IMLebanon

الإسلام والمسلمون في خطر فماذا أنتم فاعلون؟

ليس من حظ اللبنانيين أن يطمئنوا. «داعش» لا يحتضر. هو منتشر في القارات الخمس. نوم «داعش» في لبنان مؤقت. إذا استيقظ بناء على قرار، فسيُصاب البلد بالاحتضار. حكومته رثّة ومجتمعه بلا حصانة. وحدها أجهزة الأمن تتصيّد «الذئاب الشاردة»، والأمن وحده ليس كافياً. كثيرون من «داعش» وقعوا في قبضة الأمن، وعدد عزيز من جيش لبنان ما زال أسيراً، أو مجهول المصير. الخطر قد يسفر عن عملياته الانتحارية، يوماً ما. السلطة في لبنان، «حسبها نِعْم الوكيل». تستحقّ الحداد.

لقد تغيَّر العالم كثيراً. «داعش» فرض حربه العالمية على العواصم في الغرب. يحار الجميع في الإجابة عن السؤال: كيف نهزم «داعش»؟ الأجوبة قاصرة عن تأمين سلامة الناس. الحكومات تتعثر في قراراتها. ليست مستعدة لهذا النمط من القتال، خارج الجبهات. العدو ليس خلف الحدود. لا يملك أسلحة متطوّرة. لا يقيم في قواعد. لا يخضع لتسلسل تنظيمي. يكفيه أن يرى ويسمع ويؤمن ليتحرّك. عدو متجوِّل بعدة خفيفة ورغبة بالموت بعد القتل. إسلامه الخاص به يكفيه مؤونة وتحريضاً: هذه أرض الكفر! إما تهجُرها أو تهجّر مَن عليها! إعلان حالة الطوارئ لا يمنع مجزرة. نشر الجيش لا يقوم بالواجب. التنديد أسهل وسائل التهرب. تأكيد الوحدة الوطنية لا يصمد طويلاً. إرسال حاملات الطائرات والقصف الجوي لم يثبتا جدواهما. هناك خوف حقيقي، بعد كل مجزرة، من تحوّل النقمة على المسلمين إلى فتنة أو «حرب أهلية». كل ما كتب عن وسائل مواجهة «داعش»، لا يقنع كتابها. الاستعداد لحرب طويلة عالمياً، هو السائد. لقد نجحت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في فرض هيمنتها على العالم. نهاية «الدولة» في العراق والشام لا تعني نهاية «داعش». الإرهاب باقٍ إلى ما بعد نهاية الخلافة وموت الخليفة. الغرب يعيش اليوم على إيقاع حرب «داعش»، ولا يملك غير توقُّع الأسوأ.

تغيَّر العالم، ولم يتغيَّر اللبنانيون، كأنهم يعيشون في كوكب معزول. مؤسساتهم السياسية، أوقاف مذهبية وأرصدة مالية، تخمة في التكرار، جعجعة بلا طحين. أحزاب مبتورة عن الواقع المحلي والدولي. تعيش على موت السياسة حفاظاً على قادتها. لا فائدة من تكرار ما تحفل به المواقف المضجرة. لا جديد على الإطلاق. لا سؤال عن المصير. لا قدرة على تخيُّل حل لمعضلة. عجز إرادي ومباراة في تأليف الفشل. نجحوا جميعاً وسقط لبنان في الفراغ… كل هذا، و «داعش» على الأبواب، وخلف التلال، وداخل المخادع اللبنانية.

ماذا عن المؤسسات الدينية. أيّها المسلمون، إسلامكم في خطر. فماذا أنتم فاعلون؟ حتى الآن لا شيء. أيها المسيحيون، ماذا أنتم فاعلون؟ حتى الآن لا شيء. إنكم حاضرون في كل الأماكن المغلوطة، ومتغيّبون عن ساحة التلاقي في مواجهة «داعش» و«النصرة» والتكفير. لم تحصل «قمة روحية» لطرح السؤال: ما العمل؟ لم يعُد مجدياً تكرار معزوفة: الإسلام براء من «داعش». الإسلام هو دين التسامح. وكلام عام وفضفاض عن «الإسلام الحقيقي». كلام لا يُقنع أحداً. تكراره تقليد ببغائي. المشكلة عدم شعور المرجعيات الدينية، الطائفية والمذهبية، أن الإسلام في خطر وأن صورته تبدّلت، وما عادت تشبه نصوص السلام والتراحم والرأفة. الإسلام الحقيقي، ليس إسلام النص، بل إسلام الوقائع، أو الإسلام الواقعي، المرئي والمسموع والمعمول به، على امتداد القارة العربية هو إسلام العنف. لقد برهن «الإسلاميون» أنهم الأكثرية الفاعلة، وأنهم يقودون الحراك السياسي، «كالإخوان» ومَن يتصل بهم بصلة القرابة والوراثة، وأهم قادة المحاور الجهادية المنتشرة في حروب الضلال والتكفير والاستبداد… الإسلام الحالم صامت، جامد، لا يتحرك. مرجعياته مكتفية بالبقاء في الظل، تمارس انتقائية فادحة في الإدانة والاستنكار والصمت، عندما يجب الكلام… الإسلام المسالم أخرس ومنحاز مذهبياً. يستنكر مجزرة «نيس» الباريسية، ويتجاهل مذبحة الكرّادة العراقية، كما تجاهل العمليات الانتحارية التي أصابت الشيعة في لبنان.

في لبنان، مَن يقاتل «داعش» وأخواته، يتعرّض لحرب يشكك فيه مسلمون على مذهب «داعش» الديني، وضد «داعش» العسكري. لبنان، بلد التعايش، لم يظهر من دلالات التعايش بادرة. في فرنسا، بعد قتل الكاهن، أقفل المسجد القريب أبوابه وأعلن الحداد. تداعت الهيئات الدينية إلى إقامة مأتم ديني، مسيحي ـ إسلامي ـ يهودي. التقى الجميع لقاء الوحدة، في مواجهة «يمين متطرف» يستعد لاستغلال «الإسلاموفوبيا» المتعاظمة، لخوض معارك السياسة الداخلية، والحرب على الإسلام والمسلمين… لم نشهد في لبنان، بلد التعايش، بلد الطوائف، بلد الأديان، النموذج الذي يُحتذى، أي بادرة لقاء. السنة في وادٍ والشيعة في وادٍ والمسيحيون في وادٍ. كأنهم ليسوا في لبنان، أو من لبنان، حتى الصلاة على أرواح الشهداء، كانت اختصاصاً مذهبياً. لا التقوا في مسجد أو كنيسة أو حسينية… ويقولون إنهم ضد «داعش».

مثل هذه التظاهرات الجامعة المفترضة، لا تمنع اعتداءات «داعش» ولكنها تمنع الفتنة وتحصّن البلد ببيئات مضادة للتكفيريين، وتفتح أبواب المكاشفة: أي تعليم ديني في لبنان؟ رهيب ما يُقال وما يُدرّس وما يُحفَظ. التكفير يبدأ من هنا، وعندنا منه الكثير. أي إعلام ديني عندنا وعند غيرنا ويُطلّ علينا؟ وكيف نمنع رياح القتل عبور وسائل التواصل إلى وسائط القتل؟

المجرمون بحق لبنان، ليسوا «الدواعش» فقط. فتشوا عن الاستثمار، السياسي والمذهبي… ولا يبكينّ أحد على لبنان، إذا أصيب بما يستحق وبما لا يستحق… لقد جنى التكفير المتبادل على الجميع.

يلزمنا وقت كثير، لنتعلّم القليل. ما وقع من قبل تأكيد على ما سيقع غداً. البربرية مشروع للمستقبل، و «داعش» ليس دولة في أرض، بل دولة في جغرافية الإيمان «البلاد حدود».