IMLebanon

غارة القنيطرة: منعْ إيران من التحكّم بالحدود السورية – الإسرائيلية

أمنيون مطّلعون: مجموعة «حزب الله» كانت تحضّر لعملية واسعة ضد «جبهة النصرة»

غارة القنيطرة: منعْ إيران من التحكّم بالحدود السورية – الإسرائيلية

أسباب عدّة تحول دون التورّط باستدراج إسرائيل إلى الحرب في جنوب لبنان

في المعطيات المتوافرة لدى مطلعين أمنيين أن الجولة الميدانية التي كان يقوم بها قياديون عسكريون من «حزب الله» و«الحرس الثوري الإيراني» في الجزء الذي لا تزال قوات النظام السوري تسيطر عليه في القنيطرة، واستُهدفوا خلالها بغارة إسرائيلية، لم تكن تهدف إلى الإعداد لأي عمل عسكري أو أمني ضد إسرائيل، بل رصد مواقع «جبهة النصرة» التي تسيطر على أجزاء واسعة من  تلك المحافظة الاستراتيجية نظراً لوقوعها على خط التماس مع إسرائيل. هدف الجولة كان التحضير لعملية عسكرية كبرى ذات أبعاد مصيرية يضغط النظام السوري على حليفه الإيراني وذراعه العسكرية المتمثلة بـ «حزب الله» في اتجاه تنفيذها بغية استعادة المناطق التي خسرها في الأشهر الثمانية الأخيرة لصالح المعارضة المسلحة في القنيطرة ودرعا، ولا سيما  ريف درعا الغربي وريف القنيطرة الشرقي والجنوبي، خصوصاً سلسة التلال التي كانت تشكّل مرتكزات القوات السورية على هضبة الجولان بمواجهة القوات الإسرائيلية (تل الأحمر الشرقي وتل الأحمر الغربي وتل الجابية وتل الحارة وتل الجموع وتل  المال) وبعض المناطق ذات الطابع الاستراتيجي مثل مسحرة وتل مسحرة والحميديّة، والتي تشكل الآن منطلق هجوم «جبهة النصرة» على مدينتي البعث وخان أرنبه.

تلك العملية المرتجاة تسهم، من وجهة نظر أمنية، في حال نجاحها، بتأمين الحماية المطلوبة لدمشق - القلب النابض للنظام -  بما يشكله الاحتفاظ  بالعاصمة من دلالة معنوية كمركز للقرار السياسي، وذلك من خلال حماية خاصرتها الغربية، كون نجاح المعارضة بالسيطرة على القنيطرة امتداداً نحو الغوطة الغربية يسمح لها بتهديد العاصمة من الجهة الغربية، بعدما أخفقت المعارضة، على مدى السنتين الماضيتين، في إسقاط العاصمة من بوابة الغوطة الشرقية، ذات الامتداد الجغرافي مع  منطقة درعا الحدودية مع الأردن. لكن الأهم أن استعادة السيطرة على القنيطرة يوفّر ورقة استراتيجية مهمة للراعي الإيراني، الذي يعمل على تجميع القدر الأكبر من عناصر القوة لديه في اللحظة المصيرية من عملية التفاوض حول ملفه النووي الإيراني، ومشروع فرض الاعتراف به كقوة إقليمية وازنة في المنطقة وشريكاً في تقرير سياستها.

من هنا يمكن فهم مرامي الغارة الإسرائيلية وأهدافها بمنع سيطرة إيران على الحدود الإسرائيلية – السورية بعدما أضحت ممسكة بالحدود اللبنانية الإسرائيلية. وهي - أي الغارة - تُشكّل، وفق قراءة سياسية لمحور إيران – سوريا – «حزب الله»، رسالة واضحة المعالم ليس لهذا المحور فحسب بل للإدارة الأميركية الراهنة بأن تل أبيب جزء من  الشراكة الاستراتيجية بالاشتباك الحاصل على الأرض السورية، ورفضها تالياً أي تسوية لا تلحظ المصالح الإسرائيلية في هذا الإطار.

ويُدرج مطلعون أمنيون الاستهداف الإسرائيلي لموكب «حزب الله» – «الحرس الثوري الإيراني» في إطار العمل الأمني – الاستخباراتي، من ضمن الصراع المفتوح بين الطرفين. وهو ليس نتيجة توفره كهدف مفاجئ، ذلك أن هكذا نوع من الأعمال الأمنية لا يمكنه أن يكون وليد اللحظة من حيث المبدأ، فضلاً عن أن المعطيات المتوافرة لدى المعنيين تتجه إلى الاستنتاج بأن الضربة المُحكمة جاءت بفعل عمليات رصد متتالية، إذ أن المجموعة المستهدَفة سبق لها أن زارت المنطقة أكثر من مرّة.

هذه القراءة تدفع بالعارفين بآلية عمل «حزب الله» والمطلعين على مجريات ما يجري في «غرف القرار» إلى حصر أسس الرد المنتظر بعمل أمني – استخباراتي مماثل يطال رموزاً أو قيادات إسرائيلية. وهو رد يندرج بدوره في إطار الحرب الأمنية – الاستخباراتية أكثر منها في إطار العمل العسكري – الحربي. وعلى الرغم من حماسة الأصوات التي ارتفعت مطالِـبَـة بسرعة الرد، فإن طبيعة هكذا عمل لا يمكن التكهن بمداه الزمني ولا بمكانه، فهو رهن توافر الظروف المؤاتية لتوجيه ضربة موازية من حيث الحجم والصدى والتأثير.

أما الكلام عن رد عسكري يؤول إلى اشتعال جبهات القتال ولا سيما في جنوب لبنان، فهو أمر لا تتوفر عناصره لأسباب عدة. أولها عدم قدرة إيران، ومعها «حزب الله»، على فتح جبهات عدة في آن واحد، ما يجعل  المواجهة مع إسرائيل راهناً أمراً مستبعداً، في وقت تخوض طهران بواسطة أذرعها حروباً في العراق وسوريا،  وتُحرّك حوثيي  اليمن وحماس في غزة، وتتدخل في البحرين، وينغمس معها «حزب الله» في الحرب السورية بكل قواه، الأمر الذي يجعله غير جاهز، على مستوى القدرة القيادية، في إدارة معركتين سوياً، خصوصاً أنه يدرك شراسة الخصم وقوة ترسانته العسكرية وتفوّق سلاحة الجوي.

وثاني الأسباب التي تحول دون التورّط في استدراج إسرائيل إلى الحرب، تتمثل في الانهيار الاقتصادي الذي تعانيه إيران، مع انهيار أسعار النفط ، والذي يجعل فاتورة هكذا حرب مُكلفة، فضلاً عن حال التململ في الداخل الإيراني من الأزمة الاقتصادية وتداعياتها على المجتمع الإيراني.

أما ثالثها، فهو الحرص على استمرار مسار المفاوضات حول النووي وسط احتمالات التوصل إلى اتفاق نهائي مع أميركا والغرب حيال هذا الملف، الذي من شأنه أن يرفع عنها العقوبات الاقتصادية ويؤسس إلى نوع من الانتعاش الاقتصادي، والمكاسب السياسية، وقد تطيح الحرب، إذا وقعت،  بفرص التسوية.

وإذا كانت ثمة محاولة للإيحاء بأن الرد المُنتظر قد يأتي من الساحة السورية، حيث وقع الاستهداف، فإن تساؤلات تطرحها جهات سياسية حول ما إذا كان لدى الرئيس السوري القدرة على تحمّل مثل هكذا مغامرة، في وقت يدرك أن ما حمى نظامه - على رغم بشاعة الجرائم التي اقترفها منذ اندلاع الثورة - ليس سوى ماضيه الذي استطاع على مدى أربعين عاماً أن يوفّر الأمن على جبهة الجولان تحديداً، الأمر الذي كان يدفع بإسرائيل إلى رفض التفريط بالأسد وضمانته!