IMLebanon

إسرائيل تريد نقل إمدادات «اليونيفيل» إلى ميناء حيفا

حملة ردود الفعل الدولية التي واجهت تصريحات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لقناة «سي. بي. إس» المصرية حول أنّ المقاومة تكمل الجيش اللبناني طالما إنّ هناك احتلالاً إسرائيلياً للبنان، تمّ استثمارها في إسرائيل على نحوٍ لافت خلال الأسبوع الماضي وبشيء يُظهر كثيراً من الافتعالية المقصودة.

على الرغم من أنّ طرح هذا الموضوع في إسرائيل تمّ إثر نشرِ «مراقب الدولة» تقريرَه عن إخفاقات إسرائيل في حرب غزّة الأخيرة، لكنّ التعليقات عليه صبّت تركيزَها على ما سمّيَ «التهديد الأمني لإسرائيل المقيم في لبنان».

واللافت أنه تمّت عنونةُ كلّ هذا السجال الإسرائيلي الإعلامي والسياسي، بمقولة تمّ تأسيسُ الجدل عليها، ومفادها أنّ «الجنرال عون حليف «حزب الله» هو الآن رئيس للجمهورية في لبنان وقائد أعلى للجيش اللبناني، وعليه، فإنّ إسرائيل ستواجه في أيّ حرب مقبلة مع لبنان الجيشَ اللبناني ومقاومة «حزب الله» معاً».

ومن خلال ما طرَحه المعلّقون من أسباب وراء إقحام لبنان في نقاش تقرير «مراقب الدولة» عن حرب غزّة، يبرز أنّ السبب الذي تعتبره إسرائيل أكثرَ واقعية للاستثمار الفعلي فيه، في مقابل الأسباب الاخرى التي طرحت للاستهلاك السياسي الإسرائيلي الداخلي، كان الدعوةَ التي رأت أنّ على إسرائيل أخذ كلام عون وثيقةً لمجلس الأمن لوضع الأخير أمام مسؤوليته تجاه أنّ الدولة في لبنان دخلت مرحلة الإساءة لقرارات الأمم المتّحدة، ولا سيّما منها القرارين 1559 و1701.

وما تريده إسرائيل، هو التقدّم خطوةً في مناسبة استغلالها كلامَ عون للقناة المصرية، نحو هدف ترى منذ فترة أنّ هناك إمكانية لتحقيقه على جبهتها مع لبنان، في مقابل الأهداف الأخرى، كتجريد «حزب الله» من سلاحه، التي تدرك إسرائيل أنّ الوصول إليها في الظروف الراهنة مستحيل.

والمقصود هنا بهذا الهدف الإسرائيلي، هو دفعُ مجلس الأمن إلى إعادة النظر في قواعد انتشار «اليونيفيل» في الجنوب، وذلك حصراً لجهة جعلِ ميناء حيفا وليس مرفأ بيروت هو خطّ إمداداتها، وأيضاً جعل بُناها اللوجستية موجودةً داخل «الأراضي الإسرائيلية».

سبقَ لإسرائيل أن طرَحت هذه الفكرة داخل كواليس مجلس الأمن وخلال اللقاءات الثلاثية التي تجمع ممثلين عن «اليونيفيل» والجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي في مقرّ «اليونيفيل» في الناقورة أيام قيادة الجنرال باولو سيرا، ولكنّه حينها ووجِه برفضِ الأطراف كافة.

كان المدخل الذي استغلّته إسرائيل حينها لطرح فكرة نقلِ خطّ إمداد «اليونيفيل» إلى ميناء حيفا بدلاً من مرفأ بيروت، هو التذرّع بأنّ طريق الجنوب الساحلي الذي تستعمله «اليونيفيل» لنقلِ المعدّات التي تصلها من مرفأ بيروت الى مناطق انتشارها وراء خطّ شمالي الليطاني، لم يعد آمناً، خصوصاً عند نقطته القريبة من مخيّم عين الحلوة الذي يشهد جولات عنفٍ متتالية تهدّد بأن تطاولَ سلامة المرور عليه، وأيضاً نتيجة احتمال وقوع عمليات إرهابية على هذا الطريق على يد عناصر إرهابية هناك معلومات عن أنّها تقيم في المخيّم عينِه، تستهدف قوافلَ إمدادات «اليونيفيل».

في تلك المرحلة حصَل في قيادة «اليونيفيل» في الناقورة تفكيرٌ في استبدال الطريق البرّي الساحلي بخط بحري ضمن المياه الاقليمية اللبنانية بين الناقورة وصيدا، وبالفعل اعتمدت «اليونيفيل» هذا الطريق البحري مرّة واحدة لنقلِ معدّات خفيفة بين ميناءَي صيدا والناقورة.

