IMLebanon

الإخلال في موازين القوى سيؤدي حتماً إلى حرب واسعة

 

يعتقد عدد من الخبراء الأمنيين والاستراتيجيين الاسرائيليين، وعلى رأسهم المستشار السابق للأمن الوطني يعكوف اميدرور بأن على اسرائيل «التحضير للحرب في ظل احتمال ضرورة شن حرب على ايران دون وجود مساعدة اميركية». ويبدو بأن شعبة الاستخبارات العسكرية باتت تحذر من حصول تطورات قد تدفع نحو مواجهة مباشرة مع ايران. ويمكن في رأينا ربط هذا التقييم الاستراتيجي الاسرائيلي بمسلسل الاحداث الذي شهده شهر نيسان الماضي، وعمليات اطلاق صواريخ على اسرائيل من غزة ولبنان وسوريا من قبل اذرعة عسكرية تموّلها وتسلحها ايران، بالاضافة الى مسيرة اطلقت فوق اسرائيل.

في هذا السياق لا يمكن اغفال تأثير التطورات الواسعة التي تشهدها المنطقة بعد توقيع الاتفاق السعودي – الايراني في الصين، مع بروز نيّة واضحة لدى المسؤولين في البلدين لتسريع عملية تنفيذ مندرجاته، سواء لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، والبدء بخطوات عملية ومتسارعة لوقف الحرب في اليمن، يضاف الى ذلك مسألة استئناف العلاقات الدبلوماسية بين ايران ودولة الامارات المتحدة.

في نفس الوقت تطرح تساؤلات في الدوائر الامنية الاسرائيلية وفي بعض وسائل الاعلام حول مدى قدرة الولايات المتحدة على تنفيذ التزاماتها الاستراتيجية تجاه اسرائيل، وعلى مستوى المنطقة، في ظل المشاغل الدولية والالتزامات الامنية الاميركية في اوروبا وفي منطقة بحر الصين. يمكن في هذا الاطار الربط ما بين الهواجس الاسرائيلية وما يحدثه الاتفاق السعودي – الايراني من تطورات متسارعة، ستؤثر حتماً على موازين القوى الاستراتيجية في المنطقة، وبين قرار واشنطن ارسال الغواصة النووية فلوريدا، ونشر صور لها وهي تعبر قناة السويس باتجاه الخليج العربي، في وقت يعتبر فيه نشر صورة الغواصة وتحديد موقعها مخالفاً لتدابير الحيطة الخاصة بنشر الغواصات الاميركية.

في رأينا لا يمكن ان تؤدي عمليات اطلاق الصواريخ الصغيرة والعشوائية باتجاه اسرائيل عبر الحدود من غزة ولبنان وسوريا، الى الدفع نحو حصول مواجهة مباشرة وواسعة بين اسرائيل وايران. لقد سبق وشهدت حدود اسرائيل تطورات عسكرية اوسع من تلك التي حصلت خلال شهر نيسان الماضي، وقد حرصت ايران على عدم التدخل مباشرة في هذه المناوشات، او الحروب الصغيرة، منعاً لحصول تطورات وقراءات تؤدي لحرب لا تريدها طهران او تل ابيب.

في الواقع ان ما يثير مخاوف وهواجس القيادة الاسرائيلية يتركز على القدرات النووية الايرانية، وتطلعاتها لامتلاك السلاح النووي، والذي ترى فيه اسرائيل تهديداً مصيرياً. ومن هنا فإن الاهتمامات الاسرائيلية ستبقى مركزة على ما يجري داخل ايران من جهود للحصول على الوقود النووي اللازم لصنع عدد من القنابل، وعلى القدرة على تحويلها الى رؤوس نووية جاهزة للاستعمال بواسطة صواريخها الباليستية، التي يبلغ مداها 2000 كلم. بالرغم مما قاله يعكوف اميدرور عن ضرورة ان تستعد اسرائيل لتوجيه ضربة جوية للمنشآت النووية الايرانية، فإن القيادة الاسرائيلية تدرك تماماً بأنها عملية معقدة جداً، وباهظة الثمن انطلاقاً من الردود التي ستتلقاها من داخل ايران. ومن اذرعة ايران العسكرية عبر حدود الدول المجاورة لاسرائيل، وهي في جميع الاحوال لا تحظى بتوافق القيادات الاسرائيلية.

تدرك اسرائيل مدى التقدم الكبير الذي حققته ايران في مجال تخصيب اليورانيوم منذ خروج الرئيس ترامب من اتفاقية فيينا. وهذا ما دفعها الى شن مجموعة هجمات واسعة داخل ايران نفسها، تمثلت بهجمات بمسيرات نفذت ضد المواقع الحساسة في البرنامج النووي في اصفهان وضد مواقع تطوير الصواريخ، والمسيّرات الايرانية، بالاضافة الى اغتيال علماء نوويين ايرانيين، ومن ابرزهم محسن فخري زاده، والذي يعتبر الرأس الاساسي للبرنامج النووي.

اطلق على هذه الاستراتيجية لمهاجمة اهداف داخل ايران، بالاضافة الى الهجمات السيبرانية اسم «عقيدة الاخطبوط» وهي تدعو الى مهاجمة اهداف اساسية داخل ايران بدل مهاجمة اذرعتها في لبنان وغزة.

