IMLebanon

عين جنبلاط على الحكومة وعين الفرنسيين عليه

 

طبخة الحكومة لم تنضج بعد. لكن رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب يلزم نفسه بالمدة الزمنية التي منحها الفرنسيون لعمله ولا ينوي تخطيها. ورغم تكتمه لكنه كوّن تصوراً واضحاً لحكومته لم يتمكن من إقناع الآخرين به بعد، ووضع بعض الاسماء وحدد الحقائب المناسبة لها. لكن الواضح ان الرؤية حول الحكومة بينه وبين القوى السياسية غير متطابقة بعد. وبدا لافتاً سؤال تكتل “لبنان القوي” عن الاسباب التي تؤخر تشكيل الحكومة كمؤشر الى أن رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب لا يزال يستثني “الوطني الحر” من مشاوراته الحكومية. التباعد في وجهات النظر استوجب الإستعانة بمحركات المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم التي عادت للعمل على خط التأليف والتواصل مع الفرنسيين من خلال نظيره الفرنسي السفير السابق في لبنان برنار ايمييه.

 

وتحدثت المعلومات بالأمس عن لقاء مقرر بين الخليلين وأديب الذي زار بعبدا من دون ان يحمل صيغة حكومية واضحة بل مجرد افكار واقتراحات. يتحدث المعنيون مباشرة بمشاورات التشكيل عن بعد شاسع في الافكار بين أديب والفرقاء السياسيين، وبينه وبين مطالب رئيس الجمهورية. الخلاف بينهما يبدأ من الاساسيات. يريدها أديب حكومة إختصاصيين غير سياسية ويريدونها سياسية، يريدها 14 وزيراً ويريدونها 24 وزيراً، يصر على حقيبتين لكل وزير ورأيهم يقول بالكاد ان ينهض وزير واحد بعمل وزارته فكيف سينهض بعمل وزارتين؟ يريد أديب ان يختار بنفسه اسماء مرشحي الطوائف وحقائبهم وهذه سابقة تعارضها القوى السياسية.

 

المعضلة الإضافية ان “التيار الوطني” لم يحسم مشاركته واذا تنحى وقاطعت “القوات اللبنانية” فمن اين يأتي الرئيس المكلف بالغطاء المسيحي لحكومته ومن يمنحه الثقة في المجلس النيابي؟ بالموازاة يرفض بري التنازل عن حصة الشيعة في وزارة المالية. وفق تصور اولي للمداورة لدى أديب تبقى وزارة الدفاع من حصة الشيعة وهذا مرفوض طبعاً. المداورة في الوزارات مسألة حساسة وقد يكون المخرج الذي يناسب الجميع بجعل الوزارات السيادية الاربع ثابتة في توزيعها الطائفي طبقاً لما هو سائد اي المالية والداخلية والخارجية والدفاع فيما تتم المداورة في ما تبقى من حقائب. وسط هذا الجدل والمراوحة يتموضع رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط في موقع المراقب. عينه على الحكومة وعين الفرنسيين عليه.

 

منذ إستقالت حكومة حسان دياب وبدأ بري العمل على عودة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، ارسل جنبلاط الوزير وائل ابو فاعور ليثنيه عن قبول العرض. لم يتلق الحريري الرسالة مباشرة ما اضطر جنبلاط للتوجه الى بيت الوسط ونصح الحريري صراحة ومباشرة “بلاها يا شيخ سعد”. يعرف جنبلاط ان الفترة ليست فترة الحريري سعودياً وأميركياً وموقفه عكس تلك الإرادة قد يودي بحياته السياسية. في الأساس لم يكن جنبلاط معارضاً لحكومة دياب بل مستاء من ادائها على المستوى المالي وهو على عكس الآخرين لا يفضل الفراغ ولا تداعي المؤسسات دفعة واحدة. ولذا عارض استقالة نوابه من البرلمان ودفّع نائباً من كتلته هو مروان حمادة ثمن تغريده خارج السرب الجنبلاطي والخروج على اجماع الاشتراكي. بقي جنبلاط على موقفه وصار حمادة بعيداً حتى عن علاقته القديمة مع جنبلاط.

 

حين إتصل به الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وافق على تسمية مصطفى اديب رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة. يحرص على علاقة المختارة التاريخية مع الفرنسيين متماهياً مع ما كانت عليه علاقة والده كمال جنبلاط. يقابل الفرنسيون الود بمثله. يؤيد وجوب تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن وهو لغاية اليوم لم يحسم خياره في المشاركة مباشرة بالحكومة الجديدة لكنه تعهد لماكرون بتسهيل التأليف وعمل الحكومة. موقف “الاشتراكي” لا يزال هو ذاته الذي ابلغه للرئيس المكلف يوم الاستشارات النيابية لا نريد ان نسمي ولكن لدى الطائفة كفاءات كثيرة يمكن ان تختار من بينها.

 

ورغم تأكيد “الإشتراكي” ان الرئيس المكلف لم يفاتحهم بعد بشأن مشاركتهم في الحكومة ولم يطلب منهم أسماء، الا ان الثابت أن الطائفة الدرزية ستتمثل بوزير لن يكون بعيداً عن جنبلاط أو خصماً له على أي حال. يعرف جنبلاط ان دوره وحضوره مصانين بفعل تحالفه المتين مع بري الذي يعمل على اشراكه مباشرة في الحكومة، وعلاقته مع “حزب الله” مستقرة ايجاباً والتنسيق قائم ومستمر بين ابو فاعور ومسؤول وحدة التنسيق في “حزب الله” الحاج وفيق صفا لا سيما في الشق الامني من العلاقة. من خلال بري يتابع جنبلاط مستجدات الحكومة وهو لم يفتح خط تواصل مع الرئيس المكلف بعد ولا خط تواصل بينه وبين عرابي تشكيل الحكومة اي الحريري ونجيب ميقاتي.

 

السياسي الذي تلتقط راداراته السياسية أبعاد الموقف على الساحة الدولية واستتباعاً المحلية يدرك ان الاميركي لن يهادن في مواجهته ضد “حزب الله” ولكن يرى ان الاولوية اليوم لمعالجة الوضع المالي والاقتصادي ولذا كان نداؤه الاخير للأميركيين وغيرهم: “دعكم من الصواريخ في الوقت الحاضر”. لا يريد تخريب مبادرة الفرنسيين وهو ينتظر تركيبة الحكومة وما يرشح من أسماء ليحدد مستوى التمثيل وحجمه. عملياً بات يتعاطى جنبلاط مع التطورات على القطعة وبالمفرق.

 

وليس بعيداً عن تصور جنبلاط ثمة من يعتبر ان تشكيل الحكومة تحصيل حاصل مهما بلغت العقبات لكن الاهم هو ما الذي يمكن ان تنجزه هذه الحكومة وهل ستتوسع بقعة الضوء الفرنسية في ظل الاصرار الاميركي – السعودي على تطويق “حزب الله” والاحجام عن دعم اية حكومة فيها تمثيل لـ”حزب الله”؟