IMLebanon

حرب تمّوز من خلف قضبان المعتقل (3/3)

حرب تمّوز من خلف قضبان المعتقل (3/3)

سجنٌ لنصرالله.. يتحوّل إلى زنازين للضباط الأربعة!

من داخل زنزانة صغرى في سجن رومية، استطاع المدير العام السّابق للأمن العام اللواء جميل السيّد أن يكوّن شبكة علاقات، بما فيها مع بعض حراسه من “فرع المعلومات” الذين كانوا ينقلون إليه مختلف التطوّرات عن داخل السّجن وخارجه.

ومع بداية حرب تمّوز وكان حينها الضباط الأربعة ما يزالون في سجن رومية، تواتر إلى سمع “اللواء” ما قاله المعاون نزار د. (الذي كان مقرّباً من العميد سمير شحادة قبل أن يتقرّب من اللواء وسام الحسن) بأنّ “المعلومات” قد جهّزت سجناً خاصاً في رومية، وهو أشبه بسجنٍ داخل السجن ويرتبط مباشرةً بقيادة “المعلومات” من دون المرور بإدارة السجون التابعة لقوى الأمن الدّاخلي.

لم يكتف العسكريّ بهذه المعلومة، بل جاهر أمام رفاقه بمعلوماته من أنّ هذا المبنى المستحدث والمؤلّف من طبقتين “سيستضيف” الأمين العام لـ “حزب الله” السيّد حسن نصرالله، بعد هزيمة المقاومة في الحرب.

يروي جميل السيّد أنّ تجهيز المبنى استغرق مدّة ثلاثة أشهر قبل اندلاع حرب تمّوز. ولكن مع تطوّر الحرب وترجيح الكفّة لمصلحة المقاومة وتسرّب تلك الأخبار عن “المعلومات”، فقد تقرّر على ما يبدو “التغطية” على هذا الأمر من خلال تغيير وجهة استعمال المبنى الجديد، مع ترجيح كفّة الحرب لمصلحة المقاومة. حيث بادر وسام الحسن وفريقه إلى اتّخاذ قرار يقضي بنقل الضباط الأربعة (جميل السيّد ومصطفى حمدان وريمون عازار وعلي الحاج) إلى ذلك المبنى. وصار العسكريون يشيعون داخل السجن أنّ هذا المبنى كان مخصّصاً أصلاً لاستضافة الضبّاط للردّ على التسريبات بنيّة “المعلومات” تخصيصه لنصرالله تبعاً لتوقعاتهم عن نتيجة الحرب.

وهذا فعلاً ما حصل. بعد أيّام قليلة على انتهاء الحرب، نُقل الضبّاط الأربعة إلى المبنى الجديد الذي كان شبيهاً بما يحكى عن “غوانتنامو”، ولم يكن يشبه أي سجن موجود في الدولة اللبنانيّة. كانت المربّعات الحديدية تحيطه من كلّ جانب بما فيها السّقف. كانت الرقابة أكثر وضوابط الأمن أيضاً.

لم يكن الضباط الأربعة وحيدين في هذا “السّجن الأمني” والمؤلّف من جناحين، وإنّما أودع فيه لاحقاً ابن شقيق الرئيس العراقي السابق صدام حسين الموقوف بتهمة تمويل الإرهاب، وبعض “الموقوفين الإسلاميين” الذين يحملون الجنسيّة السعوديّة.

محاولة نقل السيّد إلى هذا السّجن في حينه، استدعى تمرّداً منه تبعته مفاوضات أسفرت عن مجيء وسام الحسن إلى رومية، حيث عقد مع السيّد جلسة مطولة على مدى أربع ساعات كانت نتيجتها تقديم ضمانات بشأن “المواجهات” وتأمين الاتصالات الهاتفيّة ومعاملة عائلات الضبّاط الأربعة.

في الحلقتين الأولى (الاثنين الماضي) والثانية (الأربعاء الماضي)، عرضت “السفير” لنماذج من يوميات اللواء السيد قبيل حرب تموز وخلالها وصولا الى الأيام الأخيرة للحرب. في هذه الحلقة الثالثة والأخيرة، نماذج من يوميات المدير العام السابق للأمن العام من اليوم الأخير من حرب تموز وحتى الرابع والعشرين من ايلول 2006.

الاثنين 14 آب

على كعب الانسحاب بدأوا يطالبون، (سمير) جعجع ونايلة (معوّض)، وغيرهما بتجريد المقاومة من سلاحها في جنوب الليطاني تحت عنوان انتشار الجيش وبسط السلطة الدولة. يستعجلون بشكل معيب واستفزازي تحت شعار 1701 وضمنياً لتنفيذ 1559. لكن أين شبعا؟ أين الاسرى؟ أين استمرار الحصار؟ اين الضمانات للمقاومة؟ ومن يحميها من دون سلاح؟ ومن يضمن اغتيالات إسرائيل؟ ومن ومن… أين هذه الأجوبة عن النقاط السبع؟ النقاط السبع خطة متكاملة تؤدي لحل شامل، أين هي في القرار 1701؟ التحجج ان هذا قرار دولي لا يكفي. في هذا المناخ العالمي القرار الدولي هو قرار أميركي يعني لمصلحة إسرائيل. فلتنفّذه أميركا وإسرائيل ولكن ممنوع ان ينفذه باسمها لبنانيون تحت شعار وهميّ عنوانه بسط سلطة الدولة. دولة تقبل ببقاء أسرى وحصار ومناطق محتلة واغتيالات دون ضمانات!! ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون. نأخذ مختلف النقاط من 1701 ولا نقول لا، ونضع الصيغة التنفيذية الملائمة للنعم. لا تجوز خسارة الرأي العام، ولا يجوز الصراع الداخلي كما لا يجوز الاستسلام لإسرائيل عن طريق فريق لبناني تضغطه أميركا. نعم ولكن. الحكمة ثلثها فطنة وثلثاها تغابن. عودة النازحين بهذا الشكل اليوم أكبر انتصار. كأنه جرس تلامذة مدرسة كانوا في الملعب ودخلوا الصف عند جرس السّاعة الثامنة.

الثلاثاء 15 آب

يوم أمس فعلا هو تتويج للنصر بعودة النازحين في الجنوب والضاحية والبقاع. بينما لم يتجرأ مستوطن على العودة. طحش الجنوبيّون حتى الشريط الحدودي دون تردد. الجيش الإسرائيلي أخلى معظم مواقعه تحت سيل العودة. المقاومة واجهته وأوقفته، وعودة الناس أزاحته. بالتأكيد سيُعجَب العالم من صورة شعب صامد ومصمم ويعتبرونه مجنوناً. أكرم يحضر. السيد حسن نصر الله كان له خطاب أمس؟ تكلم عن عيب البحث عن تجريد السلاح، عن التعويض على الناس، عن الانتصار والعودة، عن التجارب مع الحكومة، عن عدم تثمير بعض الداخل لتحويل الهزيمة الإسرائيلية انتصارا سياسيا.

مشكلة الحُكم في لبنان (الرئيس فؤاد السنيورة وفريقه) أنه يقرأ خلاصة الحرب من عدد الجسور والطرق المهدمة، وغير مستعد لأن يراها في تراجع إسرائيل وفي وجوه وأقوال النازحين العائدين ولا في الزلزال الداخلي الإسرائيلي بين الحكومة والجيش والرأي العام هناك. مشكلة الحُكم وفريقه انهم يقرأون خلاصاتهم من زاوية أوراق قرارات مجلس الأمن في القرار 1701 وقبله، وهي أوراق أميركية غربية تعوّم إسرائيل بالسياسة ما لم تستطع إنجازه بالحرب. لقد كان معيباً انه لم تكن قد بردت الدماء وان النازحين كانوا على طرق العودة عندما بادر بعض الحكم الى الحديث عن تجريد المقاومة من سلاحها. لو قدّر لي أن أكون صحافياً، لكتبتُ بعنوان عريض: “أعرف من قتل رفيق الحريري ولا أعرف من اغتاله”، وأشرح ذلك بالقول ان القرار 1559 هو الذي قتل رفيق الحريري. القرار 1559 خلق متضرّرين ومستفيدين في الشرق الأوسط وفي لبنان. سوريا على رأس المتضررين وإسرائيل على رأس المستفيدين. المتضررون أرادوا لجمه، والمستفيدون أرادوا تسريعه. المتطرفون (الأصوليّون) أيضاً يعتبرون ان لبنان ساحة ينقلها القرار 1559 من محايدة إلى طرف في الحرب على الإرهاب. (الرئيس الأميركيّ السّابق جورج بوش قال: لبنان جبهة في الحرب على الإرهاب) والمتطرفون متضررون أيضاً. التحقيق الجدي ينبغي أن يبحث عن قتلة الحريري من ضمن المستفيدين والمتضررين من القرار 1559. وليس من ضمن المتضررين منه فقط. ظروف ما قبل الاغتيال تشير إلى المتضررين، ظروف ما بعد الاغتيال تشير إلى المستفيدين، كون النتيجة للاغتيال كلّها صبّت لمصلحة المستفيدين من القرار. هدف القرار 1559، إخراج سوريا وتصفية المقاومة: اغتيال الحريري أخرج سوريا ولم يكن كافيا لتصفية المقاومة. من قال ان إسرائيل في حربها الأخيرة (تمّوز) لم تكن تسعى لتنفيذ الجزء الثاني، وهي أعلنت انها تنفذ الـ1559 وانها تساعد الحكومة اللبنانية بلسان مندوبها في مجلس الأمن لبسط سلطتها. الحملة العسكرية لم تعطِ نتيجة وجاء القرار 1701 مكملاً للـ1559 لتصفية المقاومة. انسحاب سوريا استلزم ربما اغتيال الحريري، تجريد المقاومة استلزم تدمير لبنان (في حرب تمّوز). هل الفاعل هو نفسه هنا وهناك؟ حققوا جدياً!!

الأربعاء 16 آب

يحضر مالك (السيد) عند التاسعة والربع. يطلعني على خطاب السيد (نصرالله) وعلى خطاب (الرئيس السوريّ بشّار) الأسد وعلى ردات الفعل. بدأت اللعبة تنتقل للداخل الإسرائيليّ، تتفاعل نتائج الحرب في الداخل الإسرائيلي فضائح ولجنة تحقيق واتهامات وتقصيرا في السياسة والجيش. وتتفاعل عندنا على قاعدة عجلة البعض في القفز على الدمار والخسائر لتبرير تسريع تنفيذ القرار 1701 وأوّلها تجريد المقاومة من السلاح، ومهمات الجيش والقوات الدولية.

الخميس 17 آب

خطاب (الرئيس) سعد الحريري ضد سوريا رداً على (الرئيس السوريّ بشّار) الأسد وكذلك (رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد) جنبلاط يرد على الأسد ونصر الله. تسلية للناس وتمويه عن إسرائيل وعن العراق وعن أميركا واستراتيجيتها. يحاولون كما فعلوا في الماضي: وضَعَ العرب كلّ إمكاناتهم وراء (الرئيس العراقي السابق) صدام حسين لقتال إيران (1980) ولو وضعوا نصفها لأقاموا أفضل الجيوش بوجه إسرائيل. ووضعوا نصف إمكانياتهم لإزاحة صدام عن الكويت (1990) بقرار أميركيّ. ووضعوا نصف إمكانياتهم لإسقاط صدام (2003) بقرار أميركي. كله جهد ضائع يصرف عن إسرائيل، وفي خضم ذلك ضاعت القضية الفلسطينيّة. واليوم العرب يدفعون تكاليف الحرب الأميركية في العراق، مادياً ومعنوياً واستقراراً وغيرها. اليوم يُصّوِّرون للعرب وللبنانيين عدواً وهمياً هي إيران وسوريا لصرف النظر عما يجري في العراق وفلسطين وغيرها.

السبت 19 آب

عملياً مجمل هذه التدابير الجزئية (لتطبيق القرار 1701)، المفروضة على لبنان لمصلحة إسرائيل بالقرار 1701 والمقبولة بالعلن وبعضها بالسر من قبل الحكومة (السنيورة)، كلها تطوّق لبنان وتضعه تحت الاحتلال غير المباشر وتحت الوصاية المباشرة، بينما إسرائيل المنقسمة على ذاتها بسبب العملية العسكرية، تستثمر سياسياً فشلها العسكري، بمساعدة أميركا والغرب، لتفرض شروطها عبرهم. والسياسة اللبنانية الثابتة للحكومة تتصرّف على أساس انه قرار دولي لا حول ولا قوة، وتطلق العنان لتصريحات أركانها، بينما تحصل عملية خرق في بوداي ولا تسمع صوتا مستنكراً من 14 آذار. ولو أنّ المقاومة قامت بهذا الخرق لكانوا أوّل المتبرعين لمهاجمتها. بالنهاية لبنان يعيش حرباً صامتة داخلية بين استراتيجيتين. الأسد بخطابه منذ يومين، قدّم فرصة لـ14 شباط لتفريغ جعبتهم عن الداخل والخارج. استعملوا الرد عليه لإصابة المقاومة وتظهير ارتباطها.

الاثنين 21 آب

إسرائيل تتمادى في العربدة بتفسيراتها الخاصة عن الـ1701 والحكومة (اللبنانيّة) تبكي للعالم وتتراجع و “حزب الله” يلتزم الصّمت. لا تستطيع ان لا تشعر بالذل. الإنجاز العسكري للمقاومة يمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها وتكبيدها خسائر باهظة والانقسام الحاد في إسرائيل، يقابلهما شبه استسلام سياسي لبناني مع بكاء (السنيورة) بدلاً من ان يقابله استثمار، سياسة التوسّل والتسوّل للحقوق لا تعطي خبزاً في هذا الكون.

الجمعة 25 آب

فكرة ان الأربعاء القادم تعني مرور سنة على اعتقالي تثير فيّ الكثير من التفاعلات. رمونا هنا في بحر التناقضات السياسية في البلد. القضاة تذرعوا بتوصية اللجنة وعندما أسقَطُتها (التوصية) عنهم، أصبحوا يطلبون مني الوقت ويطلبون مني التريث. إذا كنتُ مجرماً أعطوني تهمة، وإذا بريء أعطوني قرارا، لكن انتو عم تعاملوني بالنص وأنا بالنص ما بقبل، يا هون يا هون.

أقرأ الكتاب الأول لـ(الكاتب والمؤرّخ الفرنسي) MaxGalo عن (الامبراطور الفرنسي) نابليون (بونابرت). لا يبدو أنّ الكاتب يحبه. يصوّره انه قنّاص فرص. حتى الآن هو من عائلة نبيلة من كورسيكا، يدخلونه مدرسة عسكرية تحضيرية على نفقة الملك في فرنسا بعد ان احتلت فرنسا كورسيكا منGênes حوالي 1760. ويحاول الترقي بسرعة ويبدو انه نابغة بالرياضيات او كان لامعاً فيها، وبالتالي تخرج ضابط مدفعية ابن 16 – 17 سنة. حساس وعنيف.

في السياسة لا يزال الحصار قائماً في البلد. (الأمين العام للأمم المتّحدة) كوفي انان وتيري رود لارسن سيحضران الاثنين (إلى لبنان). الجبهة الداخلية هادئة ما عدا تلطيشات 14 آذار على الكلفة (الحرب) وقيمة الخراب وهول الخراب ونشروا معلومات مضخمة عن خسائر بـ15 مليار دولار. يَحُورون ويَدُورون لتبرير ذنوبهم. (الرئيس فؤاد) السنيورة يقول بأن ديْن لبنان هو نتيجة أربعة اجتياحات ويعود إلى 1975 و1978 و1982 و1993 و1996 و1999 والآن. حفلة تزوير وضحك على الناس.

الاثنين 28 آب

كوفي انان في بيروت ولا شيء جديدا وسيزور المنطقة سوريا وإسرائيل. السيد حسن نصرالله كان له لقاء مع “تلفزيون الجديد”، أمس مساء مع (مديرة الأخبار في قناة الجديد الصحافيّة) مريم البسام. أخبرتني سوسن ان المقابلة فوق 3 ساعات وكانت شاملة. سألته مريم هل كان ليأسر الجنود لو عرف بردّة الفعل الإسرائيليّة؟ في مثل هذه الأمور يبدأ السؤال ماذا علينا ان نفعل؟ أين ومتى وكيف؟ نجيب: واجبنا دائماً ان نحرر أسرانا، هذا هو الهدف. مستحيل تحريرهم بالديبلوماسية مع إسرائيل، فالطريق الوحيد هو أسر جنود. كما قال بوش بعد 11 أيلول، أريد رد الاعتبار لأميركا، وقف العالم كله بوجهه، لم يسأل عن الكلفة؟ عندما قرّر (الرئيس الفرنسي شارل) ديغول كان هدفه تحرير فرنسا ولم يسأل عن الكلفة. هل نحن واجبنا أن نسأل عن الكلفة؟! الكلفة مادية ومعنوية. النتائج (لحرب تمّوز): شعب لبنان يتمتع باحترام اكبر، حكومة لبنان تُعامَل على أساس موجودة، كل هذا الزخم (الدولي تجاه لبنان) ليس بسبب الألقاب والكراسي، اصبحنا اقرب إلى حقوقنا، إسرائيل صارت أبعد عن القدرة على الاحتلال، كل ذلك بالنتائج. هل كلفة ذلك كانت باهظة؟ نعم. هل نحن أقرب إلى شبعا وتحرير الأسرى. نعم. هل يستحق تحرير 30 كلم2 (مساحة مزارع شبعا) وبضعة أسرى ذلك. أقول بالميزان المادي، بحسابات الدكان والمصارف، كلا، لا يستحق. أما بالميزان الأخلاقي والوطني فنعم يستحق. هذا منطق الكون كله. لا بلد في العالم يخوض حربا إذا خسر مصلحة، وكم من حروب كان سببها الكرامة وردّ الاعتبار، أو تحرير شخص ما، أو تحرير بلدٍ بكامله.

الأربعاء 30 آب

اليوم تنطبق السنة الأولى للاعتقال. مثل هذا اليوم منذ سنة، الثلاثاء من العام الماضي، حدث هذا الشيء. مثل حلم. لا نزال بخير رغم المحنة، ولا نزال نقاتل في سبيل حقنا. وأعلم انها كلها سياسة. وان القضاة يمارسون لعبة السياسة باسم القانون.

الوضع السياسي في لبنان بحالة سيئة جداً. الحزب وعون طالبا بحكومة وحدة وطنية. 14 آذار لا يقبلون. تستمر إسرائيل مصحوبة بالدعم الدولي بإنجاز تطويق “حزب الله”، من خلال التناغم مع آخرين محلياً وخارجياً. بما فيها لعبة الحصار، وانتشار دولي في الجنوب، الحدود مع سوريا، ومصادرة السلاح، والتهويل بحجم الخسائر الهائلة كما قال السنيورة في مؤتمره الماضي وكررها ثماني مرات لمن لم يسمع في المرات السبع الأولى. كلّه اصطياد. الحزب أبلغ بضبط النفس.

الخميس 31 آب

أفكر ماذا جرى بعد وقف العمليات وبعد 12 تموز، وأرى في الميزان السلبي: القرار 1701 هو الابن غير الشرعي للنقاط السبع: حصار جوي وبحري مستمر، قوات دولية، نشر الجيش، ضبط المقاومة، تجرؤ سياسي، استثمار الخسائر، تكملة 1559 بمزيدٍ من الاحتضان الدولي، مزيد من العزل للبنان عن سوريا، تحويل لبنان من البحر والجو والبر إلى جزيرة برعاية الغرب، حصار عسكري وسياسي، استهداف وشل رموز المقاومة في حركتهم، تعنّت 14 شباط وشعور بالنصر السياسي، رفض حكومة الاتحاد الوطني، التجرؤ على المقاومة تحت عنوان الخسائر، تعزيز الكلام الوهمي عن سلطة الدولة، زيادة التعصب المذهبي، محاولة قسم الشيعة والمراهنة على (رئيس مجلس النوّاب نبيه) بري، التجرؤ ـأكثر على (العماد ميشال) عون وعزله، تعزيز وصاية السفارات وإملاءاتهم، استمرار خروقات إسرائيل البرية والجوية والبحرية. الدولة تتوسّل وتتسوّل. غطرسة إسرائيل رغم فشلها.

أمّا في الميزان الإيجابي: ازدياد شعبية المقاومة في أوساط معينة ـ تجاوز امتحان الوحدة الوطنية على مستوى الأرض ـ صمود تحالف عون والحزب. عدم حصول انقسام شيعي ـ احتواء التشنج المذهبي ـ دفع المساعدات ـ الوجود المعنوي ـ الإنجاز العسكري ـ وضع شبعا على خريطة الاستعادة ـ وضع الأسرى على سكة القبول ـ اقتراب البلد أكثر من حل نهائي إذا عرفت السياسة استثمار تضحيات المقاومة ـ اقتراب أكثر من الحقوق لكن إسرائيل لن تسددها ـ اثبات وجود لكن دون ترجمة سياسية.

ينتقدون (14 آذار) كلام السيّد نصرالله (حينما قال) إنّه لو علم مسبقاً بردّة فعل إسرائيل كما حصل لما أسر الجنديين. أساساً السؤال افتراضي، ولا يمكن الرد على سؤال افتراضي. نحن نقوم بالمقاومة: يعني حرب الضعيف ضد القوي من أجل استرجاع الحق، يعني استنزاف القوي حتى يعترف بالحق. نحن دائماً نتمنى أن يكون الثمن زهيداً. وجّهي السؤال نفسه الى أولمرت: نحن عرضنا عليه فوراً مبادلة الأسرى. هو شنّ حربا دفع فيها 170 قتيلا عسكريا و400 جريح و60 مدنيا وخسائر بحوالي 4 مليارات وكسر الهيبة المعنوية لجيشهم، ولولا الغطاء الأميركي لكان بالأرض. إذا كان الميزان هو هذا، فماذا كان سيجيبك أولمرت؟

وكذلك المقاومة: لا يجوز ان تُمحى المقاومة ولا ان تُصفّى. المقاومة تُحتوَى وتُستوعَب. وأولئك الذين يحاولون محوها او تصفيتها بحجة سلطة الدولة إنما يبحثون عن دولة تقوم على أنقاض الشرف والكرامة الوطنيّة.

الجمعة 1 أيلول

السياسة في البلد جامدة والحصار الجوي. و(الرئيس نبيه) بري دعا لاعتصام في مجلس النواب للنواب اعتبارا من السبت. عيب ان يتذكروا ذلك بعد شهر ونصف على الحصار. كلها حفلة كذب. نصفهم متفاهم مع المحاصِرين، نصفهم يريد ان يضغط لاستكمال تطويق “حزب الله”، من خلال تطويق لبنان وافتعال ردة فعل شعبية على الخسائر والحصار وغيرها، واستثمار كلام نصر الله عن عدم الأسر لو انه قدّر مسبقا ردة الفعل الإسرائيلية. على كل حال البلد منقسم بشكل خطر في ظل تحريض مذهبي.

السبت 2 أيلول

اليوم يباشر الاعتصام في المجلس النيابي، تبدو حفلة تنكيت وتقريق، جنبلاط يقول صوموا حتى الموت، وبرّي يراها مناسبة للهروب من النسوان، وغيرهم فولكلور وحدة وطنية، وأكثر من نصفهم مع الحصار الإسرائيلي ضمناً. اين “حليفتنا” أميركا وفرنسا؟ اين الأمم المتحدة؟ كله لعب على الكلام ولعب على الحبال. وحده ميشال عون يتكلم عن الازدواجية. اللعبة معروفة لكن وسائل الإعلام موجودة بيد من يملك المال.

عنصر القوة الوحيد للبنان هو المقاومة. تآمروا جميعا لتجريده منها. توشك ان تصبح المقاومة تهمة. سخرية القدر. ويوشك ان يصبح المتَّهِمون لها أبطالاً.

الأربعاء 6 أيلول

يخبرني مالك عن محاولة اغتيال المقدم سمير شحادة وقتل أربعة من مرافقيه أمس. ردة فعلي الأولية أنني لا أتفاجأ بأي حادثة. لبنان يحولونه جزيرة عبر الحصار الذاتي في الجنوب والبقاع والشمال بواسطة الجيش براً. ركّبتم جزيرة باتجاه الخارج، هل يمكنكم أن تُقيموا جزراً للطوائف في الداخل؟! يبقى لـ14 آذار مشكلتان: الرئاسة وسلاح “حزب الله” من جهة والفلسطينيون من جهة ثانية، لنرَ ماذا سيفعلون. كل التغييرات المستحدثة تحت مظلة الـ1701 تمّت بضغط العملية العسكرية الإسرائيليّة بدءاً من اختفاء المظاهر المسلحة، الى نشر الجيش على الحدود السورية والإسرائيلية، الى القبول بالحصار الذاتي بحراً وجواً، الى الاعتراف بالقرار 1701. يبقى شبعا والأسرى من جهة وسلاح “حزب الله” والرئاسة من جهة أخرى. سننتظر لنرى. فجورج بوش قال ان لبنان هو جبهة في الحرب على الإرهاب. لماذا تقبلون لبنان جبهة أميركية ضدّ الإرهاب وترفضون لبنان جبهة سورية إيرانية ضد إسرائيل؟ هل اتفقتم على مفهوم الإرهاب مع أميركا؟

الأحد 17 أيلول

 خلافاً للمألوف، تردني الرسالة في التاسعة، لعله خير، تدريجياً أفهم عندما أغلقوا نافذة غرفتي بأن الموضوع هو نقل الجميع (الضبّاط الأربعة) إلى المبنى الجديد حيث يبدو أنهم نقلوا مصطفى (حمدان) وريمون (عازار) وعلي (الحاج) من دون أمتعتهم على أن يتم إلحاقهم بها.

أرفض الانتقال إلى المبنى الجديد. يقول ضابط الخدمة إنّ (رئيس فرع المعلومات آنذاك المقّدم) وسام (الحسن) سيأتي. انتظره. يحضر في السابعة، نجلس أربع ساعات حتى الحادية عشرة. يستعرض كل الماضي وكل ظروف التحقيق والمفاوضات والألمان والمذكرات و(رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري القاضي سيرج) برامرتس والورقة والقضاة والضغوط ومطالبه بتقييم شهود والمعطيات، ويقول إنه سيتحدث مع الشيخ سعد (الحريري) الليلة. يطرح سبيل التلاقي بين سعد والسيد حسن نصرالله إلى أي مدى يستطيعون الثقة. يعدّد إخلال “حزب الله” من المحكمة وغيرها. يريدون إجماعاً على المحكمة الدولية، يريدون تفاهماً على قواسم مشتركة. لديهم هواجس أمنية للمرحلة. لديهم معلومات عن تورّط مقربين من الحزب في الاغتيال. وسام سيكون الوسيط بين حزب الله والمستقبل.

أُعطيه (لوسام الحسن) تصوّري عن الأمن والخطورة. لا أجد سبباً واحداً لتقف الاغتيالات كونكم أوقفتم الأشخاص الخطأ. والمجرم لا زال طليقاً. البلد منقسم: استراتيجية فيها سوريا وإيران وحلفاء محليون وحزب الله وعون وغيرهم. واستراتيجية فيها أميركا وفرنسا وحلفاء محليون وسعد وجنبلاط وجعجع. قويّ مش قادر يربح وضعيف مش مستعدّ يخسر. بلبنان بالعراق وبفلسطين بأفغانستان الوضع نفسه. المطلوب قواسم مشتركة بين المستقبل والحزب. ممكنة على عناوين معينة، مثل التهدئة السنية الشيعية والتناغم على الدولة، لكن غير ممكن هذا يصير عند ذاك، ولا ذاك أن يصير عند هذا. ومعروف ان العنوان تجريد المقاومة (من السلاح)، ومعروف أن هذا الموضوع مُكلِف ومستحيل من دون شبعا وتوابعها. وإسرائيل يومياً تقضم الخط الأزرق.

حديثٌ عن اغتيال الحريري. أكرّر مواقفي من التحقيق. لا ألغي الاحتمال السوري ولا أحصر به الخيارات، فيوجد تنظيم القاعدة والإسرائيلي في احتمال اغتيال الحريري. رفيق الحريري قُتل في مناخ القرار 1559، بين الذين يريدون تعطيله والذين يريدون تسريعه. عندما أنظر للظروف السابقة للاغتيال، أشكّ بسوريا، وعندما أنظر للظروف والنتائج التي أسفر عنها الاغتيال، أرى بصمات إسرائيل، مَن يستطيع الجزم هنا او هناك؟ وأرى مصلحة تنظيم القاعدة في الوسط، لأن 1559 ينقل لبنان من بلد محايد إلى بلد صراع مع الإرهاب. كما قال بوش: لبنان جبهة في الحرب على الإرهاب. المؤسف أنّ لجنة التّحقيق وفريقكم (14 آذار) تبنّوا وجهة نظر واحدة هي اتّهامنا وسوريا، وأهملوا عمداً الاحتمالات الأخرى، فبقي المجرم طليقاً.

يسأل: ماذا ستفعل إذا طلعت؟ لستُ من النوع الذي سيذهب للانضمام لفريق. أنا قمت بالسياسة من خلال موقع في الدولة ولم أقم بها كجميل السيد. وأساساً لم أسعَ لتكوين شعبية، كان عندي وظيفة سياسيّة. وعدٌ من وسام بتعديل المواجهات مباشرةً للعائلات والمحامين، وعدٌ بموقف السيارات، وعدٌ بالعودة للمبنى خلال 15 يوماً. وعدٌ بعرض موقفي على سعد (الحريري) والعمل على تسريع الحل بموضوعي بعد طرح استدعاء (النائب العام التمييزي القاضي القاضي سعيد) ميرزا و(المحقّق العدلي القاضي الياس) عيد وبرامرتس وسؤالهم ماذا تريدون بعد من جميل وهل عندكم شيء ضده؟ قال إنّ الصدّيق حُقّق معه خارج لبنان، وإنّ فرع المعلومات نظّم تقريراً بعدم صدقيّة هسام هسام. قال إن السبب أمنيّ للنقل (الضبّاط الأربعة إلى سجن فرع المعلومات في رومية) لأن لديهم معلومات بأن مجموعة قد تلجأ إلى مداهمة السجن لتحريرنا. ضحكت وقلت لم تقنعني أبداً، قال: العبء إداريّ وتشتّت عناصره بين سجنين. قلتُ له سأعمل غداً استطلاعاً وأطلب ترتيبات وعلى أساسها أعدك بالانتقال إذا وجدت الوضع لائقاً.

السياسة في البلد كبيرة جداً وأكبر من الأشخاص فيه. حرب سياسيّة شرسة يخوضها الغرب وأميركا لوضع اليد على جنوب لبنان وترييح إسرائيل نهائياً من حزب الله واستعمال مؤسسات الدولة والحكومة لبلوغ هذه الأهداف، ومقاومة بالمقابل من الحزب وعون وباقي حلفاء سوريا. فيما يبذل الأجانب وخاصة الأميركيين جهوداً هائلة للفصل بين (النائب سليمان) فرنجية وعون من جهة والحزب من جهة أخرى ونحن عالقون في الوسط.

الجمعة 23 أيلول

ما يجري في الخارج من تفجيرات سيؤدي إلى خلق مناخ مسيحي من عدم الأمان. في توقيت لاحق لا أدري ما هو. ستحصل تفجيرات بالمليان في المنطقة المسيحية، حتى الآن تفجيرات بالفاضي لخلق المناخ. تفجيرات بالمليان من النوع العراقي كذا قتيلا وجريحا، مطالبة بأمن ذاتي، القوات جاهزة لهذا الدور. تقسيم هنا وربما توطين هناك، عود على بدء. هذه المرة أخطر من كل مرة. في السابق كان هنالك جباران (أميركا والاتحاد السوفياتي). اليوم جبار واحد. الصورة واضحة: مطلوب من لبنان توطين ونزع سلاح المقاومة وجيش بالجنوب وبالمقابل مؤتمر دولي لتقوية لبنان اقتصادياً.

مطلوب (أميركياً) من سوريا تسهيل المطلوب في لبنان وتسهيل المطلوب في العراق، والسيف المصلت (اتّهام سوريا بـ) جريمة (اغتيال الرئيس رفيق) الحريري. يمشي (الرئيس السوريّ) الأسد (في تسهيل الحلّ اللبنانيّ والعراقي)، يحيّدون السيف، وتمشي بالتالي الخطة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة بأعباء أخف. إن لم يقبل الأسد (بالتسهيل) تثقل العيارات على لبنان وسوريا. لبنان نقل نصف نقلة، أخرج السوري وأتت أغلبية مناهضة حاكمة، بقي المقاومة والتوطين. من قادر على إكمال هذا في لبنان؟ لا أحد. من بحجم هذا العيار؟ لا أحد. من الرأس في لبنان حالياً؟ لا أحد. فقط تدجين سوريا يسهّل باقي المهمة، يكسر العصب المعنوي المقاوم في لبنان للتوطين والجنوب حتى ولو لم تكن سورية متدخلة. هل هنالك وعدٌ سرّي لبعض المسيحيين بكيان لهم هذه المرة بضمانة أميركية إسرائيلية؟ نعم لمَ لا. الظروف اليوم أفضل من السابق بكثير لتقسيم كل المنطقة وليس لبنان وحده كما جُرِّب في الماضي؟!!

السبت 24 أيلول

أليس المطلوب أن تبقى الجريمة (اغتيال الحريري) سيفاً مصلتاً على سوريا ولبنان؟ أساساً (وزير الخارجيّة الأميركيّة آنذاك كوندليسا) رايس قالت علناً منذ يومين رداً على سؤال: كيف يمكن ان تصبح سوريا مقبولة لدى الاميركيين؟ كان جوابها: عليها ان تكون مقبولة لدى اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين؟ أَبْلَغ اختصار لأَهَمّ رسالة. أي مقبولة في الخط الجديد للأغلبية الحاكمة في لبنان (نزع سلاح المقاومة، المخيمات، التوطين، نشر الجيش في الجنوب) ومقبولة لدى الحكم الاصطناعي في العراق (حماية الحدود، منع التسلل، دعم الحكومة العراقية، عدم الاعتراض على الفيدرالية) ومقبولة لدى الحكم الذاتي لأبو مازن (وقف دعم المنظمات الفلسطينية المعارضة، إبعاد حماس والجهاد، وقف الحملات على إسرائيل والسلطة، القبول بالحلول القائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الاستسلام…). هذه هي الشروط (الأميركيّة على سوريا)، فما هي المصلحة (الأميركيّة) في تبرئتهم (السوريين) من دم الحريري (قبل الحصول على تلك الأثمان) إذا ما لم تظهر الحقيقة فإبقاء سيف الاشتباه قائماً على سوريا وبعض أعوانها في لبنان، (الرئيس إميل) لحود والنظام الأمني. أنا الضحية الادسم في الموقوفين الأربعة. هذه هي الصورة بالضبط.

لماذا اغتيال الحريري ليس تخطيطاً شيطانياً إسرائيلياً؟ كل النتائج (الاغتيال) لمصلحة إسرائيل وأميركا. لماذا إذن حصر التحقيق باتجاه واحد (الضبّاط وسوريا)؟ هاتوا أدلّة وشهودا. اغتيال الحريري سيف مصلت على رأس الأسد “إلى أن يقبل به اللبنانيون والعراقيون والفلسطينيون” (بحسب رايس)، “وهو (أي الأسد) على الجانب الخطأ في خريطة الأحداث”، هذا ما قالته رايس حرفياً. لم تتوصل اللجنة (التحقيق) لنتيجة، وقد لا تتوصل، لن تعلن فشلها بالتأكيد، والمخرج الوحيد هو تطويق سوريا والضحايا (نحن) برزمة من الشبهات العامة والتشهير، ورمي هذه الشبهات في أحضان محكمة محلية ودولية وجرجرة الى ما شاء الله، إلى ان تنصاع سوريا أو تنقلب.

وسام الحسن يسأل السيد:  ماذا ستفعل إذا خرجت؟

بتاريخ الأحد 17 أيلول 2006: خلافاً للمألوف، تردني الرسالة في التاسعة، لعله خير، تدريجياً أفهم عندما أغلقوا نافذة غرفتي بأن الموضوع هو نقل الجميع (الضبّاط الأربعة) إلى المبنى الجديد حيث يبدو أنهم نقلوا مصطفى (حمدان) وريمون (عازار) وعلي (الحاج) من دون أمتعتهم على أن يتم إلحاقها بهم.

أرفض الانتقال إلى المبنى الجديد. يقول ضابط الخدمة إنّ (رئيس فرع المعلومات آنذاك المقّدم) وسام (الحسن) سيأتي. انتظره. يحضر في السابعة، نجلس أربع ساعات حتى الحادية عشرة. يستعرض كل الماضي وكل ظروف التحقيق والمفاوضات والألمان والمذكرات و(رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري القاضي سيرج) برامرتس والورقة والقضاة والضغوط ومطالبه بتقييم شهود والمعطيات، ويقول إنه سيتحدث مع الشيخ سعد (الحريري) الليلة. يطرح سبيل التلاقي بين سعد والسيد حسن نصرالله إلى أي مدى يستطيعون الثقة. يعدّد إخلال «حزب الله» من المحكمة وغيرها. يريدون إجماعاً على المحكمة الدولية، يريدون تفاهماً على قواسم مشتركة. لديهم هواجس أمنية للمرحلة. لديهم معلومات عن تورّط مقربين من الحزب في الاغتيال. وسام سيكون الوسيط بين حزب الله والمستقبل.

أُعطيه (لوسام الحسن) تصوّري عن الأمن والخطورة. لا أجد سبباً واحداً لتقف الاغتيالات كونكم أوقفتم الأشخاص الخطأ. والمجرم لا زال طليقاً. البلد منقسم: استراتيجية فيها سوريا وإيران وحلفاء محليون وحزب الله وعون وغيرهم. واستراتيجية فيها أميركا وفرنسا وحلفاء محليون وسعد وجنبلاط وجعجع. قويّ مش قادر يربح وضعيف مش مستعدّ يخسر. بلبنان بالعراق وبفلسطين بأفغانستان الوضع نفسه. المطلوب قواسم مشتركة بين المستقبل والحزب. ممكنة على عناوين معينة، مثل التهدئة السنية الشيعية والتناغم على الدولة، لكن غير ممكن هذا يصير عند ذاك، ولا ذاك أن يصير عند هذا. ومعروف ان العنوان تجريد المقاومة (من السلاح)، ومعروف أن هذا الموضوع مُكلِف ومستحيل من دون شبعا وتوابعها. وإسرائيل يومياً تقضم الخط الأزرق.

حديثٌ عن اغتيال الحريري. أكرّر مواقفي من التحقيق. لا ألغي الاحتمال السوري ولا أحصر به الخيارات، فيوجد تنظيم القاعدة والإسرائيلي في احتمال اغتيال الحريري. رفيق الحريري قُتل في مناخ القرار 1559، بين الذين يريدون تعطيله والذين يريدون تسريعه. عندما أنظر للظروف السابقة للاغتيال، أشكّ بسوريا، وعندما أنظر للظروف والنتائج التي أسفر عنها الاغتيال، أرى بصمات إسرائيل، مَن يستطيع الجزم هنا او هناك؟ وأرى مصلحة تنظيم القاعدة في الوسط، لأن 1559 ينقل لبنان من بلد محايد إلى بلد صراع مع الإرهاب. كما قال بوش: لبنان جبهة في الحرب على الإرهاب. المؤسف أنّ لجنة التّحقيق وفريقكم (14 آذار) تبنّوا وجهة نظر واحدة هي اتّهامنا وسوريا، وأهملوا عمداً الاحتمالات الأخرى، فبقي المجرم طليقاً.

يسأل: ماذا ستفعل إذا طلعت؟ لستُ من النوع الذي سيذهب للانضمام لفريق. أنا قمت بالسياسة من خلال موقع في الدولة ولم أقم بها كجميل السيد. وأساساً لم أسعَ لتكوين شعبية، كان عندي وظيفة سياسيّة. وعدٌ من وسام بتعديل المواجهات مباشرةً للعائلات والمحامين، وعدٌ بموقف السيارات، وعدٌ بالعودة للمبنى خلال 15 يوماً. وعدٌ بعرض موقفي على سعد (الحريري) والعمل على تسريع الحل بموضوعي بعد طرح استدعاء (النائب العام التمييزي القاضي القاضي سعيد) ميرزا و(المحقّق العدلي القاضي الياس) عيد وبرامرتس وسؤالهم ماذا تريدون بعد من جميل وهل عندكم شيء ضده؟ قال إنّ الصدّيق حُقّق معه خارج لبنان، وإنّ فرع المعلومات نظّم تقريراً بعدم صدقيّة هسام هسام. قال إن السبب أمنيّ للنقل (الضبّاط الأربعة إلى سجن فرع المعلومات في رومية) لأن لديهم معلومات بأن مجموعة قد تلجأ إلى مداهمة السجن لتحريرنا. ضحكت وقلت لم تقنعني أبداً، قال: العبء إداريّ وتشتّت عناصره بين سجنين. قلتُ له سأعمل غداً استطلاعاً وأطلب ترتيبات وعلى أساسها أعدك بالانتقال إذا وجدت الوضع لائقاً.

السياسة في البلد كبيرة جداً وأكبر من الأشخاص فيه. حرب سياسيّة شرسة يخوضها الغرب وأميركا لوضع اليد على جنوب لبنان وترييح إسرائيل نهائياً من حزب الله واستعمال مؤسسات الدولة والحكومة لبلوغ هذه الأهداف، ومقاومة بالمقابل من الحزب وعون وباقي حلفاء سوريا. فيما يبذل الأجانب وخاصة الأميركيين جهوداً هائلة للفصل بين (النائب سليمان) فرنجية وعون من جهة والحزب من جهة أخرى ونحن عالقون في الوسط.