IMLebanon

هل تتحرّر الكهرباء من قيود الفساد؟

 

 

لا تزال الملفات تتزاحم على طاولة مجلس الوزراء مع خطوات خجولة نحو التنفيذ، حيث تحاول عجلة المشاريع الآنية الملحة أن تنطلق، إلا أن أعباء الفساد السابق باتت تطغى بل تعرقل محاربة الفساد الحالي المستشري في مختلف الدوائر وعلى كل المستويات… في حين يتقدم ملف الفساد كضرورة بعد أن فرضته شروط مؤتمر «سيدر» أولاً، وكحاجة لإنقاذ مالية الدولة المتدهورة ثانياً، بات هذا الملف أداة ابتزاز وانتقام يتمترس الخصوم خلف ملفاته السابقة، مما يؤدي إلى تعطيله الحالي والمستقبلي.

وإذا كانت مكافحة الفساد خلافية اليوم، حيث يحاول كل فريق حماية أزلامه في المؤسسات العامة ويكرّس عرف التوازن الطائفي حتى في عملية المحاسبة والتطهير، مما يشل حركته ويعيق تقدمه، باتت أمراً واقعاً، فلتنصرف الحكومة إذاً للإنتاجية ووضع المشاريع الحياتية قيد التنفيذ إلى أن يتم التوافق على معايير موحدة لمحاربة الفساد، متحررة من قيود الطائفية والمحسوبيات المقيتة.

ويأتي ملف الكهرباء على رأس هرم المشاريع الملحة، حيث بات عجز مؤسسة كهرباء لبنان يُكبّد خزينة الدولة، على مرّ السنوات، ميزانية إعادة ترتيب هذا القطاع وفق معايير بيئية دولية عصرية، تنهي مأساة اللبناني مع الكهرباء المقطوعة وفواتيرها المزدوجة، والتي تضع لبنان في خانة البلاد الأكثر تخلفاً على هذا الصعيد.

لقد تم وضع هذا الملف على نار حامية أمس في مجلس الوزراء، وتشكلت لجنة وزارية منوّعة الأطياف لدراسته بعمق بغية المباشرة السريعة كما أوصت الوزيرة بستاني، وكانت قد أكدت أن الهدر هو من أهم وأخطر المشاكل التي تواجه هذا القطاع، على الصعيدين التقني وغير التقني، واللذين يصبان في خانة واحدة، وهو وقوع هذه المؤسسة في براثن الفساد منذ عقود، أبقتها رهينه العجز والتخلف وأوصلتها على شفير الإفلاس، في حين يجب أن تكون البقرة الحلوب لخزينة الدولة وليس لجيوب المنتفعين!

ومن هنا الامتحان الأول لنوايا مكافحة الفساد، هل ستتمكن الحكومة اليوم من تنفيذ إعادة بناء هذا القطاع بشكل مستديم وفاعل يحل مشكلة الكهرباء بشكل جذري، أم أن الحلول المؤقتة، المثقلة بالصفقات والسمسرات ستبقى في الصدارة، وستبقي أموال الدولة مهدورة والمواطن مرابط في الظلمة والظلام؟! إن التسويق للبواخر من جديد يدل على مدى التمادي بالفساد وبشكل علني، ويوحي للفاسدين في مختلف القطاعات بحماية رسمية لهم، كما أنه يعطي مؤشرات سلبية للمجتمع الدولي حول قدرة الدولة اللبنانية على مكافحة الفساد، وجدّيتها في وقف الهدر الذي استنزف الدولة لفترات طويلة من دون حسيب أو رقيب.

إن كان فتح ملف الفساد اليوم على مصراعيه بات مستعصياً بفعل التوازنات الشاذة والتي ستُبقي الدولة والعاملين فيها في تخلف كامل عن ركب الحضارة والتطوّر الذي سبق لبنان بعقود، فلا بد من المباشرة بالإنتاجية كحد أدنى من جدوى الحكومة، وإلا، ما النفع من حكومة ومسؤولين وزعامات عاجزة عن الأداء بأدنى حدوده، لا تطهّر الفاسدين ولا تقدّم أبسط الحاجات الحياتية لمواطن أنهكته ازدواجية الأحكام والمعايير والفواتير والأعباء والمسؤوليات، حيث تغيب الدولة عن أدنى واجباتها ويهرع اللبناني والمجتمع المدني لسد هذا الفراغ المدوي.

إن التمترس خلف ملفات الماضي يعتبر سياسة عقيمة في إدارة تعج بالفساد والمفسدين، على كل المستويات وفي مختلف الدوائر والمؤسسات لم يعد يجدي نفعاً، ولا تحتمل ميزانية الدولة اليوم الانتظار لتصفية حسابات الماضي، حتى يصل دور الحالي، فالملحّ هو وضع حد للتمادي الحاصل والإعلان بوضوح ومسؤولية عن رفع الغطاء عن كل المحسوبين والأزلام، حتى لا تتحوّل إلى صيف وشتاء تحت سقف واحد، وتقضي على ما تبقى من سمعة الدولة دولياً ومصداقيتها المهزوزة أصلاً داخلياً!