IMLebanon

تصحيح الخيارات الاستراتيجية في لبنان

 

وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي تحذيراً للنظام السوري ولحكومة لبنان حملهما فيه مسؤولية أي تدهور أمني في ظل توقعات القيادات العليا في الجيش الإسرائيلي بتحضير حزب الله لعملية عسكرية يعدّ لها للثأر لدماء أحد قادته الذي قتل في غارة إسرائيلية قبل أيام في جنوب دمشق. لم يمض أكثر من 24 ساعة على تحذير نتنياهو في جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت يوم الأحد، حتى انطلقت العملية في مزارع شبعا وتل كفرشوبا، حيث تحدثت وسائل الإعلام عن إطلاق حزب الله صاروخاً موجهاً باتجاه دبابة إسرائيلية، بالإضافة إلى محاولة تسلل إلى المزارع من قبل أربعة مقاتلين من الحزب وفق الرواية الإسرائيلية، الأمر الذي نفاه بيان حزب الله.

 

بدا واضحاً منذ انطلاق العملية، بأن هناك حرصاً لافتاً من قبل إسرائيل وحزب الله على ان تكون العملية محدودة في الزمان والمكان، وبأنه لا تتوافر النوايا لدى أي من الطرفين لتصعيد المواجهة، وبأن الطرفين قد اتخذا كل الاحتياطات اللازمة لمنع أي انزلاق باتجاه حرب، انطلاقاً من حسابات خاطئة على غرار ما حدث في تموز 2006.

 

يقود أي تقييم استراتيجي وعملاني واقعي إلى استنتاج بأنه لا تتوافر لدى حزب الله أو اسرائيل النية أو المصلحة للانزلاق نحو أية مواجهة عبر الخط الأزرق، وبالتالي خرق الترتيبات الأمنية التي تشرف عليها قوات الطوارئ الدولية، تنفيذاً لمقررات القرار الدولي 1701، والتي نجحت في الإبقاء على الاستقرار سائداً على جانبي الحدود، وبما يؤمن حياة طبيعية وآمنة في القرى والبلدات الحدودية في جنوب الليطاني وفي الجليل الشمالي.

 

تعتمد إسرائيل منذ سنوات استراتيجية عسكرية واضحة المعالم من أجل تحقيق هدفين داخل مسرح العمليات السوري، وذلك من خلال شن غارات جوية وضربات صاروخية من أجل تحقيق هدفين: الأوّل، منع قوات الحرس الثوري الإيراني والأذرع العسكرية التابعة لطهران من إقامة قواعد ثابتة لها في سوريا، مع التشديد على منع اقترابها من خط الفصل في الجولان، والثاني، شن هجمات جوية محكمة ضد مخازن الصواريخ والقوافل الخاصة بنقلها لصالح حزب الله في لبنان. من الواضح بأن إسرائيل تنفذ هذه الاستراتيجية بعلم وتنسيق القوات الروسية المنتشرة في سوريا، مع الإشارة إلى نجاح هذه الغارات في تحقيق أهدافها ضد القوات الإيرانية وقوات حزب الله حيث لم يجدا مع القوات المسلحة السورية حتى الآن أي وسيلة رادعة لها.

 

تؤشر الأحداث والعمليات الإسرائيلية الجارية في سوريا إلى توافق ضمني على عدم ربط ما يجري في مسرح العمليات السوري على الانتشار العسكري للطرفين جنوبي وشمالي الخط الأزرق، مع الإبقاء على قطاع مزارع شبعا كبقعة عمليات لتنفيس أي احتقان عسكري أو معنوي من خلال اللجوء إلى عملية محدودة النتائج، وشبه متفق عليها، بحيث لا تستتبع أي تصعيد أمني يؤدي إلى خسائر في الأرواح، وخصوصاً في صفوف المدنيين على جانبي الحدود.

