IMLebanon

عدم توقيع مرسوم التشكيلات القضائية مخالفة دستورية

 

 

منذ فجر التاريخ، ومنذ أن بدأت الخليقة تتعامل بشأن قضاياها الاجتماعية والمعيشية والإدارية بدأت فكرة استشارة أصحاب الرأي.

 

حتى أنّ الأنبياء من لدن النبي نوح، وصولاً الى النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا يأخذون بآراء أصحاب الرأي السديد، ومع بزوغ فجر الخلافة الراشدية، وصولاً الى السلطنة العثمانية، كان يؤخذ بالرأي الأصوب لمصلحة الشعب.

 

وكلنا نذكر ان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يستشير في كل أموره وأمور رعيته الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويأخذ برأيه مما فيه مصلحة الأمة.

 

حتى أصبحنا أمام الدولة المدنية العصرية، وبدأت الرئاسات والملكيات تبادر الى تعيين أو تكليف بعض المستشارين للأخذ برأيهم في قضايا الامة، الى أن فوجئنا في بلدنا الحبيب لبنان بآراء خنفشارية ما أنزل الله بها من سلطان.

 

إنّ هذه التوطئة كان لا بد منها في محاكاتنا، لمسألة التشكيلات القضائية وما خالطها من لغط كبير.

 

وبالرغم من أنّ التشكيلات القضائية قد صدرت بإجماع مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود ومدعي عام التمييز غسان عويدات ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد، بيد أنها لم توقّع حتى الساعة من قِبَل فخامة رئيس البلاد بسبب أنّ بعض المستشارين الجهابذة في فقه القانون، أشاروا على فخامته، أنّ بإمكانه عدم توقيعها وأنّ عدم التوقيع هو من صلاحياته الدستورية!

 

يبقى السؤال: لماذا لا يريد الرئيس التوقيع بكل بساطة، لأنّ طفل الأنبوب بحاجة الى مدعي عام في جبل لبنان يستطيع من خلاله تدبير أي ملف قضائي ضد أي شخصية أو زعيم سياسي يعارضه، وهذا ما حصل بالنسبة للفيول المغشوش طبعاً بقيادة القاضية غادة عون المنقولة من موقعها الى المحكمة العسكرية.

 

وهذا بالطبع في غير محله القانوني، وبالرغم من مناشداتنا كإعلاميين لأكثر من مرّة، فخامة الرئيس لتوقيعها، غير اننا لم نلق آذاناً صاغية حتى الآن.

 

حتى ان كبار رجال القانون والدستور كأمثال العلامة الدكتور حسن الرفاعي أشار الى أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية هنا هي صلاحية مقيّدة لا يجوز إطلاقاً ألاّ يوقعها، وإلاّ يكون قد خالف موجبات الوظيفة واستحق المحاكمة (المادة 60) والبروفسور ابراهيم نجار الذي أكد ان صلاحية وزير العدل ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير المال ووزير الدفاع هي صلاحية مقيّدة. أما الدكتور صلاح حنين الخبير الدستوري فقد أشار ان رئيس مجلس القضاء الأعلى يملك ثقة الناس.. فهل يمكن عدم إعطاء الثقة لمجلس القضاء الأعلى ولرئيسه المشهود له بأدائه الممتاز.

 

وعلى الصعيد السياسي فقد نادى اكثر من طرف سياسي بضرورة توقيع هذه التشكيلات وعلى رأسهم دولة الرئيس نبيه بري. حتى انّ الامر وصل الى رؤساء الطوائف الدينية حيث ناشد غبطة البطريرك بشارة الراعي في عظته يوم الاحد الفائت فخامة الرئيس، بضرورة إصدار التشكيلات القضائية كي يقوم القضاة بعملهم الدؤوب في مكافة الفساد المستشري في مفاصل الدولة… وهذا ما أكده متروبوليت بيروت المطران عودة في عظته أيضاً.

 

فخامة الرئيس: لا يمكن لأي زعيم في العالم أن يعطي شعبه الاذن الصمّاء «الدينة الطرشة لا تعطى لصاحب حق». والدستور هو الفيصل والحكم في قضايا الامة التي تخصّ الشعب، فمرسوم التشكيلات القضائية مرسوم جوّال ومن واجبك يا فخامة الرئيس أن توقعه بلا إبطاء، وأنه صدر وفاقاً للقانون وبإجماع مجلس القضاء، ولا يأخذك تصرف وزيرة العدل بتفكيكه الى جزئين، وتصرف وزيرة الدفاع بافتراقه بإثنين كي لا توقع؟!

 

فخامة الرئيس، وفاقاً للدستور اللبناني فإنّ رئيس البلاد هو المسؤول عن حسن تطبيق القانون، وهو يُساءل في حالتين: الاولى الخيانة العظمى والثانية خرق الدستور، فلا تجعل من قضية التشكيلات القضائية وسيلة تفسح في المجال بخرق الدستور بناء لوشوشات لا تسمن ولا تغني من جوع.

 

فعندما يكون المستشار… لا يفقه أبعاد آرائه!!!

 

فقد خاب من استشار.