IMLebanon

إسرائيل تبحث عن ترسيم الحدود البحرية

 

ما أن انتهى اجتماعُ بروكسل الذي اتّخذ طابعَ العجلة بين وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والوفد الإسرائيلي برئاسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، حتى باشر الجيش الإسرائيلي عملية درع الشمال مرفِقاً إياها بالكثير من الضجيج الإعلامي، معلناً أنها ستستمرّ أسابيع ومشيراً الى أنها ستنفَّذ على مراحل.

 

بعد ساعات، كانت السفيرة الاميركية في لبنان تطلب موعداً عاجلاً لزيارة قصر بعبدا، حيث نقلت لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون رسالة بضرورة وقف أنِشطة «حزب الله» التسلّحية، التي تعني ليس فقط استيراده السلاح عبر طرق البر والجو بل أيضاً المصانع التي أنشأها على الاراضي اللبنانية.

 

وفي الرسالة الاميركية العاجلة أيضاً بأنّ اسرائيل تضغط وتهدد بأنّ جيشها هو الذي سينفّذ ذلك في حال استمرار تقاعس السلطات اللبنانية. وهذه الرسالة الأميركية لم تكن جديدة على لبنان ذلك أنه في وقت سابق تولّت فرنسا نقل رسالة مشابهة بطلبٍ إسرائيلي.

 

وكان واضحاً انّ الرسالة الاميركية جاءت بناءً على طلب رئيس الحكومة الاسرائيلية خلال لقائه بوزير الخارجية الاميركية وبالتزامن مع انطلاق عملية «درع الشمال»، لكنّ «الصدمة» التي ارادها نتنياهو لم تتحقق فالتهويل الذي اراد اظهاره تبدّى بعد ساعات معدودة حيث ظهر واضحاً انّ العملية إعلامية اكثر منها عسكرية جدية.

 

وعلّق احد الديبلوماسيين ساخراً بالقول: لقد سبقت عدسات التلفزة وصول طلائع الجنود الاسرائيليين. بالتأكيد ليس بهذه الطريقة تبدأ الحروب ولا حتى التحضير لها.

 

جلّ ما اراده نتنياهو نقل المجتمع الاسرائيلي من الازمات الداخلية التي تحاصره الى عمل عسكري يعيد اليه بريق «البطل» الاسرائيلي، ولكنه لم يوفَّق كثيراً هذه المرة حيث نقلت مثلاً صحيفة معاريف الاسرائيلية عن مسؤول وصفته بالمطلع على تفاصيل عملية «درع الشمال» قوله بأنّ ما يحصل اشبه بحملة علاقات عامة وبالتالي لا حاجة ملحّة لتنفيذها الآن.

 

وأخيراً بدأت واشنطن تضع في حساباتها احتمالات قيام نتنياهو بعمل متهوّر فهو اولاً فشل في مواجهة غزة الاخيرة وبدا معها أنّ اسرائيل غير مستعدة عسكرياً ولم تنجح في تطوير قدراتها العسكرية.

 

وهو ثانياً يستمرّ في ترؤُس حكومة يمينية متطرّفة ولكن بصعوبة بعد خروج افيغدور ليبرمان منها ما جعلها تقف على غالبية ضيقة وتحت رحمة احزاب اقصى اليمين مثل نفتالي بينيت.

 

وهو ثالثاً ولإنقاذ حكومته شغل حقيبة الدفاع التي كان يطمح لها بينيت ولكن بعد التزامات قدّمها له على الارجح تتعلق بمسائل عسكرية.

 

وهو رابعاً يريد استعادة بعض النقاط التي خسرها في الشارع قبل الانتخابات المقرّرة بعد أقل من سنة.

 

وهو خامساً يئنّ تحت ثقل ملف الفساد خصوصاً بعدما اوصت الشرطة بتوجيه الاتهام اليه، ما يعني انه يبحث عن طريق للفرار.

 

وهو أخيراً، وليس آخراً يتهيّب فيه الرئيس الاميركي دونالد ترامب اعلان «صفقة القرن» قريباً جداً، ما يجعله ملزماً بالسير بها إرضاءً لرئيس اميركي قدّم له الكثير كمثل اعلان القدس عاصمة لإسرائيل ويريد الخطة السياسية لاستثمارها في انتخابات التمديد له بعد اقل من سنتين. ولكنه في الوقت نفسه قدّم التزاماً للأحزاب المتطرّفة المشاركة معه في الحكومة أنه لن يقبل ابداً الإقرار بوجود دولة فلسطينية ولو على الورق فقط.

