IMLebanon

لودريان وزيراً… لودريان موفداً رئاسياً: فما الذي تغيّر؟

 

خلال جولتها على المسؤولين اللبنانيين، أعلنت سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو أنّ زيارة الموفد الفرنسي الوزير جان ايف لودريان للبنان ستكون في القريب العاجل، من دون أن تحدد موعداً، لكن فهم أنّ الموعد المبدئي سيكون بعد انعقاد جلسة انتخاب الرئيس غداً الأربعاء، كي تكون الجلسة أخضعت بتطوراتها لتقييم الموفد الفرنسي. وفي معلومات مصادر ديبلوماسية أنّ لودريان سيكون الوسيط الذي سيحاول تقريب وجهات النظر بين الفريقين.

 

وإذا أضيف كلامها عن دور الوسيط إلى كلام سبق وأبلغته وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا إلى نظيرها اللبناني عبدالله بو حبيب على هامش لقائهما في الرياض من أنّه ليس لفرنسا أي مرشح رئاسي، فيمكن الإستنتاج أنّ الموفد الفرنسي لن يحمل معه أي صيغة سبق أن طرحها الفرنسيون، وحسب ما أبلغت غريو فإنّ زيارة لودريان تتوقف على نتيجة جلسة الإنتخاب غداً، وأنه لن يكون صاحب مبادرة معينة، وسيركز على انتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن وتحقيق وفاق من أجل الوصول إلى هذا الهدف، ما يؤشر إلى خروج فرنسا من نطاق المبادرة، ولكن كل ذلك يتوقف على نتائج جلسة الغد.

 

وليس لودريان طارئاً على ملف لبنان وهو الذي خبر تفاصيله عن قرب كوزير للخارجية. ففي السادس من أيار 2021 زار لودريان لبنان بهدف تحريك الجمود السياسي في البلاد. واستبق زيارته بتغريدة قال فيها إنّه يحمل رسالة «شديدة اللهجة» إلى المسؤولين السياسيين، وهدّد حينذاك باسم بلاده «بالتعامل بحزم مع الذين يعطّلون تشكيل الحكومة». زيارته آنذاك لم تحقق النجاح المرجو، كما تصريحات رئيسه ايمانويل ماكرون الصاخبة والغاضبة يوم هدد المسؤولين بالويل والثبور وعظائم الأمور.

 

يعود لودريان إلى لبنان موفداً لبلاده بعدما كلّفه ماكرون متابعة الملف اللبناني وهو الخبير فيه، وإن لم يستطع تحقيق أي اختراق يذكر على مستوى المعالجات المطلوبة. وشكّل تكليفه خطوة مفاجئة، فيما كان متابعو ملف لبنان في الإليزيه على كثرتهم يتوزعون الأدوار إلى حد التناقض، ويقومون من خلال علاقاتهم بجهات في لبنان بإعداد تقارير لم يكن لها الأثر الإيجابي على الملف اللبناني، وربما كانت سبباً في تضارب المواقف، وفي تعثر الوساطة الفرنسية في الملف الرئاسي.

 

ولا يمكن فهم تعيين لودريان إلا فشلاً للموفد الفرنسي السابق باتريك دوريل وفريق مدير المخابرات السفير السابق برنار ايمييه، واعلان فشل السياسة الخارجية الفرنسية التي لم تستطع أن تحقق منذ الإنفجار في الرابع من آب ولغاية اليوم أي خطوة تظهر قوتها الديبلوماسية، فلم تنجح دعوتها للحوار ولا في تشكيل حكومة، ولا نجحت في رأب الصدع بين الأطراف السياسيين، كما أنّها لم تساند لبنان في تحقيق الإصلاحات اللازمة بدءاً بالتحقيقات مع حاكم مصرف لبنان وإعادة أموال المودعين، وصولاً إلى إعداد برنامج متوازن مع صندوق النقد.

 

وفي ملف رئاسة الجمهورية أخفقت فرنسا، ما دفع بالبعض إلى الحديث «عن تعاملها مع اللبنانيين بذهنية المستعمر القديم»، وهي تبنّت ترشيح رئيس «المرده» سليمان فرنجية، وأعدت مبادرة عنوانها فرنجية للرئاسة ونواف سلام لرئاسة الحكومة، وكانت النتيجة فشل اللقاء الخماسي الذي عقد آخر اجتماعاته من دون حضورها.

 

وما الذي يستطيعه لودريان اليوم ولم يكن قادراً على تنفيذه يوم كان وزيراً للخارجية؟ في زيارته الأخيرة اكتفى بلقاء رئيسي الجمهورية ومجلس النواب ورفض الحديث إلى الطبقة السياسية أو اللقاء بها. وبين رسائل لودريان في 6 ايار 2021 وبين مهمته المنتظرة اليوم أي بعد عامين، ما الذي سيضيفه ولم يتمكن من فعله وزيراً للخارجية؟ هل هو انتقال من فشل إلى فشل وإن اختلفت الوضعية، خصوصاً أنّ زيارته تأتي في ظل المتغيرات التي شهدتها المنطقة والمعادلة الجديدة الايرانية السعودية، حيث لا حاجة إلى دور فرنسي أو وساطة بين دولتين، والعلاقات المستجدة بين سورية والسعودية نقلت ملف لبنان الى مكان آخر، اضافة إلى وصول المرشح فرنجية، على ما يبدو، إلى حائط مسدود، في ظل علاقة فرنسا المتوترة مع المسيحيين والتي أدت الى بناء جدار مع المعارضة المسيحية بكل مكوناتها. فما الذي يمكن للموفد الفرنسي أن يملكه أكثر من وساطة لحفظ ماء الوجه أو الاعتراف بسوء الادارة السابق والدخول بطريقة مختلفة؟ أما اذا حضر باللهجة القديمة نفسها فتكون فرنسا كأنها لم تفهم شروط اللعبة الداخلية وطبيعتها. هل تتلو ادارة ماكرون فعل الندامة على إخفاقها السابق وتعود إلى الثوابت مع اللبنانيين بدل أن تكون صدى للسياسة الأميركية، فتحل وسيطاً عادلاً يتوقف عن الضغط لتوطين النازحين السوريين في لبنان والمساعدة على تحقيق الإصلاحات اللازمة من خلال طبقة سياسية جديدة.

 

فرنسا التي استقبلت أمس الأول وفداً سعودياً يضم المسؤول عن ملف لبنان نزار العلولا والسفير السعودي وليد بخاري عادت لتدير مرحكاتها تجاه لبنان بصيغة جديدة وموفدين جدد لعلها تكون فرصتها الأخيرة في العودة إلى طبيعة دورها المرجو.