IMLebanon

إيران – روحاني والقرن الحادي والعشرون

قد يكون شهر تمّوز شهراً مهمّاً في تاريخ الجمهورية الإيرانية الإسلامية، لا سيّما وأنّ في هذا الشهر بالذات من العام 1987 دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وبموجب القراو 598، إلى وقفٍ فوريّ لإطلاق النار بين إيران والعراق.

في شهر تمّوز الحالي وقّعَت إيران مع الدوَل العظمى ما يسمّى Nuclear deal agreement، وهو بحسب الممثلة الأعلى للاتّحاد الأوروبي Frederica Mogherini ووزير خارجية إيران جواد ظريف «يومٌ تاريخي»، إذ إنّهم توَصّلوا إلى اتفاق بشأن القضية النووية الإيرانية، وقد يكون هذا الاتفاق قد فتحَ صفحة جديدة في إيران بعد عدّة عقود من المرارة والريبة تجاه القوى الغربية التي كانت ضد النظام السياسي الإيراني الذي اتُّهِم عن حقّ أو عن غير وجه حقّ،

بأنّه الراعي للإرهاب ومزعزِع استقرار المنطقة، فكانت نتائج ذلك عقوبات عانى منها الشعب الإيراني لأكثر من 25 عامًا، وبغَضّ النظر عن الخلافات بين الطرفين لا بدّ مِن القول إنّ السلام قد انتصرَ نتيجة هذا الاتّفاق، وأقلّ ما يُقال فيه أنّه فتحَ الباب أمام إيران جديدة قد تكون معتدلة ولها أملٌ بمستقبل تجاري مع الدوَل الكبرى وتعِد بمستقبل مشرق وآمِن للإيرانيين دون خطر مواجهة عسكريّة مباشرة كانت تهَدّد دولتَهم.

أمّا الاتفاقية بحدّ ذاتها وما يتعلق بتخفيف العقوبات على إيران فيبقى عمل الديبلوماسية، والديبلوماسية كالفن التجريدي، قد تكون معقّدة إنّما كلّ واحد يرى فيها ما يريد. وإذا كان الرئيس الإيراني حسن روحاني كتبَ على تويتر أنّ جميع الجزاءات سوف تُرفع، إلّا أنّ أوباما من ناحيته قال إنّ هذه الجزاءات رفعُها سوف يكون على مراحل، لذلك قد تكون الاختلافات في التركيز على الكلام والمصطلحات،

إنّما وفي نهاية الشوط يبقى القول إنّ قطار السلام قد بدأ مسيرته ومهما تكون الاختلافات وجبَ الاعتراف أنّها كسبٌ كبير لإيران وخروجٌ مِن عزلتِها وجزاءاتها والتي قضَت على اقتصاد بلد كبيريعَدّ من أكبر دوَل المنطقة من حيث القدرات الاقتصادية والإنتاجية ويعطي إيران فرصة للظهور مجدّدًا على الساحة الدولية من خلال تعزيز اقتصادها وتبادلِها التجاري مع أوروبّا خصوصًا وأميركا عموماً، ويَفتح إمكانيةً للسياسيين في طهران بالمشاركة دوليًا، إنْ كان ذلك سياسياً أو اقتصادياً.

هذا ومِن الناحية السياسية العامة وما قد ينتج عن هكذا اتفاقيات، إنّما تبقى أعينُ الغرب مع أميركا عمومًا وأوروبّا خصوصًا على ما تفتحه هذه الاتفاقية من فرص أمام الغرب لإقامة علاقات اقتصادية متينة مع إيران، وهي الدولة ذات المخزون الهائل من البشر والغاز والبترول وغيرها من الصناعات التي هي بحاجة ماسّة إلى تكنولوجيا حديثة لا يمكن أن يؤمّنها إلّا الغرب، وقد تكون أوروبّا سبّاقة في هذا الموضوع ومطّلعة تمامَ الاطّلاع على الإمكانيات الهائلة التي ستَسمح بها هكذا اتفاقية، كذلك الفرص المتاحة للمستثمرين الأوروبيين في الذهاب إلى إيران، وقد تكون شركة Airbus أولى العالمين بهذا الوضع وبدأت تحَضّر منذ فترة لفرصة تجديد أسطول إيران الجوّي وتدريب طيّاريها.

