IMLebanon

إنها الفتنة… بأمها وأبيها

 

ها هي الاستشارات والتحديات تتوالى من خلال تصرفات مدفوع بها إلى العلن يقوم بها حزب الله من خلال أدواته ومريديه في المناطق التي يطبق عليها بسلطته، وقد وصلت تلك الافتعالات المؤسفة إلى درجة تخطت حدود التصرف الرصين والمتزن، لتصل إلى حافة الهاوية الرامية إلى إثارة أقصى ما يمكن من الحساسيات والتصرفات الفتنوية التي تبدت على وجه الخصوص في إطلاق بلدية الغبيري المنتخبة بهمّة الحزب وتأييده، اسم المتهم الرئيسي لدى المحكمة الدولية في لاهاي باغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري، المسمى مصطفى بدر الدين على أحد شوارع البلدة، وقد تم هذا التصرف بصورة غير قانونية، بهدف إثارة التشويش على العدالة ورفض الحقيقة الحكمية التي ستصدرها، وفي هذا الوقت بالذات حيث المحكمة الدولية تنهي مراحل المحاكمة وتتهيأ لإصدار حكمها كما يتهيأ فيه اللبنانيون بغالبيتهم الساحقة للإطلاع على جهد قضائي دولي دام عدة سنوات، وعلى ما ستصدره من حكم بحق أربعة متهمين رفض حزب الله تسليمهم للعدالة بينما المتهم الرئيسي مصطفى بدر الدين أسقطت المحكمة ادعاءها بحقه بعد انتقاله إلى عدالة السماء.

منذ مدة ليست بالبعيدة أعلن السيد حسن، انتصار النظام السوري وقوى الممانعة في سوريا، وحصول تحول جذري من وجهة نظره لمصلحة تلك القوى وفي طليعتها حزبه، وكانت له ولسواه دعوات للآخرين باستلحاق أنفسهم في قافلة هذا النصر علما بأن إعلان النصر النهائي والصريح يتطلب بعض الانتظار ودقة الحكم على وقائع الأحداث من منطلق استراتيجي يأخذ بالحسبان حقيقة الأمور وخبايا وخفايا السياسات ونوايا وتصرفات واستهدافات الدول بما فيها روسيا والولايات المتحدة ودول حلف الأطلسي، ولنا بصدد النصر الذي يُزعم تحقيقه، وقفة لاحقة وتحليل موضوعي لنصل مما ذكرناه أعلاه إلى أن إعلان هذا النصر أمر سابق لأوانه، وأن سياسة الحزب قد بدأت تتبدل ولو بالتدريج، من مرحلة المراوحة وتبريد الأجواء، وصولا بها في هذه الأيام إلى مرحلة تسخين الأوضاع وإعادة الالتهابات إلى المسيرة اللبنانية والسعي إلى إثارة الفتن في أكثر من موقع إعلامي واجتماعي ومن خلال تصرفات مرفوضة من شرائح واسعة من اللبنانيين، كما هو الشأن في قضية تسمية شارع الغبيري، لننتقل بعد ذلك إلى مسلسل التعرض الدائم لدول الخليج العربي، وإلى قضية لم تكن لتكون قضية ذات شأن عندما يكون «بطلها» الإعلامي سالم زهران لو لم يكن تلفزيون المنار الناطق بلسان حزب الله، هو منطلقها ومطلقها.

