IMLebanon

لبنان في ظل اختلال موازين القوى بين إيران وإسرائيل

 

تواجه إيران خللاً كبيراً في موازين القوى سواء مع الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الخليج أو مع إسرائيل في المواجهة المتواصلة داخل سوريا، أو المواجهة المتقطعة التي تعتمدها القيادة الإسرائيلية في هجماتها التي تستهدف المشروع النووي الإيراني داخل إيران نفسها.

 

نقلت صحيفة «الشرق الأوسط اونلاين» صباح أمس الثلاثاء ان قصفاً جوياً اسرائيلياً قد استهدف ساحة الحاويات في مرفأ اللاذقية، وهو الاستهداف الأوّل لهذا المرفق الحيوي السوري منذ اندلاع الحرب. ويبدو وفقاً لمصادر وثيقة، ان الغارة الإسرائيلية قد استهدفت «بشكل مباشر شحنة أسلحة إيرانية منقولة إلى سوريا ضمن حاويات، وقد خلفت الانفجارات خسائر مادية فادحة».

 

كانت إسرائيل خلال الأعوام الماضية قد شنّت ما يزيد على 200 ضربة جوية داخل سوريا، مستهدفة مواقع للجيش السوري ومجموعة كبيرة من الأهداف الإيرانية، وأخرى لحزب الله، موزعة على مختلف المناطق السورية من ضواحي دمشق المباشرة وإلى محافظة دير الزور والحدود السورية العراقية في مناطق «البوكمال». واللافت في هذا الهجوم على مرفأ اللاذقية، بأنه يأتي ليس بمعرفة الروس كالهجمات على المناطق الأخرى، ولكنه يجري تحت انظارهم حيث تتواجد قاعدة حميميم في الضاحية المابشرة للمدينة، وفي الحمى المباشرة لشبكة صواريخ S400 الروسية المنشورة داخل وحول القاعدة. يبدو بوضوح هذه المرة بأن مستوى التآمر على الوجود الإيراني في سوريا بين روسيا وإسرائيل قد وصل إلى حدود لا يمكن لإيران القبول به أو إيجاد الأعذار له للحفاظ على ماء الوجه في علاقاتها مع القيادة الروسية سواء على الأرض السورية أو في موسكو نفسها.

 

لكن يبدو بأن الشق الأخطر في الخلل الحاصل في موازين القوى بين إسرائيل وإيران يتعلق بالاستهدافات الإسرائيلية للداخل الإيراني وخصوصاً ضد المنشآت النووية الإيرانية، والتي اتخذت في السابق شكل العمليات المخابراتية الخاصة سواء مباشرة ضد أبرز منشأة نووية في ناطنز التي تشكّل أكبر منشأة لتخصيب اليورانيوم، أو من خلال هجوم سيبراني لتعطيل أكبر عدد من وحدات الطرد المركزي، أو من خلال عمليات اغتيال بواسطة العملاء على أبرز علماء إيران النوويين.

 

تؤشر التصريحات الإسرائيلية والاستعدادات العسكرية بأن إسرائيل بدأت فعلياً الاعداد لتنفيذ هجوم واسع ضد عدد من المنشآت النووية الإيرانية. وكان اللافت في هذه الاستعدادات قيام إسرائيل بمناورات وتمارين جوية واسعة شمالي مرفأ إيلات والتي شاركت فيها طائرات من سبع دول مختلفة. وفي نفس السياق لا بدّ من ذكر المناورات البحرية التي قادتها إسرائيل خلال الشهر الفائت في البحر الأحمر بمشاركة أميركية وإماراتية وبحرينية. وتؤشر هذه المناورات إلى مدى نجاح إسرائيل في تأليب العديد من القوى الإقليمية والدولية ضد إيران سواء لما يعود لخطورة حصولها على السلاح النووي، أو لما يعود لسياساتها في الهيمنة على العديد من دول المنطقة والممرات المائية الاستراتيجية، بالإضافة إلى دعمها للجماعات الإرهابية.

 

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أعلنت مؤخراً، وفي إطار استكمال استعداداتها لمواجهة تنامي الخطر الإيراني برصد مليار ونصف مليار دولار ستنفقها في مجال الاستعدادات لمهاجمة إيران، في نفس الوقت لا يمر يوم أو أسبوع دون ان نسمع أعلى القيادات السياسية والعسكرية في إسرائيل في تهديداتها لإيران، مع ربط موعد تنفيذ هذه التهديدات بمدى التقدم الإيراني باتجاه صنع السلاح النووي.

 

تدرك إسرائيل بأن إيران باتت قادرة على صنع ما يكفي من الوقود النووي اللازم لصنع قنبلة أو قنبلتين خلال فترة قصيرة لا تتعدّى بضعة أشهر، ويضع مصدر عسكري إسرائيلي هذه الفترة بمدة شهر واحد.

