IMLebanon

كُفّوا حملاتكم… الجيش ضمانة الدولة والسيادة

 

كانت ملفتة ومؤلمة الحملة على الجيش اللبناني في الأيام الأخيرة. وهي مسألة تتكرّر بين حين وآخر فتصيب هيبة إحدى المؤسسات القليلة التي ما زال اللبنانيون يجتمعون حولها ويراهنون على دورها في قيام دولة السيادة والقانون.

 

لماذا التطاول؟ فالجيش ليس خطاً أحمر، وشعار “الجيش هو الحل” يبقى تافهاً مثل الذين أطلقوه. كذلك فإن اللبنانيين سئموا رسم هالات حول “القائد” و”المخلّص”، ولم يجنوا منها سوى شعبوية مدمّرة أغرقت البلاد نهائياً مع وصول الجنرال ميشال عون الى مبتغاه.

 

لا أحد يتمنى تكرار المآسي التي خلّفها وصول الضباط والجنرالات الى السلطة في العالم العربي وفي دول العالم. فأينما تلألأت تلك النجوم اختنقت الديموقراطية وازدهر الاستبداد وانتهت الأوطان عموماً الى ما يشبه ليبيا بعد نهاية القذافي وما هي عليه حال السوريين من وضع لا تشتهيه للأعداء. فلماذا يستهدف جيش لبنان غير الطامح بأدوار تفوق قدراته ولا قائده طامع بكرسي بعبدا المحجوز لخيارات “حزب الله”؟

 

ربما من حسنات النظام الطائفي في لبنان انه منع زمرة ضباط من أخذ البلاد الى سلطة عسكريتاريا. فتلوّنت تجارب الجنرالات الذين وصلوا الى رئاسة الجمهورية بالتسويات او تطعّمت بما أملته التوازنات وتركيبة السلطة. من هنا واجب الاصرار دوماً على تحييد الجيش عن صراعات مافيا السلطة وأهداف المحاور الاقليمية لتبقى لنا مؤسسة على الأقل تضمن وحدة اللبنانيين وأمنهم وترد عنهم أي عدوان على الحدود أو في الداخل.

 

كثيرة هي الانتقادات التي يمكن توجيهها الى المؤسسة العسكرية بدءاً من كمية العمداء وكأننا في الصين، وصولاً الى الامتيازات غير المبررة، وانتهاء بواجب اعادة هيكلة تجعل من الجيش آلة ديناميكية شابة وليس مرتعاً لمترهلين او مؤدّي خدمات عند “المدامات”. ولا بدَّ من تكرار مطلب الغاء المحكمة العسكرية التي ما عادت موجودة في الدول الديموقراطية الا لحل شؤون العسكريين والتي لا تشجع أحكامها على السكوت عنها.

 

كل ما تقدم من مطالب اصلاحية لا يبرر الحملة المشبوهة على الجيش وقائده خصوصاً في جريمة المرفأ. وليس الجيش ولا قائده فوق المساءلة بالتأكيد ومن واجب التحقيق إظهار المسؤوليات، غير ان سيرة قائد الجيش الحالي لا تشير حتى الآن الا الى مناقبية عالية ووطنية صادقة وإيمان بالثوابت اللبنانية والخضوع للسلطة السياسية والنشاط الدائم لمحاسبة الفاسدين في المؤسسة وإبعادها عن المحسوبيات.

 

على عاتق القاضي صوان أو من يحلّ محلّه استدعاء أو اتهام من يشاء بلا استثناء، لكن خارج هذا الاطار لا تخدم الحملات على الجيش إلا منطق “الخروج على الدولة” والدويلات. وهي حين تقلّل من قيمته ترفع من قيمة الميليشيات وتبرّر الأمن الذاتي، وتضرب رغبة أكثرية اللبنانيين بحصر السلاح وقرار السلم والحرب في الشرعية وبلا شريك يأخذ البلاد الى المغامرات ويثير الحساسيات، ويفتح الباب للمطالبة بمثالثة وكانتونات او تدمير “اتفاق الوفاق”.