IMLebanon

لودريان مفوّضا من «الخماسية» طرح ضرورة البحث عن إسم رئاسي ثالث وحمّل باسيل مسؤولية أي فراغ في المؤسسة العسكرية

 

لفرنسا مصلحة مباشرة في التمديد لقائد الجيش بسبب قواتها في «اليونيفيل»

 

 

استشعر الموفد الرئاسي الفرنسي جان-إيف لودريان في زيارته الرابعة الى لبنان “صحوة ضمير وطنية” فرضتها الظروف القائمة ولم يلمسها في زياراته الثلاثة السابقة، إذ تبين له  أن العديد من محدثيه اللبنانيين بدأوا يتجاوزون مصالحهم الخاصة تدريجيا، وهو مؤشر إيجابي فرضته الحرب المندلعة في غزّة منذ 7 تشرين الاول\اكتوبر الماضي والجبهة المساندة التي تفرّعت عنها في جنوب لبنان. بحسب اوساط على اطلاع واف على اجتماعات لودريان في بيروت إبان الأيام الثلاثة الفائتة فإن الموفد الفرنسي لا يزال يتحلّى بالحزم والعزم والاندفاع الذي يميّزه كدبلوماسي مخضرم وكوزير دفاع سابق، ولمسوا أن اليأس لم ينل منه بسبب العناد اللبناني، وهو يعود هذه المرة متسلّحا بدعم اللجنة الخماسية الواضح والصريح والذي لا لبس فيه: التقى قبل مجيئه الى لبنان رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الدوحة، لينتقل الى الرياض حيث اجتمع بالمستشار في الديوان الملكي السعودي ومسؤول ملف لبنان نزار العلولا  وقد ولّد لديه هذا الاجتماع الاخير قناعة بأن المملكة العربية السعودية عادت ودخلت الى الحلبة اللبنانية، وهو أمر لمسه لودريان بشكل ثابت بحسب اوساط مطلعة.

في لبنان، تصدّر التصادم الذي واجه لودريان مع رئيس كتلة لبنان القوي النيابية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ولقائه الخاطف معه [تروي أوساط عليمة أنه لم يتجاوز الدقائق الستة والنصف ] عناوين الصحف المحلية، لكنّ هذا التنافر لم يكن بسبب تدخّل لودريان بملف الرئاسة اللبنانية كما خيّل للبعض بل بسبب صراحته المعهودة  وتحميله باسيل مسؤولية “تنظيمه الحملة الممنهجة التي تستهدف عدم التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون على رأس المؤسسة العسكرية”. وما إن سمع باسيل هذا القول حتى انفعل، ولم يكن لودريان أقل تفاعلا، وحصل بينهما نقاش حادّ وجد فيه الموفد الفرنسي نفسه مضطرا للانسحاب من الاجتماع بعد دقائق معدودة اذ لم يجد فائدة من النقاش.

 

يولي الفرنسيون أهمية للتمديد لقائد الجيش ليس بسبب شخص العماد جوزف عون بل بسبب وظيفته على رأس المؤسسة العسكرية وخصوصا في ظلّ جبهة مفتوحة في جنوب لبنان، ولوجود مصلحة فرنسية مباشرة تتمثل بحماية القوات الفرنسية العاملة في عداد قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان أي “اليونيفيل”.

في الواقع، أن لودريان كان حريصا ومتنبها أكثر من العادة على عدم التلفظ بإسم معين للرئاسة، لكنه أثار عنوانا أساسيا مع جميع الاطراف التي التقاها ومنها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد حول ضرورة اتفاق اللبنانيين على اسم ثالث يعبّد الطريق الثالثة لرئيس تتوافق عليه الاطراف اللبنانية، لأن المرشحين الاثنين الموجودين لا يحظيان بأكثرية دستورية ولأن التوافق اللبناني شرط لإنتخاب رئيس وهو ما يعبّر عن إرادة دولية تمثلها المجموعة الخماسية ومن ضمنها فرنسا.