 

في ظل حمأة الاستعدادات الإسرائيلية لتنفيذ ضربة واسعة ومؤلمة ضد المنشآت النووية الإيرانية، تتابع إسرائيل هجماتها السرية ضد المواقع النووية الإيرانية من خلال استهداف هذه المنشآت بعمليات تخريبية على غرار ما شهدته منشأة ناطنز في نيسان 2021، والتي انقطعت عنها الطاقة نتيجة عمل تخريبي نفذه عملاء اسرائيليون.

 

وجاءت المفاجأة الأخيرة من خلال الاخبار عن تحليق مسيرات عدّة، سريعة ومتطورة، ارسلت لاستطلاع ورصد ما يجري في منشأة ناطنز، حيث فشلت صواريخ S300 الروسية وصواريخ الدفاع الجوي الإيرانية الصنع في إسقاط أي من هذه المسيرات. ويؤشر هذا الفشل في التصدّي لهذه المسيرات إلى مدى قصور أجهزة الدفاع الإيرانية في مواجهة التكنولوجيا الإسرائيلية أو الأميركية. وكان اللافت ان استهداف نظام الطاقة في ناطنز من قبل إسرائيل قد جاء في الفترة التي يجري الاستعداد فيها لمفاوضات لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الذي وضع عام 2015 والذي قرّر الرئيس دونالد ترامب الخروج منه عام 2018، مع فرض نظام عقوبات واسعٍ وقاسٍ ضد إيران.

 

عندما نتكلم عن التطور التكنولوجي المتوافر لدى إسرائيل وبما يخوّلها من شن هجمات سيبرانية من طراز فيروس ستاكس نت الأكثر تطوراً. وتمتلك إسرائيل طاقات كبرى وسرية للحرب الالكترونية، والتي استطاعت من تطويرها من خلال برامج أبحاث مشتركة مع الشركات الأميركية الكبرى مثل غوغل وآبل وميكروسوفت وامازون وفايسبوك، كما انها شريكة في أبحاث وكالة الأمن القومي للتجسس الالكتروني، ولا بدّ من ذكر وجود الوحدة 8200 في المخابرات الإسرائيلية والتي تشتهر بقدراتها الخارقة على القيام بعمليات سيبرانية وبعمليات تجسس الكترونية متطورة وواسعة.

 

هذا الخلل الكبير في موازين القوى العسكرية والتكنولوجيا هو مرشّح للتوسع في ظل التعاون الوثيق القائم بينها وبين الولايات المتحدة.

 

وتفيد آخر الابتكارات التكنولوجية الأميركية عن صنع مسيّرة أميركية جديدة تعرف باسم Switch Blade 300، والتي يمكن صنع طراز منها يسمى «المسيرة الكاميكازي» التي يمكن ان تتحوّل إلى قنبلة متفجرة، وبامكانها التوقف في الجو والتربص بالهدف، إلى حين ظهوره فتنقض عليه لتدميره، انها سلاح خطير تمتلكه دون شك إسرائيل، ولا بدّ من توقع استعماله في المستقبل القريب ضد إيران أو في سوريا، وذلك نظراً لدقته وفعاليته ومرونة استعماله في عمليات الاغتيال أو للتربص بالأهداف المتحركة ذات القيمة العالية.

 

وهكذا يبدو بأن الخلل القائم في موازين القوى بين إسرائيل وإيران والذي لا يقترن على مجال الأسلحة الهجومية كالطائرات والصواريخ والذخائر الذكية، بل يتعدى ذلك إلى الوسائل التكنولوجية اللازمة للحرب السيبرانية أو في المهمات الهجومية الخاصة ضد أهداف ذات قيمة عالية بما فيها اغتيال علماء الذرة والقادة السياسيين والعسكريين الكبار في إيران.

 

من المؤكد بأن القيادات الإيرانية وقيادة حزب الله في لبنان يُدركون مدى التفوّق الإسرائيلي في مجال الأسلحة والذخائر التقليدية، وفي مجال التطور الالكتروني والحرب السيبرانية، وهذا ما يؤشر إليه عدم قيام المخابرات الإيرانية وحزب الله بأية عمليات ثأرية على العمليات الإسرائيلية أو الأميركية لاغتيال عماد مغنية أو الجنرال قاسم سليماني أو للثأر من الهجمات التي استهدفت الداخل الإيراني سواء باغتيال العلماء النوويين أو باستهداف منشآت نووية حيوية مثل منشأة ناطنز.

 

يرجح العديد من المراقبين ان الحرب المتقطعة التي تشنها إسرائيل في سوريا وداخل إيران نفسها لا يمكن ان تستمر في ظل اقتراب طهران من صنع أوّل قنبلة نووية، وهي مرشحة لتشهد تصعيداً دراماتيكياً، وبما ينذر بتحولها إلى حرب إقليمية مدمرة.

 

ستطال هذه الحرب بنتائجها المدمرة لبنان في ظل توجه إسرائيل إلى تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية كل ما يقوم به الحزب ضدها. تتطلب خطورة الموقف ان تسعى القوة الحيّة في لبنان إلى تحييده أو البحث عن استعادة السيادة ونزع هيمنة سلاح حزب الله على قراره الوطني.