IMLebanon

خطاب «السمقانية» أعطى فوزاً تاريخياً لجنبلاط وخطاب «الجبل» أسقط المير طلال ووهّاب

 

 

لا شك بأنّ الخطاب التاريخي الذي ألقاه أكبر زعيم درزي في كان مفصلياً، لأنّ جنبلاط يستحق هذا اللقب، فهو الزعيم اللبناني الوحيد الذي تسير طائفته خلفه يميناً أو يساراً…

 

نتفق في كثير من الأمور، مع الزعيم «أبو تيمور» لكننا نختلف أكثر، خاصة وأنه يتمتع بمزاجية فريدة من نوعها، ولكن عند الأمور المصيرية لا بد وأن نكون من المعجبين بآرائه وطروحاته التي تثبت أنه عندما تدق ساعة الحقيقة فهو لا يساوم. إنه كالسيف عندما تكون هناك مصلحة وطنية ومصلحة درزية..

 

الخطاب الذي ألقاه في «السمقانية» كان لافتاً. وقد سألت عدداً كبيراً من الأصدقاء حول الخطاب لأني أريد أن أعرف لماذا تغيّر المزاج الدرزي وأصبح بالمطلق مع الزعيم وليد جنبلاط؟

 

واللافت هنا إنّ خطاب جنبلاط الأخير قبل الصمت الانتخابي كان في مرج السمقانية، فلماذا اختيار الزمان والمكان في هذا التوقيت؟ وتاريخ السمقانية يشهد على المعركة المشهورة بين البشيرين: بشير الشهابي وبشير جنبلاط الملقب بـ«عمود السماء»، وهو الذي حكم الجبل من ساحله الى جبله حتى بقاعه، ويدين له بشير الشهابي بوصوله الى سدّة الزعامة بعدما تحوّل من الديانة الاسلامية الى الديانة المسيحية. فكما هي الحال مع العائلة الجنبلاطية من بشير الشهابي الى بشارة الخوري الى كميل شمعون حيث كانت هذه العائلة توصل الى الرئاسة والزعامة من تريد، ولكن يدبّ الخلاف بينهم لاحقاً، لما لعائلة آل جنبلاط من سطوة وزعامة وثراء وأملاك ودعم درزي غير محدود.

 

فمع بشير الشهابي الذي حصل على دعم بشير جنبلاط وأوصله الى الحكم بدعمه ضد أبناء عمومته أمراء آل شهاب، جاء من يحذر بشير الشهابي من خطر بشير جنبلاط. وكما أزال الأمير يوسف من سدّة الحكم فيمكنه إزالة بشير في أي لحظة نتيجة إمكاناته المالية والدعم الشعبي له.

 

وهنا بدأ الخلاف بين البشيرين، وهناك مقولة لبشير الشهابي تتردّد حتى الآن «الجبل لا يحمل بشيرين». فهيّأ حملة من جيشه لملاقاة بشير جنبلاط في «معركة السمقانية» قرب بيت الدين، ولكنه لقي هزيمة على يد مقاتلي بشير جنبلاط الدروز المعروفين بإتقانهم الدفاع عن الثغور، وكان الانتصار الأول لبشير جنبلاط معتقداً ان المعركة انتهت بانتصاره، ولكن الامير بشير الشهابي خدعه بادعائه انه خسر المعركة، لكنه طلب دعم العثمانيين ومحمد علي باشا الذين دعموه بالرجال والسلاح، وهاجم على حين غفلة جنود الامير بشير الذين عادوا الى بيوتهم معتقدين ان المعركة انتهت، وكانت النتيجة انه تمّ أسر الشيخ بشير جنبلاط وأرسل أسيراً الى عكا حيث أعدم لاحقاً، وتمّ إحراق بعض البيوتات الجنبلاطية وكذلك قصر المختارة، حيث أعدم الشيخ بشير في عكا وانتقلت زعامة المختارة الى ابنه قاسم الذي استعاد قوته بين الدروز وخاصة بين العائلات الجنبلاطية، واستمرت معه الزعامة الجنبلاطية لغاية تاريخه.

 

وها نحن نعود بالذكرة الى إحدى خطب وليد جنبلاط عندما انهزمت «القوات اللبنانية» في الجبل، واستعاد جنبلاط قصر بيت الدين قائلاً متوجهاً الى الشيخ بشير: «ها قد عدنا يا بشير الى السمقانية وهي تعني ما تعني في ذاكرة الدروز»، وأراد جنبلاط من هذا الموقع تذكير الدروز بما حصل بالمختارة ومع الشيخ بشير تحديداً محذراً من إعادة الكرة مرة أخرى ولكن بأيدي زعامات جديدة.

 

إنّ هذا الخطاب التجييشي خلط الأوراق ثانية في الجبل واستنفر المشايخ والأهالي.

 

أما بالنسبة للمير طلال ارسلان، فإنّ الخطاب الذي ألقاه في (جبل لبنان) في منزل النائب السابق فادي الأعور في «قرنايل» والذي طمأن الدروز بأنّ الذي يحميهم هو حزب الله.

 

هذا الكلام لعب دوراً كبيراً الى أقصى الحدود في تغيير المزاج الدرزي الذي رفض مثل هذا الكلام، لأنه يعتبر ان الذين يحميهم تاريخياً ويحمي الجبل وأهل الجبل هم أبناؤه الدروز الذين ليسوا بحاجة لحماية من أحد إلاّ الدولة اللبنانية التي يجب أن تكون وحدها المسؤولة عن الوطن والمواطن.

 

وهكذا وبعد 30 سنة، سقط المير طلال في الانتخابات النيابية… وللتاريخ نقول إنّ الزعيم وليد بك ومنذ أول انتخابات جرت بعد «الطائف» عام 1999، كان يترك مكاناً للمير طلال عند تأليف لائحة لتخوض الانتخابات، وهكذا عاش المير طلال 30 سنة لا يعاني من همّ الانتخابات… إذ كان مكانه محفوظاً من زعيم الدروز، ولكن بعدما أصبح حزب الله يمسك بزمام الأمور بفضل البندقية التي كانت مسؤولة عن تحرير لبنان من العدو الاسرائيلي تغيّر الموقف.

 

وهكذا سقط المير طلال ارسلان.. ولا بد من أن نذكر أيضاً أنّ سقوط طلال ارسلان أخذ معه وئام وهّاب، الذي ظنّ كثيرون في فترة من الفترات أنه أكبر من أكبر زعيم درزي، وأنه أصبح المرجعية الجديدة، وأن الدروز ليسوا بحاجة إلاّ لزعامته. ومن المعلوم أيضاً أنّ وئام وهّاب يعتمد اعتماداً كبيراً على أموال حزب الله وسلاح حزب الله.

 

الاثنان لم يعرفا أهمية المزاج الدرزي، والعنفوان الدرزي، والتقدير والاحترام لزعماء الدروز وخاصة للزعيم التاريخي وليد جنبلاط.

 

الجدير ذكره انه بعد اغتيال شهيد لبنان الكبير دولة الرئيس رفيق الحريري سقط المير طلال ارسلان للمرة الأولى، لأنه كان يراهن على الوجود السوري، وبما انه لم يحترم أهل الجبل الذين لم يسامحوا ولا في يوم من الأيام سوريا ومسؤوليتها عن اغتيال أكبر زعيم درزي كمال جنبلاط في منطقة بين بعقلين ودير دوريت عام 1977.