IMLebanon

إنّها بداية البداية

 

هل نحن أمام احتمال إرضاء الانتفاضة الشعبية على رغم صعوبة التوصل إلى مخرج من استمرار الاحتجاجات في الشارع، يوفّق بين إخراج المتظاهرين من الساحات، فيما هؤلاء يطرحون مطالب جذرية لشدة غياب ثقتهم بالطاقم الحاكم؟

 

أغلب الظن عند العديد من المعنيين بالبحث عن معادلة تتيح التجاوب مع مطالب الحراك الشعبي، وحتى عند بعض المتابعين من القوى الخارجية أيضاً، أن لبنان في “بداية البداية” للعملية التغييرية التي أطلقها الانفجار الشعبي العفوي.

 

وهو استنتاج بقي في الأذهان قبل إعلان الرئيس ميشال عون وبعده أنه “صار ضرورياً إعادة النظر بالواقع الحكومي”. فالأسئلة الكبرى التي ترددت في اليومين الماضيين حول مدى إدراك الطبقة السياسية لإلحاح الاستجابة للحراك الشعبي بإحداث صدمة إيجابية تشمل تغيير الحكومة، إما من أجل تأليف حكومة انتقالية، أو من تكنوقراط أو اختصاصيين… مع وعد بإجراء انتخابات نيابية مبكرة وتطبيق الإصلاحات، ما زالت قائمة على رغم ما أعلنه رئيس الجمهورية.

 

يمكن تعداد الآتي من مؤشرات امتداد المأزق:

 

1- إن إعادة النظر بالواقع الحكومي قد تعني بالنسبة إلى الفريق المحيط بالعهد أن يسعى “التيار الوطني الحر”، وخصوصاً الوزير جبران باسيل، إلى الاستحواذ على حصة وزراء “القوات اللبنانية” الأربعة المستقيلين، إذا كان الخيار هو في التبديل الوزاري أو كان استقالة الحكومة لتأليف غيرها.

 

2 – نزول “القمصان السود” إلى ساحة رياض الصلح بعد ظهر أمس، للدفاع عن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله ورفض شموله بشعار “كلن يعني كلن”. صدقت بذلك مخاوف الداخل والخارج من إمكان افتعال صدام بين الثوار وبين قوى سياسية لن تتخلى عن مواقع متقدمة لها في التركيبة الحاكمة الحالية لأسباب بعضها يتعدى الوضع الداخلي اللبناني خصوصاً بالنسبة إلى “حزب الله”. وسبق لأنصار “التيار الوطني الحر” أن استخدموا العنف ضد محتجين في المتن الشمالي. وهذا يقود إلى احتمال وجود ساحتين، مثلما يطرح احتمال وجود خطة لإغراق الحراك الشعبي بصراع أهلي لا يُعرف كيف ينتهي، مقابل نجاح الحراك في عبور الطوائف والمناطق.

 

3 – إن لدى مجموعات الحراك الشعبي، غير المرتبطة بالأحزاب التقليدية بسوادها الأعظم، ميلاً إلى عدم تأليف قيادة موحدة للتفاوض مع السلطة، تفادياً لأي انقسام مبكر بين قياداتها المتنوعة الانتماءات والمتعددة المشارب، يزعزع وحدة مكوناته، في وقت لم يأت أوان الحوار مع رجالات الحكم. ويبدو أن المجموعات المحركة للانفجار الشعبي توقعت سلفاً أن يتبع المتضررون من الحراك أسلوباً التفافياً على مطالبهم، وأن يلجأوا إلى تفكيك الحراك قبل نضوج حصاده. هذا فضلاً عن أن تعيين هيئة أو لجنة قيادية للحراك، في ظل الحالة العفوية والحيادية التي طبعت السواد الأعظم من المشاركين فيه، (على رغم اشتراك حزبيين) وجلهم من الشباب، قد يؤدي إلى تشكيك فئات من الجمهور الواسع بنوايا أي تفاوض مع السلطة، لأنه سيكون اعترافاً بها في وقت هم يقولون برحيلها. لكن السؤال يبقى قائماً حول توقيت تشكيل الحراك قيادته، لا سيما بعد أن عرض عليهم الرئيس عون الحوار حول مطالبهم، سواء كان هو من سيقود هذا الحوار أو الرئيس الحريري.

 

4 – إن تعدد ساحات الحراك في كل المحافظات، بدلاً من حصره بساحة واحدة أو ساحتين، خدم عفويته من جهة، ووسع الشرائح المشاركة من جهة ثانية، بحيث إذا تعرض للقمع أو لافتعال صراع سياسي – أهلي مع المحتجين، لإجهاضه في منطقة ما، لن يؤثر على ديمومته في مناطق أخرى. هذا فضلاً عن أن الساحات في مناطق أخرى يمكنها رفع الصوت دفاعاً عن الساحة المستهدفة. وسواء تقصد من يتصدرون الحراك ذلك أم لا فإنه يضمن قدرتهم على استمراريته.