IMLebanon

إسرائيل تقترب من لهيب الهزيمة

 

تسود الساحة السياسية الإسرائيلية حالة من الخلافات العميقة والإضطراب والضياع والفوضى جراء الحرب المستمرة مع المقاومة الفلسطينية حماس التي نجحت نجاحاً باهراً على مختلف الصعد في إطالة أمد الحرب مع الجيش الإسرائيلي، بقوتها الذاتية وبدعم كل الأصدقاء، الأمر الذي جعل مختلف شعوب العالم يرتقون إلى مصاف الهجوم السياسي على قيادة الكيان العبري، فضلاً عن أن هذا العامل قد لاقى نجاحاً فائقاً في بث الخلافات بين مختلف الأطراف السياسية الإسرائيلية إنطلاقاً من صورة الوضع العسكري التي جعلت حتى قسماً من الرأي العام الإسرائيلي يهاجم حكومة نتنياهو محمّلاً إياها مسؤولية التدهور الاقتصادي في كل مدن فلسطين المحتلة، إضافة إلى تسببها في فيضان كل أنواع الأمراض والحالات النفسية في المجتمع الإسرائيلي جرّاء إستبداد القلق النفسي والضغط العصبي بالنفوس، فضلاً عن تسبب الحرب بمقتل اكثر من 30 ألف مواطن فلسطيني غزاوي جلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ. أما على صعيد السخط والغضب والإشمئزاز التي تبديه الدول الصديقة لواشنطن، يقول الكاتب الأميركي توماس فريدمان أن مكانة إسرائيل ومستوى القبول بها حالياً والشرعية التي تم بناؤها بشقّ النفس لها على مدى عقود، تتآكل بسرعة متزايدة بين الدول الصديقة. وأوضح فريدمان عبر مقالٍ نُشِرَ في صحيفة «نيويورك تايمز» انه يرغب في إيصال رسالة عاجلة إلى بايدن والإسرائيليين ومفادها انه يعتقد أنهم لا يقدّرون تماماً الغضب الذي يتصاعد في جميع انحاء العالم والذي تغذيه وسائل التواصل الإجتماعي ولقطات التلفزيون جرّاء مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين وخصوصاً الأطفال بالأسلحة التي قدمتها أميركا في الحرب على غزة. وهنا يبرز عامل الخوف الإسرائيلي من غرق تل أبيب في الوحول الفلسطينية الغزاوية تماماً كما غرقت أميركا في الوحول الفيتنامية. ودلل الكاتب على تآكل مكانة إسرائيل في العالم بالدعوات التي تحدث كل يوم كحظر إسرائيل من المسابقات أو الأحداث الأكاديمية والفنيّة والرياضية الدولية. ووصف فريدمان الحرب الإسرائيلية على غزة بأكملها بأنها باتت كمفرمة اللحم البشرية الهادفة إلى تقليل عدد السكان حتى تتمكن من السيطرة عليها بسهولة أكبر. ويختم فريدمان قائلاً إسرائيل لم تعد تملك أي خطة للخروج من غزة. ويعترف وزير الدفاع الإسرائيلي بتاريخ 3 آذار 2024 يوآف غالانت أن إسرائيل لن توقف الحرب في قطاع غزة دون القضاء على حركة حماس، مؤكداً في الوقت ذاته ان القضاء على حماس سيستغرق وقتاً طويلاً وهذا يعني أنه عند كل فشلٍ إسرائيلي في معركة هناك صوت تلمودي يهمس قائلاً الرجاء يُرجى المحاولة لاحقاً أو بعد حين، وهذا يعني أيضاً فشل كل المحاولات الدبلوماسية المستمرة لإنقاذ حكومة نتنياهو وحفظ ماء وجهها. لقد نجحت حركة حماس وكل أصدقاؤها في العالم بإلهاء القوة الإسرائيلية ان بالضغط العسكري المحلي على الحدود مع الجنوب اللبناني أو بالتظاهرات الداعمة لفلسطين المحتلة في كل ساحات وشوارع بلدان العالم، وهذا ما دفع بالجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك للتوجه إلى قادة