وللعِلم، فقد بدأ نظام العقوبات في أعقاب قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1989 عندما قطعت الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية مع طهران، وعلى مدى عقدٍ بقيَت وحدها الولايات المتحدة ملتزمة بمعاقبة إيران لحين بدا للمفتّشين الدوليين في عام 2005 أنّ طهران لن تفيَ بالتزاماتها النووية الدولية فتبعَتها أوروبا والأمم المتّحدة ولعقدٍ من الزمن في هذه الجزاءات، ممّا جعلَ مِن اقتصاد إيران يتآكل وبلغَ التضخّم نسَباً عالية، وممّا زاد من مشاكل إيران الاقتصادية انخفاض سِعر برميل البترول الذي كان يشَكّل ترسانةً ماليّة مكّنَتها ولأعوامٍ مِن التعاطي مع دوَل العالم بأشكال غير تقليدية وقد تكون أحيانًا بدائية.

هذه الأمور مجتمعةً تشَكّل أحد العناصر الرئيسية التي يتطلّع إليها الإيرانيون في المستقبل القريب، ويَعني مِن جملةِ ما يعنيه غازاً رخيصاً في المستقبل وتكلِفةً أقلّ للوقود.

ويبقى أن يوافق الكونغرس الأميركي على هذه الصفقة، على أنّه رغم غموض تفاصيلها تبقى بابًا للإيرانيين للعودة إلى الحظيرة الدولية، هذا ولا بدّ مِن تطلّعِِ إلى بعض المؤشّرات الاقتصادية التي يراها الخبَراء وكنتيجة لهذه الاتفاقية، وقد يكون أهمّها الإفراج عن أصولٍ يمكن استخدامها في تصحيح العملة الايرانية،

عِلماً أنّ ذلك يشَكّل تهديدًا جدّيًا للمصدرَين الإيرانيَين، أضِف إلى ذلك احتواء التضخّم الذي تراجع وللعِلم من 40 % عام 2013 إلى 15 % في آذار الماضي، وهذا يُعتبَر إنجازاً كبيراً يسَجّل لحكمِ روحاني، كذلك يَعتقد المحَلّلون الاقتصاديون أنّ قطاع السكَن سوف يشهَد تحسّنًا ملموسًا، ممّا يعني أنّ أسعارَه قد تؤثّر سَلبًا على الانخفاض في نسَب التضخّم.

أمّا بالنسبة إلى البطالة، والتي اعتبرَها روحاني من الأولويات التي سوف يَرصدها خلال حكمِه والتي ما زالت تراوح حوالي 10 %، إنّما وجَب القول هنا إنّ المستثمرين الأجانب والمحَلّيين سوف يَعملون على زيادة استثماراتهم التي طالما انتظروها وجاءَت بعض المؤشرات لتشير إلى تراجعِ البطالة في قطاع المصارف، ما يعني زيادةً في النمو الاقتصادي وتحرّكاً ملموساً في القطاع المالي.

وممّا لا شكّ فيه أنّ القطاع التجاري والتصدير بشكل خاص سوف يحتلّ جزءاً كبيراً مِن العملية الاقتصادية، ما يعني زيادةً في النمو ومصدراً للعملات الأجنبية، هذا وحكومة روحاني التي تُعتبَر بعددِ خبرائها الاقتصاديين من أهمّ الحكومات عدداً في العالم وتضاهي، إذا جاز الكلام، حكومةَ أوباما نفسه، أخذَت على عاتقها هذه العملية وجعلت هدفَها الخروج من الركود والمضيّ إلى الأمام.

و يبقى أمر البترول الذي يُعتبَر مِن أهمّ قطاعات إيران الإنتاجية ومصدراً رئيسياً لها، كذلك قطاع السيارات حيث تُعتبَر إيران الرقم 11 عالميًا من حيث صناعة السيارات، وتسبق بذلك إنكلترا وإيطاليا، وأخذ هذا القطاع حيّزاً من اهتمام المسؤولين وسوف يكون قطاعًا تنافسيًا للعديد من الشركات العالمية التي سوف تسعى للدخول إلى بلد يبلغ عدد سكّانه أكثر من ثمانين مليون نسمة.

لذلك وبالمطلق فحكومة روحاني لديها خطط اقتصادية كافية للسير بالبلد نحو التعافي، والإيرانيون على يقين بقدراتهم وما ينقصهم من خبرات، ممّا يجعل العملية الاقتصادية أهونَ على المسؤولين والمستثمرين والشركات العالمية. هذا بالمطلق وشرط أن تسير الاتفاقية نحو التطبيق ويبقى الشيطان في التفاصيل. أمّا إذا ما نجحَ هذا الاتفاق فلا بدّ مِن التطلّع إلى إيران بنظرة جديدة.

لذلك، وبدون أيّة مزايدات وبعيداً عن المنطق السياسي المتحجّر، قد تكون إيران مِن أكثر الاقتصادات الواعدة للقرن الحادي والعشرين.