 

من المؤكد بأن حزب الله يتمسك بلبنانية مزارع شبعا، وهي الحجة التي جرى تحضيرها والإيعاز باعتمادها في دمشق وذلك بعد تنفيذ إسرائيل لبنود القرار 425، وانسحابها من الأراضي اللبنانية المحتلة بإشراف الأمم المتحدة. وأعطت «لبنانية مزارع شبعا» بالرغم من عدم اعتراف سوريا قانونياً بلبنانيتها، الحجة والذريعة لحزب الله للتمسك بسلاحه، وبدوره كمقاومة، تسعى إلى تحرير المزارع وإلى صد أي عدوان إسرائيلي ضد لبنان. لقد كان من المعقول والمقبول مع بعض التحفظات من قبل شريحة واسعة من اللبنانيين، فرض مثل هذا الخيار على لبنان، بالرغم من خرقه لمبدأي حصرية السلاح في يد قوات الدولة الشرعية، وسيادة الدولة على جميع أراضيها في الفترة التي امتدت ما بين عامي 2000 و2006. ولكن بعد انتهاء حرب 2006 وتطبيق القرار الدولي رقم 1701، مع الانتشار الواسع لقوات الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في منطقة جنوب الليطاني، فقد فقدت فكرة احتفاظ حزب الله بسلاحه كقوة عسكرية خارجة عن سلطة الدولة.

 

مع انتهاء حرب 2006 انكشف دور سلاح حزب الله، حيث تحوّل عن دوره كمقاومة، ليتحوّل إلى قوة يمكن توظيفها سياسياً في الداخل، كما يمكن توظيفها إقليمياً لخدمة الاستراتيجية الإيرانية الهادفة إلى فرض هيمنة إيران على عدد من الدول العربية، كالعراق وسوريا ولبنان واليمن، بالإضافة إلى التدخل امنياً في شؤون الدول العربية الخليجية ووصولاً إلى مصر.

 

لقد أثبتت الأحداث التي شهدها لبنان، بدءاً من عام 2005 ووصولاً إلى 2020، بأن فائض القوة العسكرية قد لعب دوراً مؤثراً في السياسة اللبنانية، وبأنها قد سمحت لحزب الله وحلفائه لسن قانون انتخابات يعتمد النسبية المشوهة من أجل تحقيق أكثرية نيابية لصالحه، والتي استطاع من خلالها فرض انتخاب حليفه العماد عون لرئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى فتح المجال امامه لتشكيل حكومة حسان دياب، والتي باتت تعرف بحكومة حزب الله.

 

لا يمكن القبول في ظل الأزمة المعقدة اقتصادياً ومالياً، ومع ما يترافق معها من ضغوط تتسبب بها جائحة كورونا باستمرار أجندة الهيمنة الإيرانية وسيطرة حزب الله على شرعية الحكم وعلى القرار الوطني. لقد طفح الكيل كما يقول المثل العامي، ولم يعد بقدرة اللبنانيين القبول بتبعات الثلاثية وما يترتب عليها من مسؤوليات واهتزازات مع استمرار حزب الله وتمسكه بخدمة المشروع الإيراني في سوريا وخارجها.

 

عبّر البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عن ضيق اللبنانيين ورفضهم لانصياع دولتهم لسلطة ومصلحة دويلة حزب الله، حيث طالب بتحرير الشرعية والقرار الوطني من الوصاية المفروضة عليه قسراً. لاقت دعوته هذه دعماً سياسياً وشعبياً متنامياً، ويبدو مما رشح عن زيارة وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان الأخيرة بأن فرنسا ترحب وتدعم دعوة البطريرك. يبدو أيضاً بأن الفاتيكان يدعم هذه الدعوة.

 

هناك معلومات يجري تداولها عن زيارة البطريرك إلى الولايات المتحدة لشرح مبادرته وتسويقها، فإذا حصل ذلك فإنه يمكن تشبيه الأجواء الآن بتلك التي سادت قبل التوافق الأميركي – الفرنسي على استصدار القرار الدولي 1559، والذي نص على خروج القوات السورية من لبنان.

 

في هذا السياق، لا بد من ان يُدرك حزب الله بأن المنطقة تتحضر لاستحقاقات  ومتغيرات دراماتيكية، وبأنه بات من الضروري العودة إلى الداخل، والتصرف كحزب سياسي مع التخلي عن دوره الإقليمي كقوة داعمة للجمهورية الإسلامية على حساب لبنان والدول العربية.

 

لا يمكن ان يأمل اللبنانيون بإمكانية الخروج من ازمتهم الراهنة الا باعتماد عملية إصلاحية واسعة، يطالبهم العالم بأسره بضرورة اعتمادها، وان المدخل الوحيد إليها لن يتم سوى بالحوار الوطني الصريح والصادق، مع إعلان حزب الله الواضح للقبول والالتزام بمقررات هذا الحوار، وعدم الانقلاب عليه كما حدث في المرات السابقة، كان آخرها الانقلاب على إعلان بعبدا بعد توقيعه عليه.