IMLebanon

أفكار إسرائيلية: سلِّموا مصر إدارة غزة

 

 

على خطين متوازيين ومتكاملين، يتحرّك الإسرائيليون في غزة: عسكرياً، هم يستشرسون في التدمير والقتل والتهجير. وديبلوماسياً، هم يضغطون لتثمير الدعم الدولي من أجل تسويق مخارج سياسية تلغي فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، وتستعيض عنها بكيانين بديلين، أحدهما يقع ما بين غزة وبقعة من سيناء، والآخر بين الضفة الغربية والأردن.

 

ما يجري تداوله في الإعلام الإسرائيلي يكشف جزءاً من الاتجاهات التي تعمل حكومة بنيامين نتنياهو لتحقيقها في غزة، خصوصاً مع تصاعد الضغوط الأميركية والأوروبية العلنية، الرامية إلى وقف حمام الدم. وفي تقدير وزيرالخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، أنّ المهلة التي يمكن تَحمّلها في هذه المناخات لا تتجاوز الأسبوعين.

 

على الأرجح، سيتعاطى نتنياهو مع الضغوط الدولية بالمخادعة، وباستخدام طرق مختلفة:

 

1- هو سيستفيد من كون هذه المهلة قصيرة نسبياً لكي يرفع مستوى العنف في غزة إلى حدود غير مسبوقة، لعلّه يحقق أهدافاً ملموسة قبل انقضائها. لكن هذه الفترة، القصيرة في نظر المحلّلين، هي طويلة جداً من زاوية إنسانية. فعمليات التدمير والقتل والتهجير لا يمكن لأهل غزة أن يتحمّلوها لأسبوعين إضافيين، بعدما صارت أقرب إلى الإبادة الجماعية.

 

2- سيطلب نتنياهو منحه المزيد من الوقت، بذريعة الحاجة إلى تحقيق إنجاز قبل وقف النار، ما يعني أنّ المهلة قد تُمدّد، ومعها سيتضاعف عدد الضحايا وحجم الخسائر.

 

3- في أي حال، لن يوقف نتنياهو عملياته في القطاع، بل سيحوّلها إلى حرب استنزاف طويلة الأمد. والذريعة هنا جاهزة: ملاحقة «حماس» وضرب مواقعها حتى شلّ قدراتها.

 

إذاً، عندما سيقرّر الإسرائيليون القبول بوقف للنار، ستكون أجزاء واسعة من غزة قد صارت ركاماً، خصوصاً في الشمال. وستكون الأزمة الإنسانية قد استفحلت ولا يمكن تحمّلها. وسيكون مطلب الوسطاء، من غربيين وعرب، هو إنقاذ المدنيين في الدرجة الأولى.

وأما برنامج البحث الذي سيعمل هؤلاء الوسطاء على أساسه، فسيكون مبرمجاً على ثلاث مراحل هي:

 

أولاً، وقف النار.

ثانياً، حلحلة أزمة الرهائن والأسرى.

ثالثاً، التفاوض حول مستقبل غزة السياسي، وإعادة إعمارها. وهنا، يكمن جوهر المشكلة. وفي التداول طروحات عدة تتعلق بمصير غزة. وكلها بعيدة عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

 

من هذه الطروحات ما يقضي بوضع القطاع، لفترة زمنية محددة، تحت وصاية دولية، أو دولية- عربية، أو عربية- إسلامية. وهناك طرح يقول بإعادة تسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية التي غادرتها في العام 2007.

 

ولكن، في إسرائيل مَن يقول إنّ الطرف الأساسي المفترض طبيعياً أن يكون شريكاً في إدارة التسوية في غزة هو مصر. وهذا الطرح هو الأكثر خبثاً لأنّه يقود مباشرة إلى الخطة التي تريد إسرائيل دفع مصر إليها مرغمة، أي خطة «الترانسفير». ولذلك، تتصدّى القاهرة في شكل حازم لأي محاولة إسرائيلية تهدف إلى توريطها في رمال غزة المتحركة.

وقبل أيام، بدأ بعض أصحاب الرأي في إسرائيل يطالبون إما بممارسة ضغوط على مصر، وإما بتقديم الإغراءات إليها، لكي تقبل بتسلّم زمام الإدارة في قطاع غزة. ومن هؤلاء خبير الأمن الاقتصادي، ديفيد برودت، الذي كان مديراً تنفيذياً للخزانة. وهو يرى أنّ من مصلحة القاهرة وتل أبيب استعادة تجربة الأعوام 1948-1967، عندما كان القطاع تحت السيطرة المصرية.

 

وفي السياق إياه، يقول الباحث إيلان غانور: بدلاً من ترحيل سكان غزة إلى مصر، علينا أن نطالب بعودة السيطرة المصرية على غزة. وإذ اقترح إغراء مصر بالمساعدات لدفعها إلى الموافقة، سأل: هل تكفي مساعدات بقيمة 50 مليار دولار، على مدى عشر سنوات، لتحقيق هذا الهدف؟

 

ولكن، في أي حال، يبقى السؤال: من سيتعهّد الضمانات لمصر ومن سيلتزم المساعدات؟ فالقلق المصري متعدد الأبعاد: هناك المخاوف من أن يؤدي دخول غزة إلى استسهال القبول بالخطوة التالية، «الترانسفير» إلى سيناء. ومن هناك، يبدأ اشتباك بين الإخوان المسلمين ونظام الحكم في القاهرة قد يزعزع استقرار مصر من أساسه.

 

ويبقى الشق الآخر من الأزمة، وهو أنّ الشرط الأساسي لتسليم مصر زمام الأمور في غزة، هو إما موافقة «حماس» وإما هزيمتها. واحتمالات الموافقة ضئيلة كما هي احتمالات الهزيمة.

 

فإيران لن تسمح بانتزاع القطاع من يد الحركة، ولو كان الثمن اشتعال الجبهات كلها، وعلى مستوى الشرق الأوسط بكامله. ومن هنا، لا تبدو في الأفق ملامح تسوية سياسية في غزة، بل ملامح المزيد من الضحايا والحرائق والدمار.