وشملت هذه الاستراتيجية بعداً بحرياً حيث بدأت اسرائيل باستهداف بعض ناقلات النفط ومراكب الشحن الايرانية العابرة للبحر الاحمر وخليج عمان، وكان من الطبيعي ان ترد ايران بمهاجمة بعض المراكب الاسرائيلية.

وتعتبر اسرائيل بأنه لا يمكن الفصل بين برنامج ايران النووي وبين استراتيجية ايران العسكرية الشاملة في المنطقة. دفعت هذه الرؤية حكومة اسرائيل الى البحث عن مقاربة يجري من خلالها تجييش وحشد القدرات الاقليمية لمواجهة التهديدين العسكري والنووي الايرانيين في آن معاً.

وفي ظل استحالة قيام تحالف عسكري عربي – اسرائيلي في المستقبل المنظور فقد سعت اسرائيل وبدعم اميركي، الى وضع تفاهمات والتزامات مع دول اقليمية لمواجهة القدرات العسكرية الايرانية المتنامية.

وتبرز في هذه التفاهمات بين اسرائيل ودول عربية مدى اهمية تطوير قدرات الدفاع الجوي والدفاع ضد الصواريخ الباليستية والامن البحري، وعمليات القوات الخاصة. وتعتبر الولايات المتحدة كشريك اساسي في هذه التفاهمات، وخصوصاً لجهة التحضير واجراء التمارين اللازمة، لتأمين التنسيق بين القيادات العسكرية الاقليمية. وساعدت على التطورات الدبلوماسية التي رعتها واشنطن على تطبيع العلاقات بين اسرائيل وبين دولة الامارات ومملكة البحرين.

ولا يمكن تجاهل التأثير السلبي لتراجع ثقة الدول الخليجية بقدرة الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها الامنية، فقد فتح فرصة للانفتاح على اسرائيل، وبالتالي على التعاون معها في المجال الأمني.

لكن بالرغم من كل ما يقال عن تراجع الاهتمام الاميركي بأمن منطقة الشرق الاوسط وانشغالها في أمن اوروبا والحرب الدائرة في اوكرانيا، وفي أمن حلفائها في الشرق الاقصى، فإن القيادة الوسطى الاميركية ما زالت تلعب دوراً مهماً في أمن المنطقة، وخصوصاً في الجانبين العسكري والتقني الذي تتطلبه الشراكة بين اسرائيل والاطراف العربية. ولهذا السبب فقد جرى نقل اسرائيل من دائرة القيادة الاوروبية الاميركية والحاقها بدائرة القيادة الوسطى الاميركية.

انتجت هذه التفاهمات التي عقدت وبدعم اميركي كامل تحالفاً اقليمياً فعلياً للدفاع الجوي. والذي جرى الاعلان عنه في حزيران 2022 على لسان وزير الدفاع الاسرائيلي غانتنر بقوله: «ان اسرائيل قد اصبحت جزءاً من تحالف الشرق الاوسط للدفاع الجوي». يعمل اطراف التحالف الاقليميون بالاشتراك مع الولايات المتحدة لمواجهة الصواريخ والمسيّرات الايرانية. وتجري ادارة العمليات وتنسيق ادوار الاعضاء عبر نظام اتصالات متطور، دون الحاجة لأي مشاركة في القواعد والتجهيزات القائمة عليها.

في مواجهة جميع هذه الجهود والاستعدادات الاسرائيلية لمواجهة ايران عسكرياً مع استمرار الاستعدادات الجوية لضرب برنامجها النووي بمفردها او بمشاركة الولايات المتحدة، فإن الرد الايراني للحفاظ على موازين القوى الاقليمية وخصوصاً مع اسرائيل لصالحها سيتركز على عاملين:

الاول: السير قدماً في تطوير قدراتها النووية سعياً وراء امتلاك عامل الردع النووي، والذي يمكن ان يؤمن لها الحماية من اي تهديد اسرائيلي او اميركي.

الثاني: زيادة دعمها وتسليحها للميليشيات العاملة لصالحها في العراق وسوريا وغزة وخصوصاً حزب الله في لبنان والتي يمكن ان تكون طرفاً اساسياً في اي حرب مستقبلية، قد تنشب بمبادرة اسرائيلية او عن طريق الخطأ على غرار ما حدث عام 2006.

تمر المنطقة الآن في مرحلة جديدة، ستفرضها مندرجات الاتفاق السعودي – الايراني، وهي تفرض على جميع اللاعبين الاقليميين والدوليين (المهتمين بشؤون المنطقة) ضرورة اعادة النظر في كل الاستراتيجيات والفرضيات السابقة. ونحن نتخلى عن الستاتيكو الحالي لا بد للجميع ومن ضمنهم اسرائيل وقف التصعيد الحاصل عسكرياً، وذلك بانتظار ما سيحمله الاتفاق السعودي – الايراني من ترتيبات جيوستراتيجية جديدة. وعلى الطرفين الايراني والاسرائيلي إدراك بأن الاخلال بموازين القوى الراهنة خلال الفترة الانتقالية التي ستنتج عن الاتفاق السعودي – الايراني سيؤدي حتماً الى تصعيد المواجهة الراهنة عبر الحدود وفي العمق السوري والدخول في حرب مدمرة واسعة.