النظام السياسي اللبناني يُعاني من سياسة رعناء وهي وفقاً للعلم السياسي «ممارسة سياسية غير مسؤولة أو غير حكيمة والتي قد تتسِّم بالتهوُّر أو عـدم التفكير في عواقب هذه السياسة» (مراجعة تصريح الموفد الأميركي الحالي وما قيل في السابق أثناء الأزمات)، غالباً ما ينتج عن هذه الممارسة السياسية سلوكيات غير رشيدة من قبل المسؤولين أو المستشارين وحتى الأحزاب السياسية والقيادات الروحية مسيحية ومُسلمة، ممّا يؤدي إلى نتائج سلبيّة على المجتمع وبُنية الدولة. ويُشير العلم السياسي إلى شمول السياسة الرعناء عدد من الجوانب وأهمها: أولاً – إتخاذ قرارات متهوّرة غير مدروسة ، ثانياً – سلوكيات سياسية غير مسؤولة لا تنسجم مع أرض الواقع والمعطيات التي تُحيط بجوانب الأزمة، ثالثاً – خطاب تحريضي غير مسؤول ضد توجهات إقليمية – دولية وقد تشمل واقع محلّي، رابعاً – التلاعب بالرأي العام وتضليله، خامساً – عدم إحترام سيادة المؤسسات الرسمية وتطبيق القانون، سادساً – التركيز على المصالح الشخصية ذات المنفعة الخاصة.
عواقب هذا النوع من السياسة الرعناء يمكن أن يؤدّي: أولاً – زعزعة الإستقرار الوطني وفقدان الثقة السياسية وتزايد التوترات، ثانياً – تدهـور الأوضاع العامة في البلاد على الصعُد السياسية – الأمنية – الاقتصادية – الإجتماعية – المالية، ثالثاً – العنف والاضطرابات بين المواطنين وتشتُّت الأفكار والإنقسامات، رابعاً – تراجع صورة الدولة التي نالتْ ثقة المجتمعين العربي والدولي وبات الرأي العام اللبناني مترنحاً بين مضامين الخطابات التي لم تنّفذ. إنطلاقاً ممّا أسلفناه نتمنّى قراءة هادئة ومتزِّنة لواقع الوضع السياسي القائم ومن المهم النظـر إلى ما تمّ سرده من ملاحظات تندرج في إطار النقد البنّاء وهو نتيجة خيار سياسي مبني على قواعد العلوم السياسية وليس على المصالح الخاصة أو الخوف من سلطة أمر واقع…
على ما يبدو لم يتعلّم المسؤول اللبناني من وقائع الأحداث الماضية لا بل لم يتعظ من خطورة ما حصل سابقاً إزاء الممارسات السياسية الرعناء التي مورِستْ إبّان تواريخ مفصلية في مسيرة الأزمة اللبنانية، مسرحيات سياسية أبطالها حُكّام يتلاعبون بمصير الوطن ومؤسساته الشرعية وبمصير الشعب ويتناسون أنّ الكيديّة السياسية والتجاذبات والتضليل أطاحت بكل ما هو شرعي على مستوى المؤسسات وخصوصاً لناحية تطبيق الدستور والقانون ومندرجات القرارات الدولية. المؤسف أنّ هناك مؤسسات سياسية عربية ودولية حريصة على السلم والإزدهار في لبنان بينما مسؤولو الدولة مستمرّين في التعنُّت والهروب من المسؤولية تحت ستار حجج واهية، ومن الملاحظ أنهم لا يريدون تطبيق النظام والدليل استمراريتهم في زرع الفوضى والتهرُّب من تطبيق القوانين علماً أنهه أقسموا اليمين على المحافظة على السيادة وديمومة المؤسسات الرسمية.
العلوم السياسية تؤكد أنه في اللحظات المصيرية تبرز «العقلانية في القيادة وإتخاذ القرارات الحكيمة ، وصانع السياسة أو المسؤول السياسي يكون على المحك فإمّا إنجرافه نحو المصالح الخاصة، أو يكون مبدعاً في إجترار الحلول المنطقية الموضوعية العلمية، أو يكون صاحب إنعطافات حادّة مصيرها الفشل والسماح بتمرير المشاريع على حساب الوطن» (الأمثلة كثيرة ومتشعبة: القراءة الخاطئة لإتفاقية القاهرة وما أسفرت عنه من حروب وإنقسامات – القراءة الخاطئة لمضمون وثيقة الوفاق الوطني وما أسفرت عنه من تسليم الجمهورية للوصاية السورية – القراءة الخاطئة لضرب مفهوم السيادة الوطنية فكانت الدويلة التي تحكُم وتسيطر على مفاصل الدولة).
الأزمة الحالية وما يُرافقها من تداعيات سياسية – أمنية – اقتصادية – مالية – إجتماعية تلقي بخطرها على واقع الجمهورية اللبنانية وباتت التصاريح تُطلق حاملةً مضامين خطيرة وكلها ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالأداء السياسي الحالي، سواء خطّط لذلك أم لا، والظاهر هناك إنحراف مقصود عن تطبيق مبادئ ونظريات سياسية أم أخذ قرارات عفوية، فكل ذلك يرتبط بشكل أو بآخر بأداء النظام السياسي الحالي. المعادلة واضحة كلما إتسعتْ حركة التملمُل العربية والدولية وحتى الداخلية كلما بات الواقع السياسي بحاجة إلى خبراء في علم السياسة لتحديد مسار التوجهات السياسية بهدف التصويب نحو الأفضل وحرصاً على حُسن العمل السياسي لتحقيق المكاسب السياسية المبتغاة.
سياسة غير مسؤولة قد توصلنا إلى الهلاك وتفكُك البنية السياسية والوطنية وستُدمِّر الجمهورية، السكوت المُمارس والتجاهـل المتعمّد والتصاريح اللامسؤولة ورمي الإتهامات والتهرُّب من المسؤولية تحت ستار شعارات واهية كلها آلية توّفِر منظومة سياسية ستؤدي بالدولة ومؤسساتها إلى مَـنْ سيتخذ القرارات بالإنابة عن المسؤول اللبناني وستكون هذه القرارات على حساب الدولة ومؤسساتها والشعب.
المطلوب أعداد خارطة طريق تحمل «تعديلاً حكومياً في بعض الحقائب الوزارية الحسّاس (على سبيل المثال لا الحصر – الدفاع: مهمة هذه الوزارة جد ضرورية لجهة حفظ الأمن الوطني تطبيقاً لقانون الدفاع الوطني، – الداخلية: مهمتها قانون للإنتخابات النيابية عادل ومتوازن يرسم الملامح المستقبلية لمرحلة ست سنوات) وتفعيلها وتوفير المناخات الكافية لها محلياً – إقليمياً – دولياً» من أجل مواكبة المساعي لإعادة الجمهورية اللبنانية لكنف الشرعية المناطة بها وفقاً للقوانين المرعية الإجراء.
* كاتب وباحث سياسي