IMLebanon

جنبلاط والثنائي الشيعي: الفتنة خط أحمر… وسعد الحريري أيضاً

 

أبدت الأطراف اللبنانية عناية شديدة لتطور الأحداث السياسية والأمنية التي اندلعت السبت الماضي، وتعاملت معها بجدية عالية قلما أبدتها إزاء احداث مماثلة. صحيح ان ما حصل لم يكن بسيطاً على مستوى التداعيات ولا على مستوى الاجماع الوطني في التصدي له منعاً لأي انزلاق باتجاه حرب أهلية، لكن العناوين الرئيسية التي طرحت مثل نزع سلاح المقاومة وعودة الحديث عن حكومة وحدة وطنية، فضلاً عن قانون “قيصر” الاميركي الذي يطاول لبنان من البوابة السورية يدفع الى التنبؤ بأن الآتي من التطورات ليس بسيطاً، وقد انعكس حركة سياسية ناشطة على خط عين التينة وبيت الوسط مروراً بكليمنصو. كالعادة استشعر رئيس “الاشتراكي” وليد جنبلاط الخطر الذي لن يبقى بمنأى عنه في مناطقه فأدار محركاته مستنجداً بحليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان و”حزب الله” والرئيس الحريري اعلنوا حالة استنفار وقد صار البلد على قاب قوسين او أدنى من فتنة الحرب المذهبية.

 

دقائق معدودات اظهرت هشاشة الوضع الداخلي وانعدام مناعته، كما اظهرت للثنائي الشيعي كما للسنة ان ساحتيهما غير محصنتين وقد تم اختراقهما. وفي غضون دقائق عادت الحرارة وبقوة الى خطوط التواصل بين المسؤولين الذين انشغلوا في ما بينهم في وأد الفتنة في مهدها. فتوالت الاتصالات بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري و”حزب الله”، ومع الجميع تواصل رئيس الحزب “الاشتراكي” وليد جنبلاط. ولم يغب دور رجال الدين الذين سارعوا الى التواصل مع دار الفتوى لتطويق المشكلة.

 

ساعات مرعبة مرت تدخلت خلالها لمعالجة ما شهدته الساحات، اللجان الامنية لكل من “أمل” و”الاشتراكي” و”حزب الله” و”المستقبل”، بهدف تطويق المخلّين بالسلم الاهلي وقد فتح التحقيق بما جرى ومن بادر الى طرح الشعارات والشتائم المسيئة بحق الرموز الدينية.

 

“حارة كل مين إيدو إلو”

 

من وجهة نظر الثنائي الشيعي فإن مشهد السبت يمكن النظر اليه من عاملين، “الحراك الذي تم التحضير له مسبقاً مع السفارة الاميركية في لبنان، والذي رفع شعاراً ضد المقاومة وكان حضوره هزيلاً على الارض، والاشكال من قبل بعض الناس الجهلة والموتورين الذين لم يتصرفوا ضمن ضوابط الاخلاق والدين والعيش الواحد”. ولا شك ان المشهد الثاني خدم الاول وستر هزالته لكنه بالمقابل أظهر ان البلد صار “حارة كل مين إيدو إلو”.

 

وخلال اليومين الماضيين لعب بري دوره المحوري في تجنيب البلد المأزق الكبير. وهو أشاد امام جنبلاط بدور الحريري الوطني في تدارك القطوع الذي مر به البلد. بدا ما حصل مرعباً خصوصاً للثنائي الشيعي الذي شكلت الفتنة السنية – الشيعية هاجسه الاكبر، الذي سعى ولا يزال الى تجنب تجرع كأسه المرة. دوّر زوايا، هادن، قدم تنازلات، كل ذلك في سبيل وأد الفتنة لتشكل العلاقة مع سعد الحريري قارب النجاة هنا. ومع هذا بدا خلال اليومين الماضيين ان وقوع هذه الفتنة ليس مستحيلاً وان ساحته مخروقة لمن يريد الى ذلك سبيلاً وهم كثر.

 

وفيما كانت محاولات المسؤولين تعيد الشارع الى هدوئه كانت القراءات السياسية لما جرى تتسارع وتيرتها لتلتقي على سؤال كبير يتعلق بمصير الحكومة. كأن ما حصل شكّل مقدمة لاعلان انتهاء فعالية هذه الحكومة وجهوزية الحريري للعودة الى غرفة القيادة مجدداً. فمعادلة الحريري وفق الثنائي الشيعي لا تزال موجودة وهو زعيم سني وله قيمته وحضوره على الساحة السنية حيث تصعب مقارنة وضعيته وتأثيره على الشارع السني مع وضعية وتأثير رئيس الحكومة حسان دياب. وشكل وقوف بعض الفرقاء في مواجهته مع شقيقه بهاء الحريري ومعه اللواء اشرف ريفي، باب تعاطف اضافي مع الحريري من حلفائه القدامى.

 

لكن هذا لا يعني وفق الثنائي الشيعي التسرع في الحديث عن انتهاء فاعلية حكومة دياب. فالحكومة مستمرة والاسباب التي جاءت بحسان دياب لم تنتف بعد ولا الحريري بوارد ان يزاحم ويطاحش للعودة الى السلطة، ومن شكلوا رافعة في الماضي لمجيء دياب لم يستغنوا عنه.

 

الحريري – جنبلاط

 

وكان الحريري زار امس جنبلاط الذي زار بري في عين التينة. وأكد جنبلاط أننا “لن نستسلم ولن نتردد ونتابع بالحوار، بالرغم من قساوة الظروف وفداحة الخسائر بخاصة الاقتصادية، ونأمل بأن نواجه المؤسسات الدولية بكل جدية”. ولفت إلى أنه “لا بد من الإتصال بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتحسين الظروف الداخلية المعقدة”، معتبراً أن ما حصل بالأمس مختلف عن المشهد الذي كان قائماً في السابع عشر من تشرين الأول الماضي.

 

مصادر المجتعمين قالت إن اللقاءات التي عقدت كان هدفها لملمة الوضع في البلد أمنياً ومذهبياً ومالياً، ومنع الانزلاق نحو الفتنة الاسلامية التي يتخوف جنبلاط كما الآخرون من تمددها، لتشمل المناطق الدرزية كما السنية والشيعية.

 

كان المشهد مرعباً للقوى السياسية التي اعتبرت ان انسداد الافق لا بد ان يواجه بحركة ما لخلق شبكة امان على المستويات كافة بصرف النظر عن موالاة ومعارضة، صحيح ان الحكومة تتحمل جزءاً من المسؤولية لكن يجب ان يساندها الجميع من اجل مصلحة البلد، ومن هنا جاءت خطوة جنبلاط السياسية. واذا كانت الخطوة صارت في العلن فان خطوات اخرى شهدتها الايام الماضية بدأت منذ يوم الجمعة، حيث أبلغ جنبلاط والحريري بري انهما غير معنيين بالتحرك في الشارع في وقت ابلغ “حزب الله” القوى الامنية انه بذل جهده لضبط الشارع، وبقي على تنسيق متواصل معها وهو فوجئ فعلاً بحجم التفلت الذي حصل وبذل جهوداً لتطويقه. وانه بالفعل استدرك موضوع عين الرمانة وما حصل في بربور.

 

وتقول مصادر “الاشتراكي” ان جنبلاط كان تلمس مخاطر الوضع مسبقاً، وكان واضحاً ان النزول الى الشارع تتولاه احزاب سياسية وليس حراكاً شعبياً ومجموعات اهلية، ولذا هو أكد على الرئيس بري فعل ما امكن من اجل قيام الحكومة بما امكن من خطوات تريح الناس، لتجنب الذهاب نحو غضب شعبي والاستفادة من المبلغ المرصود للأسر الاكثر فقراً، والبحث عن مخارج مقبولة والتنسيق مع صندوق النقد.

 

أما على مستوى اللقاء مع الحريري والعلاقة معه فهنا كان تركيز بري كما جنبلاط على دور الحريري على الساحة السنية التي كثر اللاعبون عليها، ما يستوجب مساعدة الحريري ودعمه في جهوده لإعادة لملمة الوضع السني وعدم السماح لاي فريق طارئ العبث بالامن. لغاية اليوم يمكن القول ان مشهد اليومين الماضيين انتهى، واضعاً الجميع امام مسؤولياتهم التاريخية أقله هذا ما تلمسه الفرقاء واستنفروا لاجله، مستدركين ان الآتي سيكون اعظم ولكن السؤال كيف ستكمل الحكومة رحلتها بعد اليوم؟ وهل ما حصل يصب في مصلحة الحفاظ عليها او العكس؟ رغم تأكيد القوى الفاعلة فيها على استمرارها لكن التشكيك يبقى مشروعاً وللبحث صلة.