IMLebanon

الفراغ القاتل يضرب في المناطق السنية ويهدِّد الاستقرار

التعاون التنموي والاجتماعي بين المؤسسات المدنية والجيش مسار حتمي للإنقاذ

 

كلّما أوغل اللبنانيون في جهنم العهد، ازدادت سخونة الأوضاع الاجتماعية وارتفعت حرارة الالتهاب في الجسم الوطني، وتكاثرت مؤشرات التفسّخ والانحلال في جسم الدولة وفي أطراف الوطن، بينما تتكتّل بعض الطوائف لتأمين وجودها وبقائها، في حين يقف أهل السنة في مساحة خاوية لا شيء فيها سوى الفراغ والخراب واحتمالات التصادم الداخلي في غياب أيّ مبادرة لاحتواء الأوضاع المتدهورة، وفي ظلّ إفلاس كامل للرؤساء والأحزاب السنية، كشفته الأزمة الراهنة.

ad

 

وبينما برز اجتماع القيادات الدرزية ببعده السياسي والاجتماعي كنموذج للتضامن والتكافل وتحمّل المسؤولية، كان التساؤل الأكبر عن ما يسمى القيادات السنية: ماذا تفعل وما هو دورها في تخفيف وطأة الكارثة التي تحلّ بمجتمعهم وهو في سباتهم يغرقون.

 

يقف أهل السنة اليوم أمام مشهدين:

 

المشهد الأول: الانزلاق إلى الفوضى، وهو اتجاه يعمل عليه خصومهم، وينزلق فيه «زعماؤهم» الذين يمتلكون القدرة والجرأة على النقاش في مستقبلهم الانتخابي، متجاهلين المصير الأسود الذي يتخبّط فيه ناخبوهم ومصدر شرعيتهم السياسية والوطنية.

 

المشهد الثاني: التماسك المجتمعي المؤسساتي البعيد عن عجز السياسيين، وهو اتجاه سينمو كلما ازدادت الأزمة قسوة وعتوّاً.

 

وبين هذين المشهدين، يقف الجيش اللبناني حامياً الاستقرار، ومحاولاً مقاربة الشأن الإنساني والتنموي الحياتي من منظور تعاوني مع مؤسسات المجتمع.

 

وبالنظر إلى أنّ المجتمع الدولي، ومنه العربي، يحصر ثقته بالجيش اللبناني، وينفتح على التعاون مع المؤسسات المدنية التنموية والإنسانية، فإنّ عمل المؤسسة العسكرية يمكن أن يتكامل مع عمل المجتمع المدني بشكل وثيق ومنتج، نظراً لخروج السلطة عن تحمل مسؤولياتها في توفير حاجات الجيش ومتطلبات المجتمع.

 

لن تكون الطبقة السياسية مرحبة باحتمالات التعاون بين الجيش والمؤسسات المدنية في مجال الخدمات الإنسانية والاجتماعية، بل ستقف سداً منيعاً لتعطيل هذا التقارب، وستعمل على إعاقة مسيرة الجيش في فرض الاستقرار وإنبات الاضطرابات واختلاق الأحداث الصدامية التي تسعى لتشويه صورة الجيش ووضعه في مواجهة المواطنين، كما يحصل في طرابلس منذ مدة ليست بالقصيرة.

 

لا يحمل تيار المستقبل ارتياحاً لتوسّع مساحة عمل الجيش في الشأن الاجتماعي، لأنّ التيار الأزرق يريد الاستمرار في احتكار الشارع السني، ولا يرضى أنّ تظهر خيارات أخرى للناس تخرجهم من الطريق الآحادي الاتجاه الذي يفرضه على جمهور السنة، خاصة أنّ دور الجيش ليس سوى ترجمة لما تبقى من الدولة، بسلوكه ومنطقه وسلوكه الوطني الراقي.

 

أما التيار الوطني الحرّ فإنّه بطبيعة الحال يحسب كلّ صيحة عليه، ولا يرى سوى كرسيّ الرئاسة هاجساً لرئيسه النائب جبران باسيل، حيث تهيّئ له خيالاته أنّ كلّ ماروني منافس له، وأنّ قائد الجيش العماد جوزاف عون، كلّما تحرّك أو نطق، إنما يراكم عليه مخاطر في سباق الرئاسة المحفوف بجهنم.

 

في كواليس المحافل السياسية يتسرّب رفض «حزب الله» لجولات قائد الجيش الخارجية، ويصل إلى مسامع الدائرة الضيقة المحيطة برئيس الجمهورية أنّ استقبال العماد جوزاف عون الرئاسي في قصر الآليزيه، خارج عن الأعراف وعن القانون، وأنّ زيارته التي سبق أن أُعلن عنها إلى واشنطن غير مستساغة، خاصة مع تلمّس الحزب أنّ توجه الجيش يقوم على حفظ السلم الأهلي، وعدم الدخول في المنازعات السياسية أو الاستراتيجية المتعلقة بالسلاح، ويحصر جهوده في تعزيز الاستقرار ومكافحة التهريب والسعي إلى مزيد من ضبط الحدود، وهذا الاتجاه رغم أنّه لا يحمل أي عنوان صدامي، غير أنّه يتضارب مع مصالح الحزب القائمة على تسييب الحدود وإطلاق التهريب.

 

إنّ بقاء الجيش خارج دائرة الفساد، واستقطابه ثقة اللبنانيين وثقة المجتمع الدولