IMLebanon

قضاة وقضاء وقدر

 

يتعذر فهم واستيعاب ما يجري على صعيد القضاء وداخل الجسم القضائي. بداية نحن لسنا ضد حملة تنقية  هذه السلطة التي تمادت فيها التجاوزات لدى قلّة ولكنها تلطّخ الأكثرية! فالقاضي ليس فوق الشبهات وإن كان يفترض به ذلك.

 

من هنا نحن لا نعترض على السعي لتطهير الجسم القضائي من أدران عالقة فيه، ولكننا لا نوافق على الأسلوب التشهيري المعتمد، أو بعضه على الأقل.

 

رئيس مجلس شورى الدولة القاضي الرئيس هنري خوري الذي أُحيل على التقاعد في شهر شباط الماضي واجه المسألة ولم يتهرب منها. ولكنه تصرّف بحكمة وروية وبعيداً عن الأضواء الخادعة التي يسعى إليها كثيرون. فقد اتخذ قرارات بكف أيدي ثلاثة قضاة «ولا مين شاف ولا مين دري».

 

سقنا مَثَل الرئيس هنري خوري لنؤكد على أنّ العملية الإصلاحية يمكن أن تتم بهدوء من دون الإساءة الى هذه السلطة التي هي منزهة (مبدئياً) في جميع بلدان العالم، بما فيه لبنان، وإن كانت هناك شواذات حتى في أرقى بلدان العالم الأوّل.

 

نكرر إننا لا ندافع عن الخطأ ولا نقول بعدم محاسبة المرتكبين، إلاّ أننا نعارض بشدّة هذه الحملة، متعددة الأهداف والأبعاد والغايات والخلفيات التي تصوّر الجسم القضائي وكأنّه غارق في الفساد والخلافات.

 

كلنا نعرف التأخير في بت القضايا… ومن منّا التجأ الى القضاء ولم يواجه مماطلة غير معقولة أو مقبولة؟ هل نعطي الأمثلة على ما نقول؟ هل نذكر حكاية ذلك الكتاب الكريم التاريخي بل الأثري، الذي أخذه أحد «النصابين» ليهبه الى قيادي خليجي بارز ويعود ببدل كبير؟ … مرّت الأيام والأسابيع والأشهر من دون أن يفي «النصاب» بوعده… فاضطر  صاحب الكتاب الكريم الأثري المهم جداً أن يدّعي أمام القضاء وأسند دعواه بشهادات تحت القسم لافتة  أدلى  بها أمام المحقق ثم أمام قوس المحكمة مدير عام في الدولة، ومدير عام شركة طيران دولية، وسياسي بيروتي. ومرّ نحو ثلاثة عقود… والدعوى اختفت والكتاب الكريم تبخر من دون أن يصدر أي حكم علماً أن سارق الكتاب الذي لم يعترف أمام القضاء كان قد اعترف أمام الشهود!

 

ولدينا أمثلة كثيرة… كما لدى العديد من القراء. ومع ذلك فإننا ندعو الى التعامل مع القضاء بما يحفظ كرامته ويصون هيبته… وخصوصاً بما ينقيه من الشوائب وينظفه من الأدران… ولكن من دون هذه البلبلة  وهذا «الموسم» المفتوح على الفضائح وعلى استباحة كل شيء والتعرض لكل إنسان ولكل مسؤول ولكل صاحب موقع ومقام.

 

وتحية الى القضاة الشرفاء الأحرار الذين لا يتأثرون بالحساسيات والطائفيات والمذهبيات والأنساب والمصالح الذاتية، ويحكّمون ضميرهم ويطبّقون عدالة القانون والوجدان…

 

ويجب الاعتراف بأنّ هؤلاء ليسوا قلّة، إنما هم كثرة.

 

واذا كان صحيحاً أن لدينا قضاةً  مهمين وليس لدينا قضاء مهم، فيجب أن يكون لدينا، بالأصح سلطة قضائية كاملة الأوصاف. وقد لا نذهب بعيداً إذا طالبنا بتعزيز أوضاع القاضي الماديّة كي لا تجذبه المغريات فيقع في المحظور… وإن كنّا واثقين بأن أصحاب المناعة هم الغالبون.

 

وكلمة أخيرة: أيها السياسيون ارفعوا أيديكم عن القضاء.