IMLebanon

هل يُبدِّد عون الإنطباعَ بأنّ وصولَه إنتصارٌ لطهران؟

العائق الأساس أمام وصول العماد ميشال عون إلى «قصر بعبدا» يكمن في الانطباعِ القائم بأنّ انتخابه يشكّل انتصاراً لطهران، الأمر الذي يحمِّله مسؤوليةَ تبديد هذا الانطباع.

على رغم محاولة العماد عون فكّ عزلته الوطنية من خلال الانفتاح والتواصل مع «المستقبل» و«القوات اللبنانية»، وتسويق ترشيحه من باب التوافق المسيحي-المسيحي الذي يستند إلى قاعدة تمثيلية، وقدرته على لعب دور الجسر بين «المستقبل» و«حزب الله»، إلّا أنّ العقبة الأساسية التي ما زالت تعترض انتخابه تتمثل بصورته التي التصقت بمحور المقاومة منذ توقيعه وثيقة التفاهم مع الحزب وصولاً إلى اليوم، وهذه الصورة لا تخدم عون رئاسياً للأسباب الآتية:

أولاً، لأنّ طهران ستصوّر انتخاب عون انتصاراً جديداً لها في اللحظة نفسها التي تخوض مواجهات مفتوحة من اليمن والبحرين إلى العراق وسوريا لمدّ نفوذها الإقليمي وتثبيته.

ثانياً، لأنّ الرياض ستعتبر وصولَ عون موجَّهاً ضدّها وتحدِّياً إضافياً لها بعد العراق وسوريا واليمن، وتطويقاً لحليفها «المستقبل» من الباب المسيحي.

ثالثاً، لأنّ انتخابَ عون سيؤدّي إلى ضرب الستاتيكو القائم بين «حزب الله» و»المستقبل» منذ تأليف الحكومة بترجيح كفة الحزب على مستوى السلطة، الأمر الذي يتجنّبه اليوم «المستقبل» و»الحزب معاً».

رابعاً، لأنّ وصول عون بالشكل المطروح فيه سيؤدي إلى تغليب خيارات فئة على أخرى داخل البيئة المسيحية.

وقد تحوّل انتخابُ عون في ظلّ دعم «حزب الله» له المبالغ فيه إلى تحدٍّ كبير. وأيّ فريق داخلي أو خارجي لن يقبل بتغطية أو غضّ النظر عن انتخاباتٍ رئاسيّة تشكّل هزيمةً له. فعند تأليف حكومة الرئيس تمام سلام خرج كلّ فريق ليعدِّد المكاسب التي حققها في ظلّ تنازلات متبادَلة، الأمر الذي قطع الطريق على أيّ محاولة لتصوير الحكومة بأنها تشكّل انتصاراً لطرف وهزيمةً لآخر.

وهذا بالذات ما قاد إلى البحث عن مرشحٍ رئاسي توافقي انسجاماً مع ميزان القوى الداخلي والخارجي، حيث إنّ تأليف الحكومة أظهر وجودَ تقاطع سعودي-إيراني على تحييد لبنان عن صراعهما، الأمر الذي تُرجم باحترام ميزان القوى الداخلي، وذلك مردّه بشكلٍ رئيس إلى رغبة «حزب الله» بالتبريد في لبنان لمواصلة تفرّغه في سوريا والعراق.

ومن الواضح اليوم أنّ أولوية الحزب ما زالت نفسها، وهذا ما يفسّر اكتفاءَه بدعم عون لفظيّاَ، لأنّ مصلحته تكمن في عدم كسر التوازن القائم، كون أيّ إخلال بهذا التوازن سيعيد تسخين الوضع في لبنان، الأمر الذي يريد الحزب تجنّبه، كما يريد في الوقت نفسه أن يتجنّب خسارة الغطاء المسيحي من خلال استمرار تحالفه مع عون، وبالتالي بين حرصه على مراعاة «المستقبل» ليواصل معركته ضدّ القوى الإسلامية المتشدِّدة، وحرصه على مراعاة عون ليواصل تغطيته مسيحياً، وجد في الفراغ الرئاسي مخرَجاً من أيّ إحراج أو خطوة تؤدّي إلى خسارته عون أو إدخاله في مواجهة مع «المستقبل».

ومن هنا السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن إجراءُ انتخاباتٍ رئاسية من غير المساس بالستاتيكو القائم؟ وفي الواقع هناك خيارٌ من خيارَين، فإمّا التوافق على شخصية توافقية، الأمر الذي ما زال مستبعَداً بفعل تمسّك عون بترشيحه، وغياب أيّ ضغط خارجي جدّي، وإما أن يعلن عون أمام كلّ اللبنانيين بأنّ انتخابه رئيساً لا يعني إطلاقاً انتصاراً لطهران و«حزب الله».

فالمعلن هو أنّ عون حليفُ «حزب الله» ومرشحُه الأوحد للرئاسة. وقد يكون الحزب بهذا الدعم المطلَق لعون يريد تصليبَ موقف ١٤ آذار الرافض أساساً لانتخابه من أجل أن يقطع (الحزب) الطريق على وصوله، ولكنّ كلّ ذلك لا ينفي أنّ على عون وحده تبديد هذا الانطباع القائم من خلال التعهد أمام اللبنانيين بأنّ وصوله لن يكون من أجل تغليب محورٍ على آخر، وفريقٍ على آخر، وأنه سيكون على مسافة واحدة من الجميع، وأنّ قاعدة حكمه ستكون الدستور في الداخل والشرعيتين العربية والدولية في الخارج.

فالتحوّل الذي طبع حياة عون السياسية، وتحديداً بعد تحالفه مع «حزب الله»، يحتِّم عليه إعلان برنامجه الرئاسي ومصارحة اللبنانيين والتعهد أمامهم بأنّ عون ١٩٨٨ وعون ٢٠٠٦ يختلف عن عون ٢٠١٥، وذلك نتيجة تراكم الخبرات والأحداث والتطوّرات.

ويبقى أنّ المزاج الشعبي المسيحي هذه الأيام هو مع رئيس يكون على مسافة واحدة من السنّة والشيعة، وتكون أولويته تحصين الوجود المسيحي بتشريعات وقوانين تبدأ بالانتخابات النيابية ولا تنتهي باللامركزية وبيع الأراضي.