تحوَّلت الجلسة الرسمية الأولى للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي لنقاش التفويض الذي طلبَه الرئيس باراك أوباما في الحرب ضد «داعش»، إلى جولةٍ أخرى من النزاع المبكِر المحتدم بين الحزبَين الجمهوري والديموقراطي، تمهيداً للانتخابات الجزئية الخريفَ المقبل والرئاسية بعد نحو سنتين، لكنّها كشفَت أيضاً عمقَ الخلاف، ليس بين الحزبَين فقط بل مع الديموقراطيين أنفسِهم
الرئيس السابق للجنة السيناتور بوب مننديز توَلّى بإسمِ الديموقراطيين وضعَ شروط للموافقة على التفويض، اعتبرَها البعض ردّاً على الحملة التي تشنّها ضدّه الإدارة على خلفية قضية فساد، عقاباً على اعتراضاته على سياسات أوباما الخارجية.
تتحدّث أوساط الكونغرس عن صعوبةٍ في تمرير المشروع بصيغته الحاليّة، فيما التنافس على أشدّه بين دعوة الجمهوريين إلى عدم تقييده بمدى زمني وجغرافي والإشارة إلى إشراك قوّات برّية، وبين مطالبات الديموقراطيين بتقصير مدّة التفويض وحذف الفقرة التي تتحدّث عن قوات برّية بوضوح. وتُجمِع على القول إنّه يستحيل تمريره حتى ولو اتّفقَ الحزبان على صيغة توفيقية، أقلّه قبل شهر أيار المقبل.
في الجلسة، ظهرَ وزيرا الخارجية والدفاع جون كيري وآشتون كارتر ورئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن دمبسي، وكأنّهم على يمين الوسط، عبر تشديدهم على توسيع المدى الجغرافي لتلك الحرب لتشملَ محاربة جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا، وعلى أهمّية مشاركة قوات أميركية برّية حيث تقتضي الظروف.
غير أنّ تركيزَهم على احتمال انقلاب إيران على الدور الأميركي، خصوصاً في العراق بعد دَحر «داعش»، يهدف عملياً إلى محاولة رسم خطوط للعملية السياسية التي ستَنشأ، من دون أن يتلفّظوا بعبارات توحي بأنّ مستقبل العراق السياسي مضمون.
تزامُن تصريحات رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي عن صعوبة إعادة توحيد البلد وفقَ المسار الراهن للأحداث، مع دخول القوات العراقية المشكّلة بغالبيتها من «الحشد الشعبي» الشيعي المدعوم والمموَّل من طهران إلى مدينة تكريت، يشير الى أنّ المسار الذي تتّجه نحوه أحداث المنطقة، عسير ومتشعّب فضلاً عن تشاؤميته.
تقول مصادر أميركية إنّ ما تقوم به طهران ليس خافياً على أحد، وإذا كانت المصلحة الموضوعية في محاربة «داعش» تقتضي التنسيق، إلّا أنّه ليس من واجبات واشنطن ولا من مصلحتها أن تؤدّي مجدّداً دورَ الشرطي في المنطقة، فيما القوى الإقليمية الكبرى الأخرى تستعدّ لليوم التالي.
لا شيء يُعادل أهمّية نزع الخطر النوَوي، فيما الحديث عن صفقةٍ كبرى مع طهران نفاه كيري في جلسة الكونغرس أمس الأوّل، متحدّثاً أيضاً عن تنسيق مع حلفاء واشنطن في المنطقة حول سُبل احتواء خطر التمدّد الإيراني.
ولا تُخفي تلك الأوساط أنَّ تصاعد حديث عدد كبير من المسؤولين الأميركيين والغربيين في الآونة الأخيرة، عن دور إيران، يعكس تغييراً واستياءً في مقاربة العلاقة معها، فيما هي تتحدّث عن نجاحات وانتصارات تسعى إلى مقايضتها في ملفّها النوَوي الذي بات قابَ قوسين أو أدنى من وضعه على الرفّ. وتضيف الأوساط أنّ معركة تكريت قد تكون حصّة طهران في مستقبل العراق، وهي حصّة وازنة، في حين أنّ معركة الموصل وما بعدها هي من حصّة الأطراف الأخرى، لأنّها ستعكس طبيعة التقاطعات والتوازنات الداخلية والإقليمية.
تعليقاً على هذه الفسيفساء، يقول مصدر مطّلع إنّ إيران التي يزهو قادتُها اليوم بأنّهم يستعيدون أمجاد «أمبراطورية فارس»، قد يكتشفون أنّها أضغاث أحلام، ولن تؤدّي إلّا إلى زيادة حساسية القوى الإقليمية الأخرى، بما يُحَوّل «ابتلاع» الدوَل عسرَ هضمٍ عسير.
فخطورةُ السلوك الإيراني تكمن في أنّه يُمهّد لحقبةٍ من عدم الاستقرار، معطوفة على قابلية كلّ الأطراف على الدخول في مواجهات قد لا ينجو منها أحد، خصوصاً أنّ كيانات المنطقة، سواءٌ ذات «العراقات الأمبراطورية» او المتشكّلة في القرن الماضي، تحتدم فيها التناقضات العِرقية والمذهبية والجغرافية، الكامن منها أو المكشوف.
ويؤكّد المصدر أنّ ما يحدث اليوم ليس سوى رأس جبل الجليد لما يمكن أن نراه لاحقاً. فالتفكّك الذي يضرب العراق وسوريا واليمن وليبيا، قد يصبح نموذجاً معمَّماً في ظلّ خطابات وشعائر وشعارات تستحضر موروثات تاريخية لا يمكن تكرارها. ودحرُ «داعش» قد لا يكون هو المشكلة، فيما «دواعش» داخلية كثيرة قد تطلّ برأسها في بلدان لا تزال تعتقد أنّها في منأى منها.