IMLebanon

6 حزيران… إستكمال لـ17 تشرين أم خطاب متقدّم؟

 

«لا يمكن فصل الشأن المعيشي عن السياسي. السياسة هي فن إدارة الشأن العام. وبالتالي، إنّ أي انتفاضة بلا بعد سياسي لا معنى لها، وستتحول مجرّد «فشّة خلق». هكذا يعبّر عدد من تنظيمات الانتفاضة عن عناوين تحركهم اليوم في ساحة الشهداء.

إسقاط البعد السياسي على الانتفاضة، أمر ليس بجديد، لطالما آمن به البعض سرّاً من منظمي ثورة 17 تشرين. اليوم، يعتبرون أنّ الظرف السياسي إقليمياً ودولياً مُؤات لطرح عناوين سيادية كالمطالبة بنزع سلاح «حزب الله» لكسر «نموذج الحكم الذي أرساه بقوة سلاحه غير الشرعي»، بحسب تعبيرهم.

 

ويقول أحد منظّمي حراك 6 حزيران لـ»الجمهورية»: «إنّ غَض النظر عن المواضيع الخلافية كمَن يقود سفينة ويتناسى العاصفة التي تقترب منه، فيما هذه العاصفة ستمزّق السفينة وتغرق ركابها». لذا، من غير المنطق التغاضي عن طرح المشكلات الكبيرة، وخصوصاً ما يتعلق بسلاح «حزب الله»، بينما في السابق كان موضوع السلاح مطروحاً فلماذا لا يريدون طرحه اليوم؟

 

ويضيف: «عندما نطرح موضع السلاح لا يعني أننا نفتعل حرباً مع الحزب، بل نطرح المشكلة لنصل إلى حل قد يكون اليوم أو غداً أو بعد غد، فالسلاح مشكلة كبيرة في لبنان وسبب الأزمات في لبنان».

 

ويقول: «واعون تماماً أنه عندما نطرح مسألة حل مشكلة سلاح «حزب الله» يجب في المقابل إعطاء ضمانات للبيئة الشيعية، وبالموازاة إنتاج سياسة دفاعية يكون قوامها الجيش اللبناني في حال أردنا الدخول في مواجهة مع اسرائيل». ورأى أنّ «حزب الله» أخذ لبنان إلى المحور الإيراني ووضعه في عزلة عن العالم العربي والعالم الحرّ، فلم يعد يجد له ملاذاً آمناً، ولا دعماً من أحد، بينما في السابق عند الأزمات الكبرى، كانت كل الدول تقف إلى جانب لبنان».

 

ويشدد على أنّ «المواضيع يجب أن تكون متكاملة، وأيّ طرح منتقص لن يحقّق المَرجو منه، والانتفاضة اليوم لا قيادة لها ولا متكلّم باسمها، بل هي موزاييك، عبارة عن تنظيمات عدة، منها ما هو مترابط ومنها ما هو متباعد، وكل تنظيم فيها سيحمل العناوين التي يراها ضرورية». لذا، فليرفع كل طرف العنوان الذي يريد، المهم عدم الدخول في صدام مع الجيش أو مع القوى الأمنية، وان لا يتم الاعتداء على المراكز الحكومية والممتلكات العامة. لا نريد صدامات مع احد، ولا نقبل أيضاً بقمع الحريات، لكن لا يمكن فصل السياسة عن المطالب المعيشية».

 

هذه القراءة يؤيّدها مرجع حكومي سابق عايَش المرحلة السابقة منذ ثورة الأرز، ويؤكد لـ»الجمهورية»: «العناوين لا زالت هي نفسها، وطغيان العناوين السيادية في الـ2005، أي الحرية والسيادة والاستقلال، حملت ضمناً مطالب معيشية وأخرى لها علاقة بالحوكمة. كل المشاريع التي يُحكى عنها الآن كانت مطروحة سابقاً، ولكن كان يُصار الى التبرؤ منها». ويشدّد على انّ «العناوين السياسية يجب ان تبقى. نحن في حاجة للتأكيد على دور الدولة، بعيداً عن الدويلات التي تؤثر فيها. وهذا لا يعني اننا يجب أن نخوض حرباً مع «حزب الله»، بل يجب ان تكون الدولة صاحبة السلطة. عنوان الثورة يجب ان يكون نضالاً سلمياً. واذا لم يُصَر الى تنفيذ خطوات من اجل الاصلاح السياسي في لبنان ليس في الامكان حصول التغيير. من هنا، بات اتخاذ القرارات الجريئة والصحيحة ضرورة قصوى».

 

بعض الأحزاب تختلف في الآلية لتحقيق الهدف، ويقول مرجع حزبي لـ«الجمهورية»: «يشكّل تاريخ 6 حزيران استكمالاً لـ17 تشرين 2019، أي لخَط الثورة الأساسي، الذي حمل مطالب معيشية اجتماعية بامتياز. أمّا العناوين التي من المعلوم انها ستُطرح اليوم، السياسي منها يتعلّق برحيل رئيس الجمهورية أو تطبيق القرارات الدولية التي تنصّ على تسليم السلاح غير الشرعي للدولة، وتحديداً سلاح «حزب الله»، ومن هذه القرارات الـ1559، إلى طروحات تغيير النظام السياسي واعتماد العلمنة، كلّها عناوين ستؤدي إلى تَسييس الحراك، وانقسام اللبنانيين مجدداً، علماً أنّ هذه الشعارات قَسّمت اللبنانيين في السابق». ويوضح انّ «الخلاف اليوم ليس مع من يؤيّد «حزب الله» ومن هو ضده، أو من يؤيّد السلاح غير الشرعي ومن يعارضه، المشكلة معروفة، لكن معضلة السلاح لا يمكن الوصول إلى تفاهم حولها إلّا من خلال تَبدّل معطيات خارجية تؤثر على الوضع الداخلي. من هنا، من الخطأ أن تتحوّل الثورة كلها في اتجاه هذا المنطق، أي المطالبة بنزع سلاح الحزب، لأنّ هذا الطرح حاليّاً قد يضرب دينامية الثورة».

 

ويلفت إلى «أنّ الطرف الأكثر انزعاجاً اليوم من الانتفاضة، يتمثّل في تلك القوى المتحكمة بالقرار السياسي، وهذه القوى ترتاح اذا ذهبت الانتفاضة في اتجاه اعتماد شعارات وعناوين سياسية، تعطيها الحجّة لشدّ بيئتها وتحصين نفسها مجدداً، وتنفيذ هجوم مضاد على الانتفاضة، وتضع الثوار في خانة من يريدون استغلال المطالب المعيشية والاجتماعية لتنفيذ مآرب سياسية. فكل محاولات التسييس التي بدأت منذ 17 تشرين الأول على يد الأكثرية الحاكمة كان الهدف منها إجهاض الثورة وضرب ديناميتها. لذلك، من الخطأ رفع عناوين سياسية، علماً أنّ الكلّ في لبنان يعلمون أنّ المشكلة الحقيقية هي وجود سلاح «حزب الله» في الحياة السياسية، وأنّ الحزب يصادر البلد لتنفيذ أجندات لا تخدم مصلحة شعبه».

 

ويتابع المرجع الحزبي: «في ظل غياب التكافؤ وانعدام التوازن في الداخل اللبناني لا يمكن الوصول إلى حل لموضوع سلاح الحزب. لذلك، من خلال ثورة شعبية معيشية يمكن تحقيق نجاحات على الفريق الحاكم، والدفع نحو محاصرة «حزب الله» من الباب المعيشي، والذي يمكن من خلاله الحصول على تضامن ودعم كل المكونات الشعبية. فالعناوين السياسية تقسّم اللبنانيين، فيما العناوين المعيشية والاجتماعية توحّدهم».

 

هناك فريقان في لبنان اليوم، يقول الثوار الذين يجتمعون كل فترة على طاولة ثقافية ونقاشية وينتمون إلى مناطق لبنانية مختلفة، «فريق في جعبته كل الفشل والافلاس والفساد وهو فريق السلطة الحاكم. وفريق يحمل كل الأمل والتغيير وبناء المستقبل وهو فريق الثورة». هكذا أضحت الصورة بعد 17 تشرين الأول 2019، وهكذا ربما ستكون اليوم، سواعد آباء يحملون أطفالهم وعائلاتهم وشبّان وشابّات تنبض قلوبهم بصرخة واحدة: ثورة. فلا مجال لخيار ثالث، إمّا الثورة لبناء وطن، وإمّا منظومة الفساد والسلاح لهَدم ما تبقّى من الوطن.