 

تزامنت زيارة لودريان مع نشر النص النهائي للتقرير الدوري حول القرار 1701 الذي أقر الاسبوع الفائت [في 21 تشرين الثاني\نوفمبر الجاري وتأخر نشره لغاية الأمس في سابقة غير مألوفة] في مجلس الامن الدولي في نيويورك وهو من توقيع أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، وفرنسا التي صاغت هذا القرار بعد حرب 2006 تريد تطبيقه لأنها شريكة به ولها مصلحة بالحفاظ عليه وصيانته وتدفع في هذا الاتجاه من دون أن يعني ذلك إعادة صياغة للقرار. لا تحمل فرنسا عبر لودريان أي سلّة للمقايضة كما يحلو للبنانيين التفكير. وينقل بعض من حضروا اجتماعات لودريان عنه قوله بأن اللبنانيين لديهم “خيال واسع أحيانا”. ينشغل الفرنسيون بضرورة انتخاب رأس للدولة وخصوصا على ابواب مفاوضات حيوية في المنطقة ستلي انتهاء حرب غزّة، وهم يرون أن لبنان لن يكون موجودا كدولة إذا كان بلا رأس، فلا رقم هاتف تتصل به الدول للتشاور مع لبنان في ظل فراغ رئاسي وحكومة محدودة الصلاحيات غير قادرة على اتخاذ قرارات ووسط تفاقم الوضع الامني وخصوصا جنوبا وملف نازحين متفجر يصعب حله بلا وجود رئيس وخطورة ماثلة بقوة من اهتزاز الاستقرار وضائقة اجتماعية واقتصادية شديدة الوطأة وشلل في وضع اية اصلاحات مطلوبة قيد التنفيذ. وبالتالي، إن فرنسا تقوم بمهمة التسهيل لإخراج لبنان من عنق الزجاجة لكن الأمر يتطلب أن يتحمّل اللبنانييون المسؤولية بأنفسهم وهي مهمة لا تريد فرنسا ولا دول الخماسية تحملها، بل يترتب على اللبنانيين ايجاد المخرج بعيدا من المماحكات الداخلية لأن لبنان بلد ذات سيادة وطالما شكل واحة للديموقراطية.

هذه المتاهة لن تؤدي الى طريق واضحة طالما يوجد من اللبنانيين من يتخيل بأن مجيء المغتربين صيفا عالج الازمة الاقتصادية والمالية بينما نزيف الادمغة متواصل، والمخاطر الأمنية متفاقمة.

لا يعثر الفرنسيون على مبررات لهذا الانسداد المهيمن، ونقل بعض من التقوا لودريان أنه عبّر دوما عن ذهوله من قدرات اللبنانيين على العمل في لبنان والخارج بينما توجد استحالة جماعية لوضع دينامية للخروج من المأزق الرئاسي وخصوصا وأن الوقت يلعب ضدّ لبنان لا معه. نقل لودريان 3 رئاسل اساسية: رسالة ضبط نفس في ما يخص الجبهة الجنوبية وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نقل رسالة واضحة بهذا المعنى للجانب الاسرائيلي، رسالة تحمل مسؤولية في ما يخص التمديد لقائد الجيش. فولاية قائد الجيش الحالي تنتهي في 10 كانون الاول\ديسمبر الجاري، وعادة ما يختار رئيس الجمهورية قائد الجيش، وفي ظل تعثر الأمر بسبب الفراغ الرئاسي ونظرا لوجود لبنان في وضع نزاع [الجبهة الجنوبية] ولأنه توجد سوابق مماثلة فمن الضروري التمديد لقائد الجيش للحفاظ على الأمن، فلا يمكن بنظر الفرنسيين تخيل بلد بلا رئيس للجمهورية وبلا قائد للجيش، مع الاخذ بالاعتبار بأن فرنسا تنظر الى هذه المسألة على أنها تخص أمنها الذاتي نظرا لوجود قواتها في عداد قوات “اليونيفيل”.

اما الرسالة الثالثة فتتمثل بأنه لا يجب الدفع بالأزمة قدما وضرورة انتخاب رئيس لأن الوقت يلعب ضد لبنان وثمة ضرورة عاجلة للتصرف، وهذه الرسائل لا تخص فرنسا لوحدها بل هي محصلة لقاءات في الدوحة والرياض ومع أعضاء الخماسية الذين شاركهم لودريان بفطور وعشاء في قصر الصنوبر في بيروت وكان الانسجام تاما بحسب أوساط مطلعة.