IMLebanon

هل تجمِّد العقوبات الأميركية مشاورات تأليف الحكومة؟

 

بينما يواصل الفرنسيون من خلال ممثليهم المقيمين في قصر الصنوبر او المتواجدين في فرنسا متابعة عملية تشكيل الحكومة ويضعهم الرئيس المكلف مصطفى أديب بتفاصيل مفاوضاته مع الاطراف المعنية، اعلنت الخزانة الاميركية عن عقوبات جديدة استهدفت المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل وممثل تيار المردة الوزير السابق يوسف فنيانوس. تلقف بري الاعلان الاميركي ليقول للأميركيين ان “الرسالة وصلت” ويفتح صفحة جديدة في التعاطي معهم.

 

جاءت اولى خطوات الرد من حيث الشكل بالإعلان عن استقبال رئيس مجلس النواب معاونه السياسي في عين التينة وهو الذي يزورها عادة في اليوم الواحد اكثر من مرة. واذا كان هدف العقوبات اقصاء المعاون السياسي عن دوره كمفاوض في تشكيل الحكومة، فهي اعطت مفعولاً عكسياً لدى بري وداخل حركة “امل” كما لدى الحلفاء بحيث سيحتل اي نشاط يقوم به خليل الصدارة وسيتابع عمله كمفاوض في عملية تشكيل الحكومة.

 

ثقيلة جاءت “مزحة” العقوبات وقد تلقفها بري على طريقته وخاطب الاميركيين بلغة “فهموا ابعادها وخلفياتها”. تسببت تلك العقوبات بزيادة تعقيدات اضافية على تشكيل الحكومة. استهدفت تيارين اساسيين احدهما رئيسي ويمثل بري في المشاورات. وقد تعاطى معه رئيس مجلس النواب بمثابة عدوان عليه. بدا ذلك جلياً في لغة البيان الذي صدر عن حركة “امل” واللهجة التي صيغ بها والتي تظهر بوضوح لمسات بري واسلوبه في الصياغة كما في التوجهات.

 

تعمد ربط العقوبات بملف ترسيم الحدود ليكشف عن عملية ابتزاز اميركية المقصود من خلالها دفع لبنان لتقديم تنازلات، واللافت ان الاشارة الى هذا الامر وردت في البند الاول من بيان رد هيئة الرئاسة على العقوبات الاميركية، معطياً بذلك أبعاداً تستهدف البيئة المحيطة بالمقاومة على المستوى السياسي المتمثلة بالحليف الاقرب نبيه بري والحليف المسيحي التاريخي لـ”حزب الله” سليمان فرنجية. اما البعد الثالث والابرز فهو في توقيت هذه العقوبات وتزامنها مع المبادرة الفرنسية فهل كان الهدف قطع الطريق عليها ليكون اول تردداتها تعقيد ملف تشكيل الحكومة واعادته الى ما قبل المربع الاول. ولا يغيب عن بال المتابعين الدور المركزي الذي يقوم به بري في جمع الشمل الفلسطيني وتركيزه على تسوية سياسية بين السلطة الفلسطينية وحركة “حماس”. وكان آخرها استقباله رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” اسماعيل هنية في بداية زيارته للبنان التي ترافقت مع تفعيل حركة التطبيع بين اسرائيل وبعض الدول العربية برعاية أميركية.

 

ورغم كل الضجة التي أثارتها، لم يكن واضحاً بعد ما اذا كانت العقوبات الاميركية منسقة مع الفرنسيين أم هي انقلاب على مبادرتهم. ومن الناحيتين تم التعاطي معها على كونها رسالة أميركية واضحة: غير مسموح للشيعة تسلم وزارة المالية، ولحليف “حزب الله” المسيحي تسلم وزارة الاشغال (المرفأ والمطار والمعابر). يمكن للعقوبات ان تفيد الفرنسي بالضغط لتسريع تشكيل الحكومة ويكون بمثابة كاسحة الغام لتحقيق هذا الهدف، أما اذا كان العكس اي أنها خطوة اميركية من دون تنسيق مع الفرنسيين فحينذاك لا يستبعد ان ينسحب “حزب الله” من التسوية على اعتبار ان الفرنسي لم يستطع لجم الضغط الاميركي عليه. فهل يمكن للمشاورات المتعلقة بتشكيل الحكومة ان تستأنف متجاوزة العقوبات الاميركية ام ستكون سبباً مباشراً لتجميدها؟

 

احتمال وارد ولو لم يحسم بعد، لكونها استهدفت مفاوضاً رئيسياً وهو ممثل الرئيس بري علي حسن خليل. في الاساس كانت تعقيدات تشكيل الحكومة كثيرة ومتعددة، وكان الرئيس المكلف مصطفى أديب متمسكاً بالمداورة في الحقائب وبحكومة من 14 وزيراً ويتولي توزيع الحقائب وفق ما يراه مناسباً، وبعد العقوبات بات الثنائي الشيعي أكثر تمسكاً بالمالية من ذي قبل، وتؤكد مصادر قريبة من الرئيس بري ان البيان حمل تأكيده بعدم السير بمنطق الضغط اياً كانت هذه الضغوطات، واذا كان “القصد تغيير الموقف في موضوع الحكومة والترسيم او اي موضوع آخر فقد قال لهم الرئيس بري اخطأتم العنوان ومثل هذا الضغط لن يدفع الى تقديم تنازلات لا في الترسيم ولا في الحكومة. نحن لا ننجر وقد سهلنا امر الحكومة وفي موضع الترسيم لم يكن ينقص الا الاعلان لكنهم هم من تخلف عن الرد”، مستبعداً ان تؤثر العقوبات على مفاوضات تشكيل الحكومة “لن تتوقف. وسيتابع الرئيس بري بموضوع الحكومة مقدماً كل التسهيلات اللازمة بهدف انقاذ البلد رافضاً الانصياع لاي ضغوطات مهما كان نوعها”.

 

الجو المتشائم قابله موقف متفائل يقول اصحابه ان الرئيس المكلف يمضي قدماً بتشكيل حكومته بغض النظر عن العقوبات وهو يسير بناء على النصيحة الفرنسية بتشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبية وان الاطراف مجبرة على تسهيل مهمته على هذا النحو والّا يتهمون بالعرقلة، وسط توقع ان يحمل أديب الى رئيس الجمهورية في زيارته المرتقبة خلال ساعات تشكيلته الحكومية للتباحث بشأنها. قد يكون مثل هذا الكلام اغداقاً في التفاؤل في جو اوحى أمس ان حكومة دياب قد تكون آخر حكومات العهد وان الآتي اعظم مع نية اميركا اصدار حزمة عقوبات جديدة.