علماً أنّ الموانئ الجنوبية ليست مؤهلة لأن يتمّ عبرها نقلُ معدّات كبيرة كالتي تحتاجها «اليونيفيل» لتدعيم انتشارها اللوجستي في قطاع عملياتها في جنوب لبنان، ذلك أنّ هذا النوع الثقيل من المعدّات لا يستوعب حركة نقلِها، إلّا مرفأ بيروت أو حصراً مرفأ حيفا في حال قرّر مجلس الأمن تغييرَ خط الإمداد اللوجستي لـ«اليونيفيل».

وفي كلّ الحالات، فإنّ نقلَ خطّ الإمداد اللوجستي من مرفأ بيروت إلى حيفا، كما ترغب إسرائيل، لا يُعتبر إجراءً تقنياً، بل هو إجراء يؤدي إلى المسّ بجوهر البنية القانونية وقواعد الاشتباك القائم عليها القرار 1701، بمعنى أنه يُحتّم نقلَ المراكز اللوجستية الاساسية لـ»اليونيفيل» من الاراضي اللبنانية إلى الاراضي الاسرائيلية، وأيضاً يُرتّب تداخلاً حرّاً لتنقّل قوات «اليونيفيل» على جانبَي الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، ما يَخلق تعقيديات أمنية ليس سهلاً تنظيمها أو ضبطها أو حتى القبول بها لبنانياً ومن جانب «حزب الله».

والواقع أنّ التلويح الإسرائيلي بالذهاب إلى مجلس الأمن لوضع تصريح عون وثيقة أمامه تُظهر أنّ لبنان الدولة خرج عن القرار 1701، كان يمكن اعتباره محاولةً جديدة من تل أبيب لجسّ نبضِ فرصة تغيير خط الإمداد اللوجستي لـ«اليونيفيل» من مرفأ بيروت إلى ميناء حيفا، لكنّ الخطورة هذه المرّة تكمن في أنّ إسرائيل تنطلق في مطالبتها بالتشكيك بالتزام لبنان ـ الدولة بموجبات القرار 1701، وليس التشكيك بالتزام أطراف أخرى لبنانية غير رسمية أو غير لبنانية بهذه الموجبات، إضافةً إلى كونه أيضاً يأتي في إطار حملة دولية بدأتها السفيرة الأميركية في بيروت التي نُقل عنها من دون أن تنفي ذلك، تهديدها بسحب قوات «اليونيفيل» من لبنان كأحد خيارات ردّ المجتمع الدولي على كلام عون. وإن صحَّ هذا التسريب، فهذا يعني تغييراً استراتيجياً في موقف أميركا من وجود «اليونيفيل» في لبنان.

فخلال أوّل زيارة للرئيس السابق ميشال سليمان للبيت الأبيض أبلغَه الرئيس الاميركي آنذاك باراك اوباما أنّ القرار 1701 وانتشار «اليونيفيل» على خط وقفِ الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، هو نموذج يجب الحفاظ عليه، لأنه لا يخصّ لبنان فقط، بل يخصّ مستقبل المنطقة، لأنّ صيغة انتشار «اليونيفيل» بموجب القرار 1701، ستعمَّم على كلّ التسويات النهائية في المنطقة.

هل تبدَّلت الرؤية الأميركية لمدى أهمّية القرار 1701؟ وهل لا تزال الإدارة الاميركية الجديدة، تَعتبره نموذجاً يَجدر الحفاظ عليه، لأنّ المجتمع الدولي سيحتاجه في ترسيم حدود التسويات النهائية للصراعات القائمة في المنطقة؟

وإذا كان هدا النموذج لا يزال له هذه الوظيفة، فهل واشنطن ستخضع للمناورة الإسرائيلية الهادفة إلى تعديل قواعد في انتشاره، وذلك انطلاقاً من أنّ لبنان لم يعُد يَحترم موجباته المتمثّلة في القرارات الدولية ذات الصلة به.

ويضاف للقائمة التي تُسبّب قلقَ لبنان من أن تنجح إسرائيل في تغيير قواعد انتشار «اليونيفيل»، كلام الناطق باسم الأمم المتحدة فرحان حق الذي ذكّر لبنان في مناسبة سؤاله عن تصريحات عون عن سلاح «حزب الله»، بأنّ قرارات مجلس الأمن تدعو بوضوح إلى حلّ كلّ الميليشيات ونزعِ أسلحتها.