 

ولأجل كل ما سبق بدت واشنطن حذرة في اندفاع نتنياهو في خطوات عسكرية متهوّرة قد تدفع بالامور مرة واحدة في اتّجاه مواجهة شاملة، رغم انّ واشنطن تدرك بأنّ مشكلات الجيش الاسرائيلي كثيرة وكبيرة ما يعني أنه غيرُ جاهز للحروب، وفي المقابل فإنه لا رغبة لـ«حزب الله» في الحرب، لكنّ أيّ خطأ في الحسابات قد يبدّل كامل المشهد ويقضي على مشروع ترامب في الشرق الاوسط.

 

ولأنّ نتنياهو يسعى وراء نقاط سياسية وإعلامية يستغلّها في الداخل، لا وراء الحرب بحد ذاتها، فهو استكمل الحرب النفسية الدائرة بينه وبين «حزب الله» وأضفى على اجتماع بروكسل أهمية بالغة وطابع الاجتماع الطارئ والمصيري. فتعمّد عدم التشاور مع بومبيو عبر الهاتف الآمن وشكل وفداً أمنياً مؤلفاً من رئيس الموساد ورئيس مجلس الامن القومي وسكرتيره العسكري، والاهم أنه اعلن عنه مسبقاً كجزء من الرسالة في إطار حربه النفسية.

 

فلو كانت هنالك جدية في القيام بعمل عسكري لكان عقد الاجتماع من دون الاعلان عنه، أو لكان ذهب اليه رئيس الاركان ومعه ضباط كبار من دون نتنياهو لإجراء ترتيبات عسكرية ولعدم لفت الأنظار بهدف المحافظة على عنصر المفاجأة.

 

ورغم الضجيج الإعلامي المطلوب اسرائيلياً، لكنّ حرص الجيش الاسرائيلي على حصر عمله في نطاق الاراضي المحتلة من دون الاقتراب من الاراضي اللبنانية تنفيذاً للرغبة الاميركية الصارمة بعدم فتح الابواب امام ايّ نوع من انواع الاحتكاك مع «حزب الله».

 

وفيما ذكر أنّ رئيس الاركان الاسرائيلي دفع باتّجاه تنفيذ «درع الشمال» كي يسجّل شيئاً ما على سجلّه قبل مغادرته وهو يحمل النتيجة الفاشلة لمواجهة غزة، اعتبر البعض انّ العملية ستشكّل غطاءً لنقل الدفعة الثانية من الاموال القطرية الى غزة والتي تبلغ 15 مليون دولار.

 

ووفق مصادر ديبلوماسية مطلعة فإنّ ثلاثة ملفات أثارها الجانب الإسرائيلي خلال اجتماع بروكسيل الاول ويتعلق بنقل الاسلحة من ايران الى «حزب الله» في لبنان.

 

والثاني ويتعلق بما تدّعيه إسرائيل حول إنشاء «حزب الله» لمصانع حربية تجعل صواريخ الحزب أكثرَ دقة والثالث ويتعلق بالوساطة الاميركية بين لبنان واسرائيل حول الخلافات الموجودة حيال الحدود البحرية والتنقيب عن الغاز في البحر.

 

ورجّحت هذه المصادر أن تتدرّج اسرائيل في مواقفها فتنتقل الى ملف ترسيم الحدود البحرية كما البرية وفق مصلحتها بعد أن تكون قد استنفدت كامل خطتها التهويلية وحربها النفسية.

 

وفي اعتقاد نتنياهو أنّ دفع الحرب النفسية الى ذروتها الآن بدا أنه سيحقّق له نقاطاً داخلية ثمينة ويخفّف الضغط السياسي والقضائي عليه، فإنه سيؤدّي الى تكبيل «حزب الله» اكثر وسيأخذه الى موقع دفاعي ويجعله مقيّد الحركة لدى طرح ملف الحدود البحرية والبرية.

 

أضف الى ذلك انّ واشنطن ستمارس ضغطاً أكثر على لبنان من ناحية لإرضاء اسرائيل ولجمها امنياً ومن ناحية ثانية لتأمين ظروف افضل لتمرير صفقة القرن، ومن ناحية ثالثة للاقتراب أكثر من الملف الفلسطيني في لبنان. والذي بات محسوماً أمر توطين فلسطينيّي الشتات في وقت يبقى تأثير «حزب الله» قوياً داخل هذه المخيمات ما يجعله قادراً على توجيه رسائل الاعتراض عندما يحين موعدُها.