IMLebanon

تحجيم إيران يحتاج زمناً وأدوات جديدة

من غير الواضح حتى الساعة كيف سترسو لوحة التوازنات السياسية والإقليمية، بعد «عاصفة الحزم»، أو بعد القرارات «المهمة» التي صدرت عن القمة العربية الـ 26.

«فالمراجعة» التي انخرطت فيها مختلف الاطراف لإعادة تحديد مواقعها، لا تزال تحتاج عناصر عدة، لا يدّعي أيّ منها امتلاكه لها، لرَسم خريطة طريق للمرحلة المقبلة.

وما سُمّي «انقلابا» عربياً وخليجياً على وجه التحديد في اليمن، لا يشكل حتى الساعة رداً متكاملاً على النهج الذي تعتمده طهران منذ عقود في المنطقة. تقول أوساط أميركية إنه من المبكر الحديث عن «قلب للطاولة» بالمعنى السياسي والاستراتيجي، حيال ذاك النهج الهجومي الذي مضى عليه أكثر من عقدين.

فإذا كان صحيحاً القول إنّ الإندفاعة الإيرانية أمكَن رسم خط فاصل معها، وإنّ ما بعد «عاصفة الحزم» ليس كما قبلها، إلّا انّ الواقعية السياسية تقتضي القول إنّ حرب اليمن قد تمهّد لجولة جديدة من النزاع الاقليمي، لا يشبه ما كان قائماً قبله ايضاً.

خطأ الحسابات الذي وقعت فيه طهران لن يستمر طويلاً على الأرجح، على رغم الإرتباك السياسي والميداني الذي بَدت عليه في الأيام الماضية.

وما راكمَته في الفترة الماضية من «إنجازات»، يحتاج من خصومها الى سنوات من العمل السياسي والتراكم لكي يتحوّل نقيضاً، او أقلّه لإعادة التوازن معها.

فإيران المحاصرة بالعقوبات ستكون غيرها من دونها. ولعلّ «الصفعات» التي تلقّتها في كل من اليمن والعراق وسوريا خلال اقل من أسبوعين، ستكون حافزاً لزيادة تصلبها، فيما تتجه الى توقيع إتفاقها النووي».

أوساط أخرى تقول: «إنّ تفكك «النظام العربي» بصيغته السابقة يحتاج الى سنوات لإعادة بناء بديل له، على رغم كل الضمانات والتطمينات الأميركية لـ«الحلفاء» العرب. والصورة التي تقدمها لوحة الحرب في اليمن تشير الى انّ الأمر ليس بالبساطة التي يعتقد البعض.

فلا شيء يوحي بأنّ الأطراف اليمنية قد تصِل سريعاً الى نقطة التقاء تعيد الإعتبار الى عناصر الحل السياسي الذي انقلب عليه الحوثيون بعدما أسقطوا صنعاء.

فلا هم أعلنوا تراجعهم، ولا الرئيس السابق علي عبدالله صالح أبدى إشارات تَشِي باستعداده لفك الإرتباط معهم، ولا لوحة الانقسامات القبلية تشير الى سرعة تبلور تحالفات جديدة تعيد بناء توازنات جديدة.

والمشكلة انّ المتحاربين ينظرون الى ما يجري حولهم، من ليبيا الى العراق وسوريا، ليستخلصوا أنّ «صمودهم» ممكن ايضاً في اليمن، في ظلّ عجز أيّ من الأطراف، سواء كانت داخلية او إقليمية او دولية، عن تحقيق حل او فرض غلبة على الآخرين.فالحرب السورية دخلت عامها الخامس، ولا يزال «النظام» الفاقد شرعيته مستمراً بسبب «أوكسيجين» الخارج.

والإنقسام في ليبيا تحوّل فوضى لا تملك القوى القريبة او البعيدة علاجاً آمناً لها، فيما الحرب في العراق قد تمتد سنوات طويلة، هذا اذا اعتبرنا انّ «داعش» هي عنوانها الوحيد.

عندها ما الذي سيجعل الحرب في اليمن نزهة؟

لا أحد يريد إشاعة التشاؤم لكنّ الموضوعية تقتضي القول إنّ المنطقة تقاتل بأدوات نفذت صلاحيتها. قد يكون من الصعب على إيران من الآن فصاعداً ان تبقى طليقة اليد، فيما الرد على تدخلاتها يأخذ شكلاً حثيثاً من التكتل المذهبي.

تقول تلك الأوساط إنّ تقاطع المصالح الموضوعي الذي أنتج تحالفاً تقوده السعودية اليوم، ليس معروفاً بعد كيف سيتصدى للتداعيات البنيوية التي تضرب المنطقة برمتها.

إيران التي تتهيأ لحقبة ما بعد الإتفاق النووي لا تمتلك سوى مشروع قومي مذهبي، في مواجهة قوى تطمح هي الاخرى لبناء عصب قومي وآخر مذهبي.

والنتيجة قد تنتج مزيداً من النزاعات والحروب التي ستجبر أيّ إدارة أميركية على البقاء جانباً مع محاولتها نزع الأسلحة الإستراتيجية من اللاعبين.

هذا ما جرى في سوريا بعد تدمير أسلحتها الكيماوية، وهذا ما يجري مع إيران عبر احتواء برنامجها النووي وتجميده.

و»توازن» القوى الذي تسعى اليه الدول العربية والإسلامية السنّية، من شأنه أن يطلق موجة جديدة من التطرّف، وقد لا ينحصر بالحركات والتنظيمات الفردية، بل قد يطبع دولاً وأنظمة بكاملها.

فانسداد آفاق التغيير السياسي والديموقراطي في المنطقة، والمعطوف على مشكلاتها البنيوية والسياسية ومستقبل الأقليات، سينتج تطرّفاً قد يكون مفتوحاً على مزيد من الإنقسامات وانهيار الكيانات، من إيران الى المغرب العربي.