداً. وها هو لبنان الدليل الصارخ على قرب زوال زمن “الهيمنة الإيرانية الكبرى” بواسطة  “حزب الله”، إحدى أذرعه العسكرية والسياسية، الذي انهمك على مدى عقود تحت شعار المقاومة في تفتيت هياكل المؤسسات للإنقضاض على الدولة والكيان.

 

لعل الإمعان في الغيّ والجبروت والظلم، هو إحدى بشائر تقهقر المشروع الإيراني في المنطقة ولبنان عبر محور “أعمى” لا يرى ولا يسمع و “ما أنزل الله به من سلطان”، جعل من الزوال نتيجة حتمية، كونه لا يتمتع بالديمومة الطبيعية وان غلّفها وساقها ضمن “دينونة” مفتعلة، تهاوت بفعل الرياء والنفاق من لبنان الى سوريا الى اليمن والعراق.

 

اما لبنان فهو أقوى من المافيا التي تحكمه وتتحكم بشعبه ومقدرات الوطن والدولة، فالتاريخ ينضح بنماذج حاولت اختزال الشعب لمصالحها الذاتية او الخارجية، بدا لها انها حققت مبتغاها وما لبثت ان تداعت مشاريعها، لسبب اقل ما يقال فيه انه يتناقض مع نظام مصالح الدولة او الكيان.

 

الانتداب او الاحتلالات التي توالت على لبنان تؤكد هذه الحقيقة، رهانات القوى التي حكمت لبنان عبر الخارج للاستقواء على المؤسسات والشعب، اظهرت انها فشلت واندثرت من الاستقواء بالنظام السوري او بالنظام في مصر، او بالمنظمات الفلسطينية وبالجيش الاسرائيلي وبالقوات الفرنسية او الأميركية، وغيرها من دول ومنظمات عربية وغربية كلها وصلت الى طريق مسدود لمشاريعها، وانهارت على اعتاب لبنان وديمومته، التي لا تزال عصيّة على كل من يخلّ بكينونته ولو طال الزمن وامتد.

 

على هذا المنوال تسير الوصاية الايرانية على الدولة اللبنانية وسياساتها، ومهما بلغ النفوذ الايراني سطوته على الشيعة اللبنانيين خاصة واللبنانيين بوجه عام فانه سينتهي لا محالة.

 

نهاية هذه السيطرة والوصاية، بل المصادرة بقوة المال حيناً والسلاح في معظم الأحيان وباسم المقاومة في كل حين، سينتهي ويزول وان كانت الأكلاف عالية وغير مسبوقة في حجمها المادي والسياسي والاقتصادي، لكنه سيختفي بلا رجعة لأنه يخالف التاريخ وحقائق الوجود السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بما هي تأسيس وتعبير عن مفهوم الدولة كشعب وارض ونظام.

 

شكل شعار المقاومة في العقدين الاخيرين محاولة التفاف على هذه الحقائق، اي التلطي وراء شرعية موهومة في سبيل تبرير نفوذ وسطوة يتعارضان مع مقتضيات الدولة ووحدة الشعب، فالاستثمار في الانقسام لتبرير الوصاية وترسيخها لم يفلح ولن يفلح… والتهويل بالشعارات الكبرى ورفع سيف التخوين، لن يسمِن الدولة او يغني من جوع الشعب الى العدل والحرية، ولا حتى توفير قوت يومه كما وصلت به الحال.

 

هذا المحور المسمى مقاومة، والذي يحكم لبنان كما يحكم سوريا وغيرهما من الدول، انتهى بعد ان حقق انتصاراته كما تشير منذ اعوام رجالاته من ايران الى لبنان، ورحلة البحث عن “المنجزات”، لا تفضي الا الى الطغيان، والفساد والفقر، واذا كان ذلك ضريبة مواجهة المشروع الاسرائيلي، فان الخلاصة لانتصار ما يسمى محور المقاومة، اولاً واخيراً اختراق اسرائيل للمنطقة العربية ومنها “سوريا الأسد”.

