IMLebanon

لماذا يصدِّقون جوزاف عون ولا يصدِّقون جبران باسيل

 

 

من المفارقات اللبنانية أنّ اللبنانيين بلغوا درجة من النضج السياسي باتوا معها يصدِّقون الصامت ولا يُصدِّقون المُكثِر من الكلام. نحنُ أمام تجربتين: تجربة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وتجربة قائد الجيش العماد جوزاف عون. الأول لم يستطِع، حتى الآن، الدفاع عن نفسه. والثاني لا يريد، حتى الآن، الدفاع عن نفسه.

 

جبران باسيل لاحقته «لعنة» الصفقات منذ «هندس» التسوية الرئاسية مع مدير مكتب الرئيس سعد الحريري، نادر الحريري، في ليالي باريس على مدى شهر تشرين الأول 2016، وانتهى الشهر بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. منذ ذلك التاريخ بدأت مفاعيل التسوية: متعهدا الجمهورية جهاد العرب وداني خوري، بواخر الكهرباء، «مزاد» الترشيحات للإنتخابات النيابية والدخول إلى «جنَّة» الحكومات المتعاقبة، وأخيراً وليس آخراً، صفقات الفيول وعمولاتها.

 

جوزاف عون لاحقته «لعنة» لملمة الأوضاع من وراء السياسيين: «لملم» الفتنة التي كادت أن تندلع في قبرشمون، «لملم» الفتنة التي كادت أن تندلع في الطيونة. في المقابل، كان جبران باسيل يطالب بأن يتم «جلب» رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط، إلى التحقيق، على خلفية حادثة قبرشمون، وكان يطالب بأن يتم «جلب» رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع على خلفية حادثة الطيونة، وقد تم إبلاغه لصقاً على إحدى البوابات الخارجية في معراب.

 

في عز تفتيش قائد الجيش على «فلس الأرملة» لإطعام الجيش وتأمين الذخيرة وقطع العيار والطبابة وغيرها، كان جبران باسيل يُنهِك الجيش بجولاته الإنتخابية، وفي بعض الأحيان، وبسبب ما قيل عن اعتبارات أمنية، كان يُفصَل له أكثر من ألف عنصر من الجيش، في كل مرة يجول فيها في منطقة إنتخابية.

 

لم يثبت أنّ جوزاف عون تملَّك عقارات في العيشية، مسقط رأسه، كما تملَّك جبران باسيل عقارات في البترون، ليس لجوزاف عون منازل في البياضة والبترون واللقلوق وغيرها، كما لجبران باسيل. لم «يزرع» جوزاف عون مدراء عامين وموظفين عاديين في مصالح المياه والكازينو ومؤسسة كهرباء لبنان وشركتي الخلوي ووزارات الطاقة والاتصالات والخارجية ودوائر القصر الجمهوري، كما فعل جبران باسيل.

 

جوزاف عون كانت الحكومة والوزارات والإدارات تطلب منه أن يضع الجيش يده على ما عبث به السياسيون. مَن يتذكَّر هبات الطحين من العراق، التي وُضِعَت في المدينة الرياضية وأُتلف بعضها بسبب الرطوبة والعفونة والإهمال؟ المساعدات التي وصلت إلى لبنان بعد تفجير المرفأ، كان شرط الدول التي أرسلتها أن يتسلمها الجيش لا الوزارات والإدارات المدنية، وكان العهد عهد العماد ميشال عون، والوزارات المعنية والإدارات المعنية لباسيل تأثير عليها، ألم يسأل أحد لماذا لم تثق الجِهات المانحة سوى بمؤسسة الجيش؟ جوزاف عون لم توضَع عليه العقوبات بموجب قانون «ماغنتسكي»، كما وُضِعَت العقوبات بموجب القانون نفسه على جبران باسيل، بل تلقى تنويهاً من قطر على الطريقة التي وزَّع فيها المساعدات النقدية من دولة قطر.

 

هذا غيضٌ من فيض، لكن المشكلة أن جوزاف عون لا يرد ولا يدافع عن نفسه، وهذا خطأ، فيما جبران باسيل يواصل التهجم عليه من دون أن يقدِّم أي دليل على تهجماته.

 

وعلى سيرة تلقي الأموال، هل أخبر العماد ميشال عون صهره جبران باسيل كيف كان يتسلَّم أموال الدعم عبر حقيبةٍ تحوي نصف مليون دولار شهرياً، من الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكان يحملها إليه العميد ر.م.؟ هل يعرف شيئاً عن الأموال التي كانت مودَعة في البنك اللبناني للتجارة؟ والتي نَشرت التحويلات في شأنها صحيفة Le Canard enchaîné الفرنسية؟

 

يقول العميد الركن المتقاعد فؤاد عون في كتابه «من ضيافة صدام إلى سجن المزة «: «كم مرة عدت من العراق وأنا أحمل شيكاً تفوق قيمته عدة ملايين من الدولارات، كنت فور وصولي إلى لبنان أسلمه إلى العماد ميشال عون». وفي مكان آخر يتحدث العميد فؤاد عون عن حمله «الشيكات لإيصالها إلى لبنان وتسليمها للعماد ميشال عون لدعم القضية التي «كنت أعمل وإياه لإنضاجها».

 

مقارنة بسيطة: أين كان جوزاف عون منذ ست سنوات، حين عُيِّن قائداً للجيش، وأين أصبح اليوم؟ كيف كانت حالته؟ وكيف هي اليوم؟

 

في المقابل: أين كان جبران باسيل حين دخل الشأن العام؟ وأين أصبح اليوم؟ كيف كانت حالته؟ وكيف هي اليوم؟

 

يقول وزير الدفاع العميد المتقاعد موريس سليم، إنه وزير سلطة ووزير الوصاية على المؤسسة العسكرية، ألا يدخل في «صلاحية وزير سلطة الوصاية» أن يرد التهجمات عن المؤسسة العسكرية وعن قيادة الجيش؟ أم أن «جبران بيمون، ويحق له ما لا يحق لغيره؟».