الإحتلال وتحذيرهم من شنّ عدوان على رفح جرّاء الهاوية التي ستسقط إسرائيل فيها نتيجة للعملية إن بدأت. وأوضح بريك لصحيفة «هآراتس» أن الحل الذي يجب علينا دفعه قدماً هو اتفاق لإعادة المحتجزين الأمر الذي سيشكّل مخرجاً لائقاً لعبور الأزمة بكرامة، من الوضع المأساوي الذي وجدت فيه إسرائيل نفسها، وان نعيدهم على قيد الحياة إلى بيوتهم. وتابع حتى لو دخلنا إلى رفح فنحن لن ننجح في القضاء على حماس بشكل مطلق، ويمكن ان نجد انفسنا في وضع أمني أصعب بأضعاف من الوضع الذي توجد فيه الآن قبل دخول رفح، من هنا إذا قرّر القادة السياسيون والأمنيون الإسرائيليون الدخول إلى رفح، فإن ذلك سيضر جداً بمناعة إسرائيل السياسية والامنية والقومية، وسيضر بعلاقاتنا مع كل العالم وستصبح تلك العلاقات كرة ثلج تتدحرج نحو الهاوية في مجال الاقتصاد والأمن والمجتمع والعلاقات الدولية، ولن تكون هناك طريق للعودة بعد ذلك. ويقول الجنرال المتقاعد بريك أن شركات كثيرة في العالم أوقفت رحلاتها إلى إسرائيل، والعالم آخذ في خنقنا حتى قبل الدخول إلى رفح. نحن يمكن أن نصبح دولة منبوذة وان نفقد أرصدة مهمة جداً والتي بدونها لن نتمكن من النمو مجدداً. وأشار اللواء بريك ما الذي يضمن عدم شروع الآلاف من مقاتلي حماس الإنتقال إلى مناطق آمنة من القطاع عبر فتحات انفاقهم؟ من هنا يمكن التأكيد بأن حركة حماس لم تخسر اكثر من 20 بالمائة من قوتها على ضوء كلام وتحليل الجنرال بريك، وان الحرب ما زالت طويلة، وكلما طال أمدها كلما تأكّد أن الجيش الإسرائيلي مقبل على تذوق كأس الهزيمة المرّة لأن عامل الوقت في حروب الشوارع يلعب في صالح المقاومات لا في صالح الجيوش النظامية. اما بالنسبة لتراجع شعبية نتنياهو، فلعامل طول مدة الحرب أثر إيجابي على حماس. فعالم السياسة ليران هاركور من جامعة حيفا ورغم تأكيده أن نتنياهو سياسي قادر على التلاعب بالرأي العام بطريقة لا مثيل لها، إلا لأنه اليوم يواجه وضعاً كارثياً مع شعبية سيئة له وهذه دلالة واضحة  على الإنقسام في الرأي العام الإسرائيلي حيال الحرب الوحشية الإسرائيلية على غزة. ومن جهته قال رئيس حزب إسرائيل بيتنا اليميني المتطرف افيغدور ليبرمان بتاريخ 3 آذار 2024 ان الحكومة الإسرائيلية في وضعيتها اليوم وصلت إلى نهايتها معتبراً ان التخلّص من رئيسها بنيامين نتنياهو يمثل مكافأة للإسرائيليين. ونقلت صحيفة «يديعوت احرونوت» عن ليبرمان قوله ان الحكومة استنفدت نفسها وانتهت، والخلافات ما زالت تعصف بين أعضاء مجلس الحرب. أما الخلافات الأميركية – الإسرائيلية فاحد أسباب نشوبها مردّه الى طول أمد الحرب على غزة. وهذا ما جعل الإدارة الأميركية تنضوي في ضفة الذين يجزمون ان القصف بالطيران الحربي الإسرائيلي والتوغلات الحربيّة البريّة كلّها عوامل بات التعويل على نجاحها في غاية الصعوبة. فصحيفة واشنطن بوست وبتاريخ 2 آذار 2024 نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم ان ادارة نتنياهو تقترب من نقطة لم يعد ممكنا التسامح مع تحديها لشركائها الأميركيين، وأضافت الصحيفة أن مسؤولين أميركيين عبّروا عن إحباطهم العميق وغضبهم الشديد مما يرونها حكومة إسرائيلية عنيدة ومتعجرفة بقيادة نتنياهو.