 

حدود الاختراق والتمدد الاسرائيلي لم تكن في زمن الهزائم العربية كما هي اليوم في زمن انتصارات محور المقاومة، يريد انصار محور المقاومة منّا تصديق اكاذيبهم والصمت وإلّا…! يريد من الجميع ان يصدق ان ما قتله من العرب هو في سبيل تحرير القدس، وان صمته على الاهانات الاسرائيلية المتكررة هو سر استراتيجيته لتحرير القدس، والاستهانة بدماء وكرامة العرب، يقابلها هذا الصبر الاستراتيجي المتمثل بعدم الرد على الضربات الاسرائيلية المستمرة، اما في لبنان… فـ”إسأل” ولا حرج…  هل كانت تحلم اسرائيل بتحقيق انهيار لبنان من دون ان تدفع من دماء جنودها قطرة دم؟

 

الهزيمة شاملة وقد ساهمت ايران في تحقيقها، انكسر مشروع المقاومة بما هو فعل تحرر وتحديث وارادة تغيير نحو الأفضل، وعمل دؤوب من اجل الحرية والعدالة وفعل تنمية وحماية للمجتمع والمواطن من خلال ترسيخ الدولة بما هي مؤسسات ناظمة لحياة المواطنين.

 

لم يكن العداء لاسرائيل بقدر العداء للدولة، والا لما حصل هذا الانهيار في لبنان للدولة والمؤسسات القانونية وللاقتصاد وللعملة الوطنية، وفي الوقت نفسه تقدمت اسرائيل على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والدولية، تقدمت لأنها للأسف دولة، ولأن العصابات التي اسستها كانت تدرك ان الدولة هي السبيل لتحقيق القوة والنفوذ، ولو كان ذلك على حساب دور العصابات والميليشيات التي طردت الفلسطينيين، من اجل حماية ما تسميه ارض الميعاد بعد تحريرها كما تزعم. العصابات الصهيونية قدمت التضحيات في سبيل مشروع اسرائيل ولكنها لم تقف في وجه قيام الدولة للحفاظ على مكاسبها الضيقة بحجة انها ضحّت ودفعت الأثمان.

 

رهن لبنان لمسار المصالح الايرانية نتائجه واضحة في كارثيته، ومحور المقاومة في سياساته التي اعتمدها للسيطرة على لبنان، لم تحقق الا المزيد من الانهيار والتبعية، وهو محور لن يتخلى عن مكاسب حزبية، ولو ادى ذلك الى مزيد من تضعضع الدولة وتفسخها، طالما ان مصالح النظام الايراني متحققة او غير متضررة، لذا فان المشهد اللبناني يتجه نحو مزيد من التأزم كتعبير عن غياب الرؤية لقيام الدولة، ان لم يكن رفضها ونبذها من قبل “حزب الله” والمحور الذي ينتمي اليه، لكن ذلك وان دلّ على مسار كارثي في لبنان، فهو يفضح في الوقت نفسه هذا المحور الذي خدع بشعاراته الكثيرين، لكنه اليوم يكشف كم هو مشروع عبثي وتدميري للمجتمعات والدول، هو في نهاياته ويلفظ انفاسه الأخيرة، بعدما انجز مهمته او يكاد في الدول التي يتحكم بها.

 

ولبنان بهذا المعنى امام خيار التلاشي او البقاء، والانحياز للوجود هو ما يجعل اللبنانيين اليوم اكثر نفوراً من سياسة الابتزاز، والشيعة اكثر ادراكاً ان الخلاص لن يكون الا لبنانياً، لا ايرانياً ولا خلاصاً مذهبياً ايديولوجياً، الاقرار بالواقع وحقائقه القاسية بداية لمواجهته ولتحسين شروطه،… و “لا بد أن يستجيب القدر”!.