وبعد أن كان استنكار لبناني شامل للتطاول المؤسف الحاصل ضد دولة الكويت الشقيقة، متناولا في طريقه رئيس تلك الدولة سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وهو قامة عربية شامخة اكتسبت بانجازاتها التوفيقية تسمية، أمير حكماء العرب، ولطالما حملت راية المحبة والتسامح والتعاطي الأخوي مع تعقيدات العرب ومشاكلهم وأزماتهم مختلفة الالوان والأحجام، تضاعفت الدلائل على أن قوى الممانعة تسعى إلى فرض رأيها ومواقفها على الجميع من خلال الاعتقاد الخاطئ بنصر مؤزر سيدوم ويسود من طهران إلى شواطئ المتوسط. ان اللبنانيين جميعا يرون في أمير الكويت أميرا، على دولة عربية شقيقة غمرت لبنان بأفضالها ومداخلاتها الإيجابية ومعوناتها المالية والاقتصادية في أوقات عصيبة مختلفة مرّت على لبنان، فاكتسبت بانجازاتها التوفيقية وإسراعها إلى نصرة أخوتها العرب كلّما طاولتهم اجتياحات العدو الصهيوني وكلما داهمتهم مصائب الدهر من أي مصدر أتت وقد كان الاستنكار شاملا من كل اللبنانيين ممثلين برئاساتهم وزعاماتهم وأولي الأمر بينهم على كافة الصعد والمستويات… حتى تلفزيون المنار، الذي تفجرت المقابلة – الفضيحة من خلال شاشته، فاستنكرها وذكر أنها رأي شخصي لزهران وأنه يأسف أن يكون هناك «انتهازيون» قد استغلوا هذه الواقعة لإحداث ما تلاها من اشكالات. مشيرين إلى أن القانون اللبناني يشرك في أمثال هذا الجرم، الوسيلة الإعلامية التي أطلقته، وللإعلامي زهران مواقف سابقة اتحفنا بها من خلال الشاشة المذكورة التي تحفل أجواؤها وتصاريح قادتها بالتعرّض لمعظم البلاد العربية والخليجية منها في الطليعة، وهذه المرة، امتد التطاول إلى الشقيقة الكويت بعد أن سبق لحزب الله أن باشر تطاولا عملانيا آخر على الساحة الكويتية من خلال الخلية التي كشفت السلطات الأمنية النقاب عنها، وكانت فضيحة كبرى تمت لملمتها بحكمة سمو الشيخ صباح ونزعته الدائمة إلى مواقف التعالي على الصغائر وتغليب روح التسامح والحكمة.

ومن بين التصريحات التي لفتت الانتباه، تصريح الرئيس نبيه بري الذي أدان فيه أية إساءة إلى الكويت وأميرها، وأضاف بأنه لن يسمح بأن يعكّر صفو علاقة تاريخية وأخوية بين البلدين.

نشير إلى تصريح الرئيس بري على وجه الخصوص، لأن الإعلامي سالم زهران، لطالما صرح في وسائل الإعلام المختلفة، أنه منتم إلى نهجه، وكان صاحب التصريح المسيء يتقصد الادعاء بأنه يمارس نشاطاته السياسية والإعلامية تحت كنفه، وقد جاء بيان الرئيس بري ليشطب تلك العلاقة، وذكرت بعض وسائل الإعلام المحلية أنه حرّم عليه بعد الآن زيارة قصر عين التينة، كما يرفض على أي كان ان يتلطّى بعباءته لتمرير آراء تدخل في الواقع في باب الولدنات. إن موقفا كهذا يتخذه الرئيس بري يؤكد على صفاء ونقاء توجهاته الوطنية، وعلى عروبة أصيلة تغمر قناعاته، من دون أن أنسى أن دولته قد اتصل بي هاتفيا ليشيد بمقال كتبته في هذه الجريدة بعنوان الرئيس بري والأرض التي تتكلم عربي، واستخلصت من ذلك الاتصال مدى أصالة الانتماء العربي لديه، من دون أن ننسى الإشادة بالمواقف اللبنانية كافة بصدد العلاقة الأصيلة التي تربطنا بدولة الكويت الشقيقة وأميرها الشيخ صباح، وذلك بدءا بفخامة رئيس الجمهورية وبدولة رئيس مجلس الوزراء ومرورا بجموع الساسة والعاملين اللبنانيين في شتى حقول العمل العام.

إن عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري هي جريمة دبرت في ليل مظلم على أيادي ظُلّام هذه الأيام القاسية، واللبنانيون بغالبيتهم الكاسحة لا يمكن أن يتناسوا هذه الجريمة النكراء وما سبقها وما تلاها من جرائم تناولت نخبة من كبار هذا الوطن، وإن الحق والحقيقة سيظهران بالحكم الدولي القاطع، حقيقة الجريمة وفداحة الجرم وكفى لمن لا يكتفي بتلك المهاترات الإعلامية والتصرفات الفتنوية الكيدية، ونستعير من الرئيس الحريري لعنونة هذا المقال، قوله: إنها الفتنة بأمها وأبيها.