IMLebanon

الذي أعطى توكيلاً للمقاومة المسيحية أعطى توكيلاً للمقاومة الإسلامية !

 

بدأت المقاومة الإسلامية عام 1982. الذين وقفوا معها ظلّوا معها واقفين حتى اليوم، بوضوح كامل. والذين كانوا ضدّها، حتى قبل انطلاقها، ظلّوا ضدّها إلى اليوم بالوضوح نفسه.

عقلية لبنانية لم تتبدّل مؤشراتها نسبياً إلّا في «تفاهم مار مخايل»!

 

إليكم التفاصيل:

 

25 أيار يوم التحرير الوطني اللبناني من عدوّ ما كان يوماً إلّا خلاصةَ أعداء بأدهى ما يكونُ مزيجُ البغض والحقد وكراهية الآخَرِ العربي، المسلمِ منذ احتلال فلسطين، والمسيحي منذ القرن الثاني عشر في أوروبا، حيث لم تبق دولة أوروبية لم تطردهم منها طوال 300 عام: هذا هو التاريخ الذي لم نصنعه نحن العرب، مسلمين ومسيحيين، بل صنعه هذا العدو نفسه في مجتمعات العالم.

 

واختلافنا في لبنان على إسرائيل، ليس حديث العهد، بل من بدايات عمل الوكالة اليهودية على استقطاب بعض السياسيين اللبنانيين (من جميع الطوائف). وبعض فئات المجتمع التي كانت ترى في كيان إسرائيل نموذجاً يصلح لـ «بعض» لبنان. والكتب التي تحدّثت عن هذه الحقائق متاحة لمن يرغب!

 

من هنا القول، إنّ مقاومة جيش الاحتلال الإسرائيلي المغتصِب الوطنَ لم تكن في أي وقت إبنة إجماع وطني لبناني عام، بل كانت ولا تزال إبنة لبعض أهله المحترقين بناره أباً عن جدّ، وبعض المؤمنين بأنّه عدوّ، ذلك أنّ هناك من لا يراه عدوّاً .. وهذا كلام ليس تخوينياً بمقدار ما هو وصفٌ لمشاعر وأفكار لبنانيين لديهم وجهة نظر مُختلفة إلى الموضوع، خصوصاً بعد حفلات تطبيع مع إسرائيل من دول عربية لا نزاع مباشراً بينها وبين اسرائيل في بَرّها الجغرافي ولا في بحرها!

 

فالذين يقفون اليوم ضدّ سلاح المقاومة معتبرين أنّ دورها في التحرير انتهى وعليها تسليم سلاحها الى الدولة.. لم يكونوا يوماً مع المقاومة، منذ بداية عملها على الأرض اللبنانية. ومع كل عملية عسكرية أو عبوة أو حتى مواجهة باللحم الحيّ، كانوا يبخّسون مسعاها ويُظهرون رفضاً لها. الموقف هو نفسه من البداية، الى التحرير: تشكيك وتخوين، حتى ابتدعوا أخيراً سؤالاً عجيباً هو: من أعطى المقاومة توكيلاً للدفاع عن الوطن؟

 

بعض الذاكرة ضروري:

 

حين حمل قائد «القوات اللبنانية» بشير الجميّل السلاح، مع رفاقه، وأسّس مقاومته للثورة الفلسطينية،هل هناك من أعطاه وكالة يومها ليقوم بهذا الفعل؟

 

الجواب المعروف هو:

 

وجَد الجميّل أنّ الجيش اللبناني غير قادر على الدفاع عن المسيحيين لنقص في قدراته وظروفه، فقرّر مع رفاقه أنّهم مدعوون للدفاع عن مجتمعهم ، فكانت «القوات»..

 

جواب «المقاومة الإسلامية» اليوم هو نفسه:

 

وجدنا أنّ الدولة اللبنانية غير معنية بتحرير الأرض، والجيش اللبناني غير قادر، ولا قرار لديه بالقيام بمهمة كبرى كهذه، فقرّرت أحزاب وطنية منها «أمل» و»القومي» و»الشيوعي» وقوى أخرى أن تبادر، كما قرّر أهالي القرى المحتلّة أن يواجهوا العدو ودباباته بأجسامهم .. حتى جاء «حزب الله» فتسلّم القضية عبر إمكانات تدريبية واسعة، وعبر خطط عسكرية كانت تهز اسرائيل وجيشها مع كل عملية حتى كان التحرير.. فلا حركة «أمل» حملت توكيلاً ولا غيرها ولا «حزب الله»من أحد، لأنّ التوكيل يأتي في هذه الحالات من الضمير الوطني أولاً وأخيراً..

 

وإذا كانت «المقاومة الإسلامية» قد هُجِيَت ولا تزال بأنّ تمويلها وتسليحها إيراني في معرض نزع الهوية اللبنانية عنها.. فإنّ مقاومة الجميل هُجِيَت قبلها بأنّ تمويلها وتسليحها إسرائيلي .. في معرض نزع الهوية اللبنانية عنها!

 

وإذا كان سلاح «المقاومة المسيحية» قد سُلّم الى الدولة اللبنانية بعد اتفاق الطائف، وكانت الثورة الفلسطينية خرجت من البلد بكل فصائلها، وزال خطرها عن المسيحيين..

 

ثمّ تجدَّد بناء الجيش اللبناني ليأخذ دوره مكان الميليشيات.. فإنّ خطر إسرائيل المتعاظم يتجدّد كل يوم في مناورات عسكرية وفي طلعات طائرات قتالية في سماء لبنان، بل في تهديدات من مراكز الأبحاث الإسرائيلية جميعها ضد المقاومة وقادتها، و»حرب تموز» نموذج صارخ عن هذا الخطر الداهم، مهما أقنع بعضنا نفسه وجمهوره بأنّ تلك الحرب نحن ابتكرناها لغايات إيرانية!

 

وبناءً عليه:

 

على كل من يقول بتسليم المقاومة سلاحها، أن يعلن من هي الجهة المخوّلة ردع الجيش الإسرائيلي، فإذا كانت مقاومة من كل الشعب اللبناني، فليقل لنا كيف؟ وإذا كان الجيش اللبناني هو البديل فليقل لنا كيف؟

 

أسوأ ما في خصائل الشعب اللبناني انّ كل منطقة من أراضيه تعني أهلها فقط، وتكون المناطق الأخرى وأهلها في مكان وربما زمان آخر..فيوم هَدّدت «داعش» قرى مسيحية في البقاع كان جميع المسيحيين في لبنان يبحثون عن درء الخطر الذي تصدّت له المقاومة على مدى سنتين تقريباً حتى تمكنت هي والجيش اللبناني، من إنجاز المهمة .. وحين زال ذلك الخطر عدنا الى التشكيك بالمقاومة.

 

إبن الجنوب دفع أثمان «جيرة» إسرائيل 60 عاماً، تهجيراً وتهديماً ومجازر وعدواناً خلف عدوان ، ولم ير مناعة وقوة إلّا بعد هزيمة اسرائيل، وخروجها.

 

والأهم عند الجنوبي، إنّ هذا السلاح المُحَرِّر عام 2000 هو الذي أوقف «حرب تموز» بعد مجزرة دبابات الميركافا في وادي الحجير، ومنعَ احتلال البلد مجدّداً، وهو الذي يشجع الجنوبيين على بناء بيوتهم ومشاريعهم وقصورهم على الشريط الحدودي من دون رهبة أو تردّد.

 

تقول للجنوبي (وللشيعة عموماً وقد شاركوا في ضريبة الشهادة) «نريد سلاحك».. فتعبُر في ذاكرته فوراً أجيال من أجداده وأبنائه وأبناء أبنائه وبيوتهم وقراهم ومدنهم مهَدّمة، وهم مهجّرون وأوصال أراضيهم مقطّعة.

 

أما مسألة الخوف من سلاح المقاومة، فعذراً إذا قلت إنّه خوف سياسي مشغول بعناية. والدليل: لقد كان «التيار الوطني الحر» برئاسة العماد ميشال عون يقول الخطاب المضاد للمقاومة عينه الذي تقوله اليوم قوى سياسية عدة، وربما بعنف أكبر. وبعد استبعاد العماد عون عن التحالفات الداخلية عام 2005، بهدف عزله، ثم بعد الإنقلاب على التحالف الإنتخابي في بعبدا وسرقة النواب الناجحين بأصوات الشيعة للهدف نفسه، وجَد الطرفان المراد عزلهما: «الحزب» و»التيار»، طريقة لفك العزلة وإنشاء تحالف فاجأ البلد بكل أطيافه الحزبية والطائفية، كما أذهل «جميع» الناس بمن فيهم جمهور «التيار» و»الحزب»، وتمّ الاتفاق على بنود معينة راعت الهواجس عند الطرفين وفي بيئتيهما،

 

فكان أن تبدّل المشهد ورحنا نسمع مواطنين من كسروان على الشاشات يمتدحون تضحيات المقاومة، ومواطنين من الجنوب أو البقاع يُكبِرون شخصية عون الذي «يخاصم بشرف ويتحالف بشرف».. وسقط فجأة كل ما يسمّونه الخوف من سلاح المقاومة. لا سلاح المقاومة تغيّر وضعُه، ولا أي شيء من هذا القبيل. التغيّر الوحيد كان بث الثقة بين فئتين كبيرتين من اللبنانيين عبر «التفاهم»، فسقط الخوف السياسي ولا يزال ساقطاً، رغم الحاجة عند الطرفين إلى تجديده وتطويره في اتجاه «بناء الدولة».

 

ضَعوا أنفسكم مكان الجنوبيين وتجربتهم الفظيعة مع إسرائيل لشهرٍ واحد لا لستين عاماً.. وتعالوا لنبحث في استراتيجية دفاعية لا تَعِدُ جيش الرعب الإسرائيلي بإمكان أن يُرسلَ فرقة الجيش الموسيقية فتحتل لبنان كما كان يقول، قبل أن يتعلّم الدرس!