IMLebanon

لا شيء في إيران

 

 

الإطلالات على يوميات الصحافة الإيرانية تبدو ضرورية للمقارنة وأخذ العِبر. فبعض الممسكين بالسلطة في لبنان، وهم الأقوى، لا ينفكون عن الدفاع عن نظام الجمهورية الإسلامية من موقع الشريك أو التابع المعجب بنموذج تراه شرائح واسعة من شعبه والعالم كارثة مقيمة. هؤلاء يتبنّون ما يقوله النظام عن شعبه بالحرف الواحد، فالاحتجاجات مؤامرة ينظمها أعداء الخارج وعلى رأسهم أميركا، والانتقاد تحرّكه شبكات تجسس، والنزول إلى الشارع تديره وسائل إعلام الاستخبارات.

 

لا شيء بنظر هؤلاء يستحق التوقف عنده سوى الحرب الأبدية على المؤامرة. سمعنا كلاماً مشابهاً في وصف احتجاجات اللبنانيين على النظام الفاسد وآلة السلطة التي تديره. الكلام نفسه قيل في بيروت وطهران وبغداد، في وصف رغبة الناس بالخلاص، وعلى لسان أبناء المدرسة إيّاها، والنتيجة قمع وتهجير وإفقار وتكديس للثروات والسلطة في يد قلة حاكمة، فيما تنحدر الأكثرية الشعبية إلى الجوع والهجرة.

 

في لبنان هاجر مئات الألوف، ومنذ الثورة الخمينية في إيران غادر ملايين الناس إلى أوروبا واميركا. صحيفة «جمهورى اسلامي» إلايرانية أحصت نحو 15 ألف طبيب إيراني و12 ألف أستاذ يعملون في المستشفيات وفي البحث والتدريس في الجامعات الأميركية ومؤسسات التعليم العالي. وأوضحت الصحيفة انّ موضوع هجرة الأدمغة يُنظر إليه في ايران بطريقتين، إحداها يُعبَّر عنه على إحدى القنوات التلفزيونية المحلية بـ»دعهم يذهبون لتتطهّر البلاد»، والأخرى تدعو لتنقية الأفكار والعقول المتطرّفة حتى لا تكون سبباً في هجرة الأدمغة، مؤكدةً أنّ الحلّ هو بإخراج القرار من سيطرة المتطرّفين والتطبيق الصارم للدستور، ما يمكن أن يخفف من هجرة الأدمغة إلى الخارج ويمنع عزلها في الداخل.

 

وتتناول صحيفة «هم ميهن» تردي القطاع الصحي تحديداً فتقول إنّ الموارد البشرية المتخصصة تترك مهنة الطب أو تهاجر لأسباب عدة، أهمها الرواتب التي تمنع الكثير من الأطباء من الاستمرار في عملهم، وتكشف أنّ جامعات ايران تفيد بأنّ عدد الطلبة الذين يتركون درسهم في مجال الطب يتزايد، كما أنّ الوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد أفقد الطلبة والأطبّاء الأمل في مستقبل جيد. وبرأي الصحيفة، فإنّ مجموعة الأسباب هذه أدت إلى تردي الوضع الاقتصادي للأطباء والمستشفيات، في ظل عدم القدرة على توفير الأدوية، التي باتت تشكل مشكلة إضافية. ولم تستبعد «هم ميهن» تحوّل إيران من قطب للعلاج في المنطقة، إلى بلد يخرج شعبه للبلدان المجاورة للعلاج.

 

الأسباب نفسها تقود إلى النتائج نفسها، وكأن صحف إيران تتحدث عن لبنان وليس عن إيران وحدها، وفي المكانيْن تنبري المدرسة نفسها لتحميل الغرب المسؤولية حتى في استقباله ضحايا سياساتها العقيمة. قبل أيام عاد الشيخ نعيم قاسم من طهران مطمئناً إلى اقتدار وازدهار النظام، وفي خطاباته المتتالية يحرص حزب الشيخ على القول بإيران المزدهرة التي تواجه مؤامرات الاستكبار، وكجزء من هذه المواجهة يواصل لبنان انحداره الصاروخي ولكن الصامد في دحره للمخططات المعادية.