IMLebanon

«حرب تمّوز» من خلف قضبان المعتقل السياسي (1/3)

«حرب تمّوز» من خلف قضبان المعتقل السياسي (1/3)

عندما توقّع جميل السيّد اعتداءات إسرائيليّة.. وأزمة طويلة

بعد أيّام قليلة على اعتقال المدير العام السّابق للأمن العام اللواء جميل السيّد، نُقل والضبّاط الثلاثة (مصطفى حمدان وريمون عازار وعلي الحاج) إلى «مبنى الأحداث» في سجن رومية.

منذ الدقيقة الأولى، حاول السيّد فرض إيقاعه على الجميع، ليقول ربّما: ما زلتُ «اللواء».. لو بين أربعة حيطان.

حينها، اصطفّ ثلاثة ضبّاط و37 عسكريّاً (الموكلة إليهم مهمّة حراستهم من قبل فرع المعلومات) على يمين ويسار الممرّ المؤدّي إلى الزنازين الانفراديّة. قَلَب السيّد «بروتوكول الاستقبال» وتوجّه إلى سجانيه حينما وصل إلى منتصف الممرّ بـ «كلمةٍ للمناسبة»، تماماً كما لو كانت النّجوم والسيوف ما زالت تعلو بدلته العسكريّة.

قطع السيّد الطريق أمام كلّ هؤلاء حينما قال: «أنا جميل السيّد. البعض منكم يعرفني بالاسم والبعض الآخر بالصورة. تُهمَتي أنني قاتل (الرئيس رفيق) الحريري. أنتم أحرار بأن تفكّروا بأنني قتلتُهُ، فلا مشكلة لديّ أبداً، كما أنتم أحرار بأن تفكّروا إن كنت بريئاً، وأيضاً ليست لديّ مشكلة في ذلك. فإذا كنت أنا القاتل عليكم أن تخافوا منّي وتحسبوا لي حساباً، وإذا أنا بريء فخافوا مني واحسبوا حسابي أكثر، لكنّ الذي يتعاطى معي «نص نص» حسابه عسير معي. أنا إمّا مجرم أو بريء بس مش نصّ نصّ. أخبروا ذلك لزملائكم الذين سيأتون معكم حتى لا يخطئوا معي».

بالنسبة لكثيرين كانت هذه «معادلة الرّعب» التي حاولها «النزيل الجديد» لسجن رومية أن يفرضها. أمّا بالنسبة للسيّد نفسه، فكانت الخطوط الأولى لحفظ كرامته «وردعهم عن أي تطاول».

الرّجل الذي كان يهزّ الدولة بيمينه، حاول أن يتعايش مع الوضع الجديد: الاعتقال. ويبني لنفسه عالماً. ربّما استفاد من قراءاته للكاتب والمؤرخ الفرنسي ماكس غاللو عن مذكّرات القادة والزعماء الفرنسيين. الفرق شاسعٌ بين نابليون بونابرت، الذي خسر الحرب، وجميل السيّد الذي اعتُقل، ومع ذلك كاد أن يعيش «اللواء» كالإمبراطور الفرنسي عندما تمّ نفيه إلى جزيرة سانت هيلين. حينها، نادى نابليون لمرافقه الأقرب ونظّم برنامج يوميّاته المثقل بالقراءة والكتابة، طالباً منه التقيّد بنظام معيّن للحياة هنا». فقال المرافق: «نحن لم نعُد في قصر فرساي إمبراطور»، ليجيبه بونابرت: «إن لم أتصرّف هنا كإمبراطور، فلن يذكرني التاريخ كإمبراطور».

«بصمة ماكس غاللو» ظهرت واضحة خلال الاتصال بين زوجة السيّد، سوسن، وبين المدير العام لقوى الأمن الدّاخلي آنذاك اللواء أشرف ريفي. قال الأخير: «مشكلة جميل السيّد أنّه ما زال يظنّ أنّه المدير العام للأمن العام»، لتردّ زوجته قائلةً: «مشكلته أنّه جميل السيّد»!

وعلى برنامج الامبراطور الفرنسي، سار «الجنرال». وصار يعوّض عن الفراغ بقراءات وكتابات. وصار لابن مدارس الراهبات والرهبان، دراسة مقارنة بين الكتب السماوية الثلاث، وقراءة بمعدلّ كتابين أسبوعياً في تاريخ العالم منذ ما قبل اليونان، من دون أن تغيب السياسة عن يومياته.

كان السيّد يستغلّ أيّ لقاء مع زائريه: زوجته وأولاده وشقيقه الطبيب المعالج فؤاد ومحاميه أكرم عازوري، ليعرف ماذا يحصل في الخارج. متابعة الأوضاع السياسيّة عن كثب كانت أبرز اهتماماته. هوايته عن كلّ ما عداها، هو الذي عمل لأعوام طويلة في المديريّة التي تعنى في تحليل المعلومات بعد جمعها من أن يترك الكتب التاريخية، حاول نقل الهواية إلى خلف القضبان. لم يتغيّر شيء، بل ازدادت ساعات القراءة، والصفاء الذهنيّ للتحليل بشكلٍ أكبر. الفرق أنّ هذه التحليلات لم تعد لمصلحة الدولة والحكومة أو حتّى الرئيس إميل لحّود، وإنّما كنت لنفسه ويدرجها في مذكرّات يوميّة للتاريخ.. وربّما بعضها الآخر إلى حيث محور الحدث، المقاومة وسيّدها.

.. وصار السيّد يكتب فيها كلّ ما يصل إلى أذنيه من معطيات سياسيّة. فكان أن توقّع في مذكّراته إمكانية شنّ إسرائيل حرباً على لبنان في 11 حزيران 2006، أي قبل وقوع حرب تموز بشهر، «بالتناغم مع بعض قوى 14 آذار». ونعى الحوار الوطني الذي كان منعقداً في حينه، قائلاً: «البلد مخترق، إسرائيل على الخطّ ومعادلتها في لبنان هي إمّا القرار 1559 وتجريد سلاح المقاومة وإمّا الفوضى».

كما استدرك «اللواء» أنّ الحرب ستطول. لم تكن توقعاته عبارةً عن كلام في الهواء، بل هو الذي كان له اليد الطولى في إنجاز معادلة الـ2000، حينما عمل كمفاوض عسكريّ أساسي مع المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الاوسط آنذاك تيري رود لارسن خلال الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان. وكان السيّد هو صاحب المعادلة: «أزرق بأزرق وشبعا بشبعا»، بما فيها طرح معادلة نشر القوّة المشتركة من الأمن الدّاخلي ومخابرات الجيش واتباعها لوزارة الداخليّة داخل المناطق التي انسحبت منها إسرائيل، بما يطمئن أهالي الجنوب من جهة ولا يعطي فرصة لإسرائيل بتقييد المقاومة من جهة أخرى.

إعداد لينا فخر الدين

^ الأحد 11 حزيران: 2006 (شهر قبل الحرب)

المشكلة (السياسيّة والدستوريّة) حالياً في لبنان أنّه لا وسيط يفرض الحلول، وهذه عادة دائمة، الحلول يفرضها الخارج. الخطورة في ميثاق الشرف (لاحتواء التوتر الطائفي الذي توافقت عليه الأقطاب السياسيّة التي اجتمعت في جلسة مؤتمر الحوار الوطني رقم 8 في 9 حزيران 2006)، أنّه آخر خرطوشة قبل أن تنتقل الأمور إلى الأرض. إذا فرط ميثاق الشرف يعني إفلاس المتحاورين والأرض ستحكم بعدها عند أوّل حادث أو شرارة إعلاميّة. والبلد مخترق وإسرائيل على الخطّ والجميع يتجاهلون قدرتها داخل لبنان. إمّا القرار 1559 وسلاح المقاومة والجنوب، وإمّا الفوضى، هذه هي المعادلة الإسرائيليّة (المطلوبة من لبنان). الفوضى بمعنى الحرب الأهليّة. الضابط الوحيد للأمن هو السّلوك الفرنسيّ – الأميركيّ الذي يرى في تخريب الوضع في لبنان فتحاً لباب المفاجآت على مصراعيه. لكن هل هم قادرون على تطويق اللعبة الإسرائيليّة الميدانيّة والتفاعلات الغرائزيّة الداخليّة. بالتأكيد كلّا. أميركا وفرنسا وبعض 14 شباط مع المهلة في لبنان ومع مطّ الحوار (مع حزب الله) على وتيرة التطوّرات الإقليميّة. بعض 14 شباط يعتبرون مطّ الحوار مخاطرة كبيرة على مشروعهم، وبالتالي يريدون استعجال الحلول واستعجال التدخّل الأجنبي المباشر في لبنان أو استعجال إسقاط سوريا بحيث يسهل تسريع وضع اليد في لبنان وسير المشروع الجديد (أي القضاء على المقاومة وتنفيذ الـ1559).

بالمقابل، 8 آذار يريدون تأجيل الاستحقاقات قدر الإمكان ويريدون الهروب من شبح الحرب الأهليّة الذي يتزايد ظروفاً وتفاصيل يوماً بعد يوم. هذا يضغط للتعجيل وذلك يناور للتأجيل. والوقت الميّت يزيد ظروف الانفجار في البلد.

^ السبت 1 تمّوز 2006: (أسبوعان قبل الحرب)

إسرائيل تحاصر غزّة بسبب الأسير (جلعاد شاليط الذي نجحت العمليّات الفلسطينيّة في أسره وشنّت إسرائيل إثرها عمليّة بريّة على غزة سميت بعمليّة أمطار الصيف التي بدأت في 28 حزيران 2006). العراق انفجارات دمويّة (كان معدّل الشهداء في العراق حوالي الـ100 كلّ يوم خلال شهري أيّار وحزيران 2006).

إيران ترفض الإجابة عن سلّة الحوافز الأوروبيّة للتخصيب قبل الشهرين القادمين. أميركا تدعم إسرائيل على العمياني. والعالم العربي حكاماً وشعوباً صامت كأن على رأسه طير. فقط بعض الضجّة المصطنعة في لبنان لتغطية السموات بالقباوات (أي استنكار 14 آذار لحصار غزّة). كيف تستنكرون همجيّة إسرائيليّة (في حصار غزّة) تدعمها استراتيجيّة أميركيّة تنتمون إليها؟ هل أميركا مستعدّة لعدم «فيتو» في مجلس الأمن إذا اعتدت إسرائيل على لبنان؟ (السفير الأميركي ستيوارت) جونز و(السفير الأميركي في الأمم المتحدة جون) بولتون يقولان: حل الأسير (جلعاد شاليط) في سوريا.

^ الأربعاء 12 تمّوز (اليوم الأوّل لحرب تمّوز)

قامت المقاومة بعمليّة في القطاع الغربي على «الخطّ الأزرق» وأسرت جنديين وقُتِل ثمانية عسكريين في الاشتباك. هذه المرّة الأولى منذ الانسحاب (2000) تقوم فيها المقاومة بعمليّة على الخطّ الأزرق. الخطر ليس من ردّ الفعل الإسرائيليّ، الخطر من التناغم الدّاخلي من قبل 14 آذار مع ردّ الفعل الإسرائيليّ يعني إسرائيل تضرب ضربات محدّدة والآخرون يلومون التفرّد ويندبون موسم السياحة، وبالتالي الضجّة من الداخل هي المطلوبة والجوقة جاهزة من فريق 14 آذار.

^ الخميس 13 تمّوز

أجواء التوتّر مرتبطة بأسر الإسرائيليين وردّة فعل إسرائيل. وحسب ما أخبرني (شقيقي وطبيبي الخاص) فؤاد صباحاً، اجتمعت الحكومة اللبنانيّة مساءً (أمس) وقالت إنّها لم تعرف ولا تتبنى العملية.

صيغة غبيّة و.. مطلوبة من الخارج لاختبار التناقض اللبنانيّ، وقد قدّموه على صينيّة من فضّة وستراهن إسرائيل على هذا الموقف لضرب ضربات موجعة لتعزيز التناقض والبكاء على موسم السياحة والشكوى من التفرّد والمخاطرة بالبلد والمغامرة، وسوريا وإيران و «حماس» وفولكلور طويل عريض.

وجرى قصف المدارج أيضاً وتعطيل المطار صباحاً. وهذا دليل على أنّه لو كان موقف الحكومة جامداً لما صار تجرؤ أكبر. وبمقدار ما يُبرزون التناقض السياسيّ بمقدار ما سيطمع الإسرائيلي. في السابق كانت التناقضات نفسها موجودة، لكنّ السوريّ كان ضاغطاً عليها.

اجتمعت الحكومة قبل الظهر على ما يبدو. المواقف معروفة لدى كلّ طرف ولكنّ كلّه تَخابُث بين الأطراف.

بالأمس طلبت الحكومة اللبنانيّة عقد جلسة لمجلس الأمن، يعني باختصار سيتلقّف مجلس الأمن الموضوع ليسرّع تنفيذ القرار 1559، وبدل المبادلة بالأسرى يصبح التدخّل الدولي لتطبيق 1559 بالأداة العسكريّة الإسرائيليّة في ظلّ العجز الدّاخلي (عن تنفيذ هذا القرار من قبل فريق 14 آذار).

^ الجمعة 14 تمّوز

الوضع متأزّم في البلد وأسمع أصوات التحليق والانفجارات من وقتٍ لآخر. خلدتُ للنوم في العاشرة والنصف مع التفكير بمسار الأمور، ضغط عسكريّ إسرائيليّ، عزل مناطق المقاومة، ضرب الجسور ومحيط الضاحية، رسم خطوط نار حولها، ضرب أهداف فرعيّة للمقاومة في مختلف المناطق، ضرب المطارات وبعض المرافق لتعطيل الحركة السياحيّة لتأليب الداخل اللبنانيّ على بعضه، توسيع رقعة الردّ إلى سوريا في حال ضربت المقاومة في العمق في حيفا وغيرها، في ظلّ احتجاج دوليّ تعبيري تجاه إسرائيل وليس أكثر، مع تفهّم حقّها بالردّ.

عمليّة المقاومة كانت في القطاع الغربي داخل الخطّ الأزرق وليس في شبعا. قواعد اللعبة (المطبقة على الخطّ الأزرق منذ انسحاب إسرائيل حسب الاتفاق غير المكتوب في العام 2000) جرى خرقها بوضوح كون حصريّة العمليّات (المقاومة وردود الفعل الإسرائيليّة) كانت في شبعا.

الفرق بين اليوم والعام 1996 و1993 وغيرهما (من الاعتداءات السّابقة)، أنّ التآمر السياسيّ على المقاومة كان في السّابق بالنوايا نظراً للمعطيات السياسيّة في حينه. أمّا الآن، فالتآمر قولاً وفعلاً ولا أحد يخجل من ذلك. استقواء بالمشروع الأميركيّ في المنطقة فيما هو مشروع يتخبّط بالوحول في العراق وأفغانستان. الحكّام العرب الذين يسيرون بركاب الأميركيين على كفّ عفريت ويحكمون شعوبهم بالمخابرات. هذا هو الواقع.

اليوم (اجتماع) مجلس الأمن ومجلس الوزراء. أساساً الذهاب إلى مجلس الأمن سوء نيّة لأنّ مجلس الأمن محكوم من قبل العدوّ الذي يعتدي عليك. إذاً سيضع مجلس الأمن في أحسن الحالات شروط إسرائيل وشروط القرار 1559. وطالما أنّ 14 آذار عاجزون عن تطبيقها فلتستمرّ الضربة حتى تركيع المقاومة.

^ السبت 15 تموز

بعدما كانت قيامة القصف قائمة طيلة بعد الظهر وحتّى الليل ثمّ هدأت بعد العاشرة بشكلٍ شبه كامل. لم أعرف السبب وخمّنت أن الموضوع إمّا تسوية أو تطوّر ما. «حزب الله» استطاع تدمير بارجة حربيّة مقابل منطقة الروشة على عمق 10 أميال داخل البحر حوالي 16 كلم. فأعلّق بأنّ قسماً من اللبنانيين قد أُصيب مع البارجة الإسرائيليّة. هذا تطوّر نوعي وخطير لكن يحسب الإسرائيليّون حسابه.

يبدو أنّها معركة طويلة المدى طالما أنّ مجلس الأمن ليل أمس تعمّد عدم الدّعوة إلى وقف لإطلاق النّار وبمعنى آخر، إعطاء إسرائيل فرصة استكمال تدجين الوضع اللبناني بالقوّة والنّار، بحيث يكون هذا الوضع المدجّن تمهيداً لثمن سياسيّ مقابل وقف النّار وأهمّه تطبيق الجزء المتعلّق بالمقاومة وتجريدها ونشر الجيش الوارد في القرار 1559 والذي عجز اللبنانيون (فريق 14 آذار) عن تنفيذه بأنفسهم خلال سنة عبر التكاذب والخبث في الحوار الوطنيّ. بمعنى آخر، الذراع الإسرائيليّة هي الأداة لتنفيذ الجزء المتبقّي من القرار 1559، وهذا يؤاتي جماعة 14 آذار بالطبع.

قضيّة البارجة والتلويح بقصف حيفا ومفاجآت أخرى ستخلّف حصانة ضدّ قصف بيروت والضاحية من الآن وصاعداً. المندوب الإسرائيليّ استشهد بكلام الوزيرين «الأحرار» مروان حمادة والياس عطالله. وهذا الأخير ردّ احتماء، أنّه ناضل ضدّ إسرائيل فيما لم نسمع بحياتنا به (في مجال المقاومة). لكنّ دائماً العملاء يُستَعمَلون ورقة محروقة عند أسيادهم. هذا هو التّاريخ. قد يجيب أحدهم أنّه لو كان عميلاً لما عرّضوه ولكانوا ستروا عليه. والجواب، العملاء يُضَحَّى بهم برخص عندما تطرأ مصلحة لأسيادهم.

إسرائيل تحظى بغطاء أميركي وأوروبي، الهدف تجريد المقاومة بنشر الجيش وتطبيق الـ1559 وعضّ أصابع. لا يمكن تنفيذ الـ1559 بالذراع الإسرائيليّة. الكلّ يتكاذب.

^ الأحد 16 تمّوز:

قصفت إسرائيل مرافئ: طرابلس، البترون، جونيه، بيروت. واستكملت القصف بالضاحية. المنطق السياسيّ لفريق 14 آذار: قرار الحرب والسلم يجب أن يكون في يد الدّولة، وليس بقرار فريق. نعم ولكن ضرورة وجود مقاومة طالما الوضع الإقليميّ غير مستقرّ ولا يمكن أن يستقرّ في لبنان مع 400 ألف لاجئ فلسطيني يجب أن يعودوا إلى ديارهم. ويتكلّمون عن نشر الجيش، ولا يعلمون أنّه غير مسموح للجيش بشراء رشاش ثقيل، سوى أسلحة خفيفة ومتوسّطة مطلوب منها قمع النّاس وليس مواجهة إسرائيل.

الليلة كانت حامية في الضاحية وتوابعها وفي الجنوب، صباحاً بعد الفجر ازداد الوضع احتداماً. اليوم قمّة الثمانية في بيترسبورغ في روسيا ممّا يعني أن الأطراف هنا ستصعّد ليُسمع صوتها في ظلّ اعتراض أميركي على وقف النّار للسماح لإسرائيل بتدجين المقاومة وتلبية الشروط الإسرائيليّة: نزع السّلاح وانتشار الجيش وتسليم الأسرى وبسط سلطة الدّولة. هذه هي اللّعبة كلّها. الأمين العام للأمم المتّحدة سيرسل بعثة اليوم للتفاوض وبالتالي هذا سيزيد من حدّة التصعيد إلى ما لا نهاية أيضاً، سيكون التصعيد كبيراً في هذين اليومين.

أرسلتُ لـ (..) أنّه لا يمكن تنفيذ القرار 1559 بالذراع الإسرائيليّ ولا يمكن لطرف لبنانيّ أن يجرؤ على استثمار النصر الإسرائيليّ للإجهاز على المقاومة. إسرائيل دمّرت لبنان لتنفّذ الجزء المتبقّي لها من القرار 1559، ألم تكن إسرائيل مستعدّة لقتل (الرئيس رفيق) الحريري لإخراج سوريا من لبنان وتركيب سياسة تبني عليها آمالها؟ هل ما يجري في هذه الأيّام أقلّ إجراماً من اغتيال الحريري؟ تدمير لبنان. لكن من يجرؤ على اتّهام إسرائيل بأنّها لعبت كلّ هذه اللعبة الشيطانيّة لقلب الأوضاع في لبنان لحساب مصلحتها منذ قتل الحريري إلى الاغتيالات الأخرى، إلى هذه الحرب اليوم. المعادلة هي نفسها في لبنان، وهي نفسها في العراق وفلسطين: القويّ لا يستطيع أن يربح بسهولة والضعيف لا يريد أن يخسر بسهولة وبينهما وقت يمرّ وخراب يسود. أميركا، كما إسرائيل، تريدان، كما الغرب، الرغبة بتغيير الشرق الأوسط. التغيير ثلثه إزالة القديم وثلثاه بناء الجديد. يملكون القوّة لإزالة القديم ولا يملكون الرغبة لبناء الجديد. نحن ندمّر لكَ القديم وأنتَ عليك أن تبني الجديد على حسابك وحساب شعبك، وإن لم تستطع فتلك مشكلتك. هذا هو المنطق، تدمير بيتك القديم الذي لا يعجبهم، وعجزهم عن بناء الجديد، فتصبح بلا سقف.

^ الإثنين 17 تمّوز:

أصوات الانفجارات ليلاً ثمّ فجراً على الضاحية الجنوبيّة. يحضر مالك ثمّ فؤاد صباحاً يخبراني عن قصف حيفا وعكّا والناصرة وغيرها بعمق من الـ30 إلى 60 كلم بما فيها طبريّا.

لجنة الأمم المتّحدة قدمت أمس ومعها (تيري رود) لارسن. بالطبع يعرضون وقف إطلاق النّار وفقاً للشروط الإسرائيليّة. مَن يستطيع في لبنان أن يستثمر العمل العسكريّ الإسرائيليّ ضدّ المقاومة؟ هذه هي حال (رئیس جمهورية أفغانستان الإسلامية حامد) قرضاي في أفغانستان والمالكي في العراق ومحمود عباس في فلسطين وحكومة (الرئيس فؤاد) السنيورة في لبنان. أميركا تضرب المقاومة وتقول للمتعاونين معها، قمتُ بواجبي قوموا بواجبكم.

يحتمون في مناطق خضراء وجزر أمنيّة وطائرات وبوارج ويدفعون أبناء البلد للقتال الدّاخلي والتذابح إلى ما لا نهاية ودون أي أفق: كابول، بغداد، غزّة، بيروت والخطّة نفسها متشابهة.

كلّ دول الغرب تريد الحلّ لمصلحة إسرائيل: ردّ الأسرى، نشر الجيش، تجريد المقاومة وبعض طروحات قوّة دوليّة رادعة لن تقبل بها إسرائيل. ما لا تقبله إسرائيل يرفضه العالم. وما ترغبه إسرائيل تفرضه على العالم. هذه هي المعادلة. المقاومة تريد فقط تبادل الأسرى دون تغيير المعادلة (معادلة الـ2000).

الحكومة اللبنانيّة (السنيورة وفريقه) تريد استكمال القرار 1559 ويُحرجها مرحلياً أنّ طلبها يتلاقى 100% مع الرغبة الإسرائيليّة. لذلك، فهي حكومة بين نارين، نار رغبتها ونار الخوف من الدّاخل. أتصوّر حلاً كما يلي: الخطّ الأزرق يُطبَّق عليه 1559 كاملاً مع تبادل الأسرى خلال الفترة نفسها. تبقى معادلة شبعا مع تأكيد الفعل وردّ الفعل في تلك البقعة. انضباط 100% بين الطّرفين على الخطّ الأزرق. ومعادلة شبعا تبقى.

على كلّ حال، التواصل (من قبلي) مع الخارج مفقود في هذه الفترة ولا أدّعي أنّ لديّ كلّ المعطيات، لكنني أدّعي أنني أعرف مصالح جميع الأطراف دون استثناء. العرب وكثيرون يرون أنّ المقاومة أخطأت في التوقيت والتقدير. هل هذا صحيح أم أنّ وراء الظّاهر ما هو أبعد بكثير من حدود لبنان؟ الله وحده يعلم وكلّها تكهنات.

^ الأربعاء 19 تموز:

اليوم الثامن للحرب، أرسلت رسالة معنويات لـ(..) مساءً وفيها نظرتي للأمور لجهة الاستمرار في التصعيد. وكلّما امتدّت (الحرب) وبقيت المقاومة قادرة على إطلاق الصواريخ كلّما اعتُبِرت إسرائيل باتجاه الخسارة. بالطبع لا خسارة مطلقة ولا ربح مطلق، والخسارة والربح نسبيّان طالما لا توجد هزيمة محقّقة لأي من الطرفين. وبمقدار ما يزيد الصمود بمقدار ما يتقلّص استثمار إسرائيل.

^ الخميس 20 تموز:

اللجنة الدوليّة (لجنة التحقيق) غادرت إلى قبرص على ما يقولون.

القضاء اللبنانيّ لم يردّ حتى الآن بعد 30 يوماً على تقديم الطلب (إخلاء السبيل) إلى (القاضي) الياس عيد. القاضي المرتبط والمتورّط وصاحب المصلحة لا تقنعه الحجّة ولا يقنعه الحقّ، يقنعه ارتباطه أو تورطه أو مصلحته أو جُبنِه (القاضيان الياس عيد وسعيد ميرزا).

التوقيت الحالي لا يسمح بأية ردّة فعل على ظلمي سوى المحافظة على الكرامة. لكنْ لا يسمح بردّة فعل تجاه القضاء لأنّ اهتمام النّاس هو بالأحداث الكبرى الجارية. الحدث يحجب الحادث. لذلك ليس علينا سوى انتظار النتائج. كلّ ما وعد به الأميركيون والفرنسيون عن بناء وهميّ في لبنان (بعد الانسحاب السوري) تركوا لإسرائيل حريّة تدميره وأَجْلوا رعاياهم.

^ الجمعة 21 تموز:

الأوضاع القائمة رَمَت بدخانها على وضعي (الاعتقال)، وشلّت لجنة التحقيق بالتهجير إلى قبرص. إذن جمود في المحكمة والقضاء وجمود في السياسة والإعلام، ونحن محكومون بهذا الجمود إلى حين الحلحلة. بالطبع كون السياسة تطغى على كلّ شيء، فالقضاء يعتبر هزيمة حزب الله حصانة معنويّة له للاستمرار باعتقالنا لكونه يسير في ركاب حكومة 14 آذار، في حين إنْ انتصر حزب الله يجعلهم يعيدون حسابات الظلم ويتراجعون عن ترضية سياسة الحكومة. لا أحد يقوم بحسابات الحقّ، وكلّهم يقومون بحساباتهم الخاصّة. أين التهمة يا ميرزا ويا عيد؟ بل قبل ذلك أين التحقيق لنقول أين التهمة؟ أين شهودك وأدلّتك ووقائعك؟ هذا هو السؤال وليس أين هي السياسة. استعفِ إذا لم تستطع تسديد الحق، هكذا يكون القاضي، ليس أي قاضٍ.

^ السبت 22 تمّوز:

الصورة أصبحت واضحة، إسرائيل مكلّفة من أميركا بتمهيد عسكريّ للجزء الجنوبي من تطبيق القرار 1559 ولو كلّف ذلك تدمير لبنان لإعادة بنائه سياسياً بعد هزم المقاومة، وبالتالي فرض صيغة الحلّ بالقوة مع علمها بأنّ معظم العرب متواطئون معها لاعتقادهم بأنّ ضرب الحزب هو ضرب للمدّ الإيراني. والسؤال هل يمكن لأي صيغة أن تُهدئ الأمور إذا لم تشمل أقلّه على تحرير مزارع شبعا وعلى تبادل الأسرى؟

إذا أرادوا حلّاً دائماً والعودة إلى موضوع الهدنة لا بدّ لهم من توازي في الحلّ، وأتصوّره على الشكل التالي:

المرحلة الأولى فورياً: على الحدود بين إسرائيل ولبنان، يتمّ فيها من جهة التفاوض على تبادل الأسرى ومن جهة ثانية نشر الجيش على الحدود والتزام كامل بالخطّ الأزرق من الجانبين براً وبحراً وجواً (صيغة الـ2000).

المرحلة الثانية بعد إنجاز المرحلة الأولى: انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وحلول قوّة دوليّة مستقلّة مكانها، ترسيم بين لبنان وسوريا بإشراف الأمم المتّحدة، انتشار الجيش على خطّ الحدود الحالي خارج المزارع. المزارع منطقة مقفلة إلا للمالكين اللبنانيين لحين بتّ وضع الجولان، وممنوع على إسرائيل دخولها (هذا الحلّ الذي رفضه لارسن وإسرائيل في العام 2000).

المرحلة الثالثة: (إنجاز) الحوار الوطنيّ بالتزامن مع إنجاز المرحلتين الأولى والثانية. لا أتصوّر حلًا آخر ومعادلة غير هذه ممكن أن تعيش. (وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا) رايس تدّعي أنّه يجب تأجيل وقف النّار حتّى توفر ظروف لمعادلة جديدة تعجّل وقف النّار نهائياً وتخلق حالة في الجنوب غير قابلة للتكرار، لكن إذا اقتصرت هذه المعادلة على مصلحة إسرائيل فقط أي نشر الجيش وتجريد المقاومة من دون الأسرى والانسحاب من شبعا، فذاك يعني أنّ منطق الاستقرار المتشدّد والمزعوم أميركياً لن يعيش.

هذا عدا عن ضرورة وجود جواب عن مصير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لأنّ أساس التطوّرات هو المشكلة الفلسطينيّة، وأي سعي للتوطين، حتى المستتر، سيكون مشروع حرب حتّى لو كان اركان 14 آذار يقبلون ضمناً بالتوطين بشكلٍ مبطّن. لكنّ إذا لم يتمّ التصارح به وحسمه بوضوح فستكون تلك قنبلة مؤقتة على لبنان الداخلي. بمعنى نكون قد أَرَحنا إسرائيل في الجنوب بصيغة تقيّدنا ونكون بالوقت نفسه قد قبلنا في الداخل أعباء القنبلة الفلسطينيّة بكلّ أشكال وجودها الأمنيّ والسكانيّ والاجتماعي والتوطيني وغيره. مسألة شائكة جداً.

^ الأحد 23 تموز:

في العدليّة، يقول أحد القضاة (سعيد ميرزا) فلنؤجّل البتّ بحقّ جميل السيّد لنرى ماذا سيحصل في هذين اليومين بالتطورات بين إسرائيل والمقاومة.

رسالة لـ(..) ظهراً. تطمين وشرح للوضع والظروف السياسيّة لوقف النار وغيره. كلّما طالت (الحرب) كانت لمصلحتنا أوّلاً داخل إسرائيل، وثانياً الظروف الدوليّة، وثالثاً داخل لبنان.

^ الإثنين 24 تموز:

الوضع أصبح واضحاً. أميركا لا تريد وقفاً سريعاً لإطلاق النّار. تقول (كوندوليزا رايس) إنّه يجب أن يحصل هذا عند توافر الظروف لعدم العودة إلى الوضع السّابق. يعني تريد هزيمة الحزب. تقول إنّ ما جرى هو مخاض لشرق أوسط جديد. عقل إجرامي بارد. المغزى معروف: ضمّ لبنان على شاكلة العراق وأفغانستان وفلسطين. (رئيس جمهورية أفغانستان الإسلامية حامد) قرضاي السنيورة وقرضاي المالكي وقرضاي عباس وقرضاي قرضاي، حلفاء لأميركا على شعوبٍ تُذبح كلّ يوم في مخاض أميركي – إسرائيلي.

في بداية المواجهات، كانت العبارة المشتركة للحكومة والحكم: «منتحاسب بعدين». الوحدة الوطنيّة على مستوى النّاس والتضامن مقبول، لكنّ على مستوى السياسة، النوايا غير صادقة والتكاذب على أشدّه.

لم أتخيّل أنّ ميرزا وعيد يمكن أن يكونا جبانين إلى هذا الحدّ، بينما الحقيقة فاقعة أمام ناظريهما لكنّهما يتسلّحان بصمت القبور، لكن إلى متى؟ بالنهاية هناك توقيت ما وستكون الفضيحة على الأبواب: انفضاح شهود الزور وتواطؤ القضاء والأمن اللبنانيّ. لا عذر للقضاء اللبناني الذي انجرّ وراء اللجنة كشاهد زور في كلّ الافتراءات، وتجاوزتْهُ في كلّ الأمور من توصية (رئيس لجنة التحقيق الدوليّة ديتليف) ميليس إلى تهريب شهود الزور.

^ الثلاثاء 25 تمّوز:

التقت رايس (الرئيس فؤاد) السنيورة ثمّ (الرئيس نبيه) بري ثمّ 14 آذار في السّفارة (الأميركيّة). لم ترشح تفاصيل استثنائيّة. بالتأكيد مع السنيورة و14 آذار، القاسم المشترك هو عدم العودة إلى الوضع السابق، من دون شبعا والأسرى، هذا يعني انتصار إسرائيل. ومع شبعا والأسرى هذا يعني انتصار المقاومة.

مساكين في لبنان! بين إسرائيل وأميركا، حصّتنا هي فتات المائدة. حتّى ولو رغبت أميركا أن تعطينا قطعة خبز، فإسرائيل قادرة على منعها والاكتفاء لنا بالفتات. لا كرامة من دون قوّة ولا استقلال بالتسوّل والاستجداء. منطق الضعيف أمام القوي: «انتَ فصّل وأنا بلبس».

مؤتمر حول لبنان في روما غداً. لا أحد يثير موضوع اللاجئين الفلسطينيين ومصيرهم بعد أن تحصل إسرائيل على ضماناتها الجنوبيّة. الكلّ يحمل شعار سلطة الدولة لتبرير سحب السّلاح. سلطة الدّولة في لبنان ليست مصادرة من قبل الطوائف المسلّحة بل مصادرة من قبل الطوائف كلّها حتّى غير المسلّحة، والفارق أنّ الطوائف عندما تتحدّث عن سلطة الدّولة على الجميع، فهي بمعنى أن «نتقاسمها من دون أن يكون بأيدي أيّ منّا سلاح، لأنّنا لا نطيق أن يكون أحدنا مسلّحاً ويخيفنا، والآخرون لا».