IMLebanon

«أل بي سي» في المحكمة… «حقها دم»!

   

سيكون على مَن يُهمّه الأمر أنّ ينتظر أربعة أشهر لمعرفة مَن سيفوز بمحطّة «أل بي سي (إنترناسيونال)». عُقِدت أمس جلسة المرافعة، أي الأخيرة، أمام القاضية المنفردة الجزائيّة في بيروت. بدت الجلسة رتيبة في القضيّة العالقة أمام القضاء منذ أكثر مِن عشر سنوات. هي بعض مِن تركة الحرب الأهليّة… التي لم تنتِه بعد

 

صادف، أمس، أنّ الصباح كان ماطراً. السماء ملبّدة. بالكاد يدخل الضوء إلى القاعة. لون الفضاء أصفر. تلك القاعة، منذ «مليون» سنة، بلا سقف تقريباً. كأنّ قذيفة، مِن حقبة الحرب الأهليّة، أصابتها. لسببٍ ما لا أحد يُصلحها. جلسة كئيبة بامتياز. كان على القاضية فاطمة جوني، أمس، أن تستمع إلى كثير مِن حكايات «المجتمع المسيحي». الخصمان، كلاهما، جهدا أمامها في شرح أدبيّات حقبة الحرب الأهليّة في ذاك «المجتمع». المحامي النائب جورج عدوان، هنا، كان وكيلاً عن سمير جعجع و«القوّات اللبنانيّة». لم يحضر جعجع الجلسة، لكنّ «القوّات» حضرت، وقد شوهدت «منتشرة» خارج قاعة المحكمة بثياب سود وعضلات. أمّا المحامي نعوم فرح فكان، هنا، وكيلاً لبيار الضاهر و«المؤسّسة اللبنانيّة للإرسال إنترناسيونال». الضاهر كان حاضراً في الجلسة، وكذلك المؤسّسة المذكورة، إذ شوهدت تغطّي الحدث بواسطة الصحافيّة «يو شود نو» وآخرين. امتلأت القاعة بالحاضرين، أكثرهم مِن المحامين، الذين حضروا لكسب الخبرة وما إلى ذلك.

في الشكل، ظهر جورج عدوان كمحامٍ أفضل مِنه كنائب. بدأ مرافعته. يحرّك يديه بالتناغم مع كلماته. يلتفت. يؤدّي جيّداً. هذه جلسة المرافعة الأخيرة. في المضمون، عدوان يُخبر القاضية أنّ جعجع، وكذلك «المجتمع المسيحي» عموماً، قاطع الانتخابات النيابيّة عام 1992. يروي لها أنّ «محطّة «أل بي سي» كانت السلاح في معركة المقاطعة تلك، فهل يوجد عاقل يتخلّى عن سلاحه الذي ربّحه المعركة ضدّ الوصي السوري. هذه المحطّة هي للقضيّة فهل تُباع؟». مسكينة القاضية جوني. ما علاقة كلّ هذا بمَن يَملك أو مَن لا يَملك؟ حاولت مراراً، مشفوعة بابتسامات، أن تحصر كلام المرافعين ضمن «القضيّة» المعروضة أمامها. لم تنجح كثيراً. راح عدوان يُخبرها، أكثر، عن «الإنسان المسيحي والمسيحيين» وهكذا. بدا أنّ هذا يُعزّز أقوال خصمه، الضاهر، الذي سجّل في محاضر سابقة قوله: «أنا لم أكن لأقبل بإدارة محطة تلفزيونيّة تابعة لميليشيات، لأنّ المحطة تعتمد سياسة الانفتاح على كلّ اللبنانيين». حاول عدوان تفنيد ذلك بأنّ «القوّات» لديها أفضل العلاقات مع كلّ القوى السياسيّة. هنا تبتسم القاضية، قائلة: «الله يديم المحبّة». أخيراً، قرّر المحامي (النائب) أن يختم مرافعته بما يظنّه فصاحة أدبيّة عالية: «نحن نعرف كيف نقاوم في زمن الحرب، وكيف نسالم في زمن السلم. لا يوجد حقيقة تختفي». مَن قال له ذلك؟ هناك حقائق كثيرة في التاريخ تظلّ مخفيّة. مثلاً، مَن اغتال، برأيه، رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي؟ ربّما هذه مسألة لا علاقة لها بـ«المجتمع المسيحي». صحيح، لنعد إلى ذاك «المجتمع»… أو بالأحرى إلى الجلسة.

تراجع عدوان إلى الخلف وجلس بين جماعته. تقدّم زميله، المحامي نجيب إليان، بوكالته عن جعجع و«القوّات» أيضاً، وقدّم مرافعة رتيبة. أسهب في الحديث عن أشياء غير مترابطة. تثاءب بعض الحاضرين. تثاءبت جدران القاعة الباهتة. كان لافتاً في مرافعة إليان قوله: «محطة «أل بي سي» مشروع سياسي حزبي. هناك شهداء. المحطّة حقها دم». فجأة، التفت فلم يجد خصمه، الضاهر، واقفاً إلى يمينه. رآه جالساً. توجّه إلى القاضية طالباً أن تطلب مِن الخصم أن يقف: «هياه عم يلعب بالتلفون». بدت حركة «بايخة» مِن المحامي. وقف الضاهر مع أنّ القاضية لم تطلب مِنه ذلك، بل قالت: «للجميع، الوقوف مش مهم عندي، أنا احترامي عموماً أستمده مِن نفسي».

 

وكلاء جعجع قالوا إنّ المحطّة مشروع سياسي حزبي وهي تابعة لـ«القضيّة»

 

جاء دور فريق الدفاع. المحامي نعوم فرح، وكيل المحطّة والضاهر، طلب إخراج المحطّة مِن الادّعاء «لأنّ يَلّي عم يصير هرطقة قانونيّة. كذلك نطلب المحافظة على الملكيّة الخاصّة. لم يكن هنالك شيء اسمه القوّات اللبنانيّة، كهيكليّة تنظيميّة (في ثمانينات القرن الماضي)، بل كانت ضمن تحالف قوى وأحزاب منضويّة في «الجبهة اللبنانيّة». الرئيس بشير الجميّل أعلن فور انتخابه رئيساً للجمهوريّة أنه سيحلّ القوّات». شبابيك القاعة المخلّعة، وهي قريبة مِن الطريق العام، تجعل القاضية تطلب، مع كلّ بوق تطلقه سيّارة، أن يُعيد المُتكلّم ما قاله لأنّها لم تسمع. لا «مكيّفات» في القاعة. عندما «شوّبت» القاضية طلبت مِن أحدهم أن يجلب المروحة «لأن الجلسة مطوّلة». تابع المحامي فرح كلامه: «لو كان هناك إمرة عسكرية من جعجع على الضاهر (في القوّات)، هل كان الأخير تجرّأ على الاستقالة من إدارة المحطة في العام 1989؟ الآن يُحدثون جوّاً سياسيّاً ضاغطاً لكنه لن ينفع. عقد التفريغ، أي البيع، لمصلحة بيار الضاهر جرى توقيعه بعلم جعجع وموافقته».

أخيراً، القاضية جوني، التي بدت لطيفة فوق العادة مع الطرفين، أخذت الكلام وتحدّثت عن أنّها «ليست مِن النوع الذي يقبل التدّخل، لديّ مناعة مطلقة، وحياديّة، مع علمي أنّنا لسنا في مدينة فاضلة، ولكن مَن لديه شكّ فليقل وأنا عندها لا أحكم في القضيّة». كان واضحاً أنّها تُريد أنّ تتخلّص مِن هذه الأجواء. قالتها بوضوح: «بدّي أخلص مِن هالملف». أعطاها الطرفان الثقة وقرّرا المضي معها. موعد صدور الحكم النهائي سيكون في 28 شباط المقبل. انتهت الجلسة.