IMLebanon

إنعدام المناعة

عاد الاستحقاق الرئاسي الذي غاب عن السمع في الأسبوعين الماضيين بالنظر لإنشغال السياسيين، بتداعيات القرارات العربية ضد حزب الله ومن ثم الانسحاب الروسي المفاجئ من سوريا على إيقاع المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة وتقودها روسيا والولايات المتحدة الأميركية، وعلامات الاستفهام الكثيرة التي طرحها الاعلان الكردي بإقامة حكم ذاتي وعلاقة هذا الإعلان بما صدر سابقاً عن مسؤولين روس من تصريحات عن وجود اتجاه دولي لتقسيم هذا البلد إلى كونفدراليات كأفضل الحلول المطروحة لوقف حمام الدم الجاري منذ خمس سنوات، نقول عاد هذا الاستحقاق إلى الواجهة في ضوء ما نسب إلى مسؤولين في حزب الله عن أن مرشحهم الوحيد لرئاسة الجمهورية لا يزال رئيس تكتل التغيير والإصلاح الناب ميشال عون ليترك انطباعاً عاماً بأن كل هذه التحولات التي تشهدها المنطقة ولا الدعوات التي اطلقها فرقاء 14 آذار للتعجيل في انتخاب رئيس جمهورية، لم تحدث أي تغيير في مواقف الحزب بالنسبة للأوضاع الداخلية بل زادته تمسكاً بالمضي في قرار منع انتخاب الرئيس بالوسائل الديمقراطية المتاحة لإبقاء هذا البلد رهينة بين يديه يساوم عليها في المعركة الإقليمية التي أصبح شريكاً أساسياً فيها وفي كل ما يترتب عليها من تداعيات، سواء على مستوى المنطقة أو على مستوى لبنان الذي لم يعد بمنأى عنها بإرادة منه وليس بإرادة الدولة الشرعية.

والكلام المنسوب إلى الحزب معناه أن لا إنتخابات رئاسية في الجلسة المقبلة لمجلس النواب، كما توقعت قيادات 14 آذار ولا إنتخابات قبل أن تنجلي صورة المفاوضات بين المعارضة السورية والنظام، وعلى أي قاعدة ستستقر وهل انها ستبوء بالفشل وتسقط الهدنة بين الطرفين كما هو متوقع، ويعود القتال بين المعارضة بكل أطيافها والنظام الذي يقول المسؤولون الروس انهم وفروا له كل مستلزمات الصمود وحتى مستلزمات الأرض، خصوصاً وأن الحزب لا يزال يراهن على فشل هذه المفاوضات بقدر ما يراهن على استمرار الدعم الروسي للنظام وعلى أن انسحابه من سوريا تكتكي وليس استراتيجياً على حدّ قول موسكو نفسها بعيد بدء سحب طائرات السوخوي من قواعدها العسكرية في سوريا.

ويبدو في هذا السياق ان السبب عودة الاستحقاق الرئاسي إلى الواجهة مرده في الدرجة الأولى إلى القلق الذي بدأ يساور العديد من القيادات السياسية على الوضع الأمني الهش في الأساس من أن ينفلت ويغرق لبنان في الفوضى العارمة التي تؤدي حتماً إلى حرب مذهبية وطائفية معاً،خصوصاً وأن التقارير الأمنية التي ترفع يومياً إلى المسؤولين والرسميين، تتحدث كلها عن هشاشة هذا الوضع ودقته وعن عدّة إحتمالات بعضها محسوب نتيجة حتمية للتحولات التي تشهدها المنطقة، لا سيما في حال فشلت المفاوضات بين المعارضة والنظام السوري التي لن يكون بديل لها على حدّ قول ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة دي ميستورا سوى الحرب، ما يعني أن المنطقة في حال فشلت المفاوضات مقبلة كلها على حرب مفتوحة، وعلى حمامات من الدم تنزف في معظم الدول العربية، بما فيها لبنان الذي يشكو أساساً من انعدام المناعة نتيجة لانقساماته الداخلية وإصرار حزب الله على ربط مصيره بمصير المنطقة كلها وبمصير النظام في سوريا على وجه الخصوص.