IMLebanon

جنبلاط ينقل المعركة إلى ملعب “العهد”: أنا زعيم المعارضة

 

أثبتت أحداث قبرشمون أنّ “الحزب التقدمي الاشتراكي” “عتيق” في السياسة. عشية “الزيارة الملتبسة” لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى الجبل، استنفرت ماكينته الميدانية – الإعلامية ورفعت درجة جهوزيتها حتى “الماكسيموم”. جلّ ما كانت تريده في تلك اللحظة هو التصدي لمزيد من محاولات عزل رئيس الحزب وليد جنبلاط. وقد نجحت بالفعل في مواكبة الأحداث والتطورات على نحو غير تقليدي.

 

وبالفعالية ذاتها، شحنت بطارياتها يوم السبت الماضي بعدما وضعت قيادة الحزب يدها على جردة معطيات حول ما تعتبره تدخلاً من العهد في عمل المحكمة العسكرية، لتحوله مادة هجوم استثنائي ضدّ الخصوم. إلى أن تمكّنت في اليوم السادس والثلاثين من عمر الأزمة، من قلب المعركة رأساً على عقب. اذ بعدما استنفدت كل الوساطات ومحاولات التفاهم لتجاوز الخلاف حول المرجعية القضائية الواجب اعتمادها للنظر في القضية، بغية إخراج الحكومة من عنق التعطيل، اعتلى الوزير وائل أبو فاعور أمس أعلى منبر تصعيدي ليوجّه هجوماً مركّزاً على عهد الرئيس ميشال عون وفريقه السياسي.

 

بمعزل عما سرده الوزير الاشتراكي من “ارتكابات” نسبها إلى “رجال” الفريق العوني، فقد توجه أبو فاعور إلى رئيس الجمهورية بكلام كبير لم يسبق أن دوّن في السجل الاعتراضي بحق القصر: “اذا كنت على اطلاع ونحن نتمنى الا تكون فهذا يضع مصداقية ولايتك الرئاسية على المحك ويعرضها لأقصى الشكوك”… “وهذا سيحكم ما تبقى من ولايتك بمسار نعرف وتعرف بدايته لكننا لا نعرف ولا تعرف نهايته”.

 

يُلبس “التقدمي الاشتراكي” تصعيده لبوس الدفاع عن النفس ضدّ محاولات تحوير الحقائق من خلال الضغط على قضاة المحكمة العسكرية، كما جاء في المؤتمر الصحافي، محمّلاً خصومه مسؤولية هذا “التطور الدراماتيكي” الذي من شأنه أن يعلّق كل مبادرات المعالجة، أقله في المدى المنظور.

 

ولكن الموقف الدفاعي لا يحجب أبداً التساؤلات عن وجود حائط دعم اقليمي يسند جنبلاط ظهره اليه، بدليل تصلّب رئيس الحكومة سعد الحريري إلى جانبه وحرص رئيس “حزب القوات” سمير جعجع على مساندته. التصعيد رفع سقف المواجهة إلى حدوده القصوى، على نحو بات يهدد التفاهمات التي يرتكز عليها العهد، خصوصاً وأنّ سهام الانتقادات التي وجهها “الاشتراكي”، أحرجت كل القوى السياسية وفرضت واقعاً جديداً.

 

وفي هذا السياق يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:

 

– ركّز الحزب “التقدمي” هجومه على العهد وهو حيّد بالتالي “حزب الله” من “بنك أهدافه” كما تجنّب خصومه الدروز وتحديداً “الحزب الديموقراطي اللبناني” من احداثيات راجماته، حرصاً منه على اسقاط طابع النزاع الدرزي- الدرزي ليقينه أنّ الطابع المذهبي للمعركة “صراع مدمّر”.

 

– أعلن الحزب “التقدمي” وعلى نحو مباشر “المعركة” ضدّ عهد الرئيس عون عشية بلوغه عامه الثالث بعدما رفع منسوب المواجهة وبدّل في طبيعتها من خلاف حول المرجعية القضائية إلى صراع “وجودي” تحت عنوان تهديد الزعامة الدرزية.

 

اذ يقول بعض المطلعين على مواقف الاشتراكيين إنّ رئيس الجمهورية قدّم لجنبلاط ورقة “لوتو” من خلال تحويل باسيل إلى “ضحية” كمين مفترض، ما سمح للجنبلاطيين بفتح النار على العهد لكسر هيبته… وقد يكونون فعلوها.

 

– فرض التصعيد “الاشتراكي” قواعد جديدة سيكون من الصعب تجاوزها، لعل أبرزها احراج رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري الذي لم يعد بمقدوره التراجع عن السقف الذي رسمه جنبلاط، حيث بات مصير حكومته معلّقاً على مشنقة خلط الأوراق الحاصل.

 

– أعادت المواجهة وصل ما انقطع بين الأجنحة المتكسرة لقوى 14 آذار، ولو بعناوين مختلفة. لكن الأزمة فتحت الخطوط من جديد وبقوة بين ثلاثي بيت الوسط – المختارة – معراب.

 

– حتى الآن، يمكن القول إنّ الأزمة فكّت طوق جنبلاط الذي كان يعاني صبيحة الثلاثين من حزيران من عزلة فرضتها عليه الظروف، وصار شريكاً في أي تسوية ستحصل. الأهم من ذلك، أنّ التسوية تخطت بعد ما قيل أمس، أزمة الجبل، لتصير تسوية سياسية تتصل بما تبقى من عمر العهد.

 

بالنتيجة، نقل “الحزب التقدمي الاشتراكي” المعركة إلى مكان آخر. لم تعد الأمور محصورة بما حصل يوم “الأحد الأسود” في قبرشمون. باتت التسوية الرئاسية برمتها على المشرحة. دخل جنبلاط الملعب السياسي من جديد بقوة فارضاً نفسه زعيم المعارضة. وللتحديد أكثر: زعيم معارضة العهد.

 

بالنتيجة أيضاً، تعطلت لغة المبادرات ولم يعد بمقدور الرئيس نبيه بري تشغيل محركاته في المدى المنظور، خصوصاً وأنّ “التيار” لن يسكت على جردة الاتهامات التي سيقت بحقه، وهو المقتنع أنّ الاشتباك مع جنبلاط يساعده في لعبة شدّ العصب المسيحي خصوصاً وأنّ “صوفة” جنبلاط حمراء عند المسيحيين، وفق العونيين. وصار لا بدّ من خطة انقاذ سياسي تعيد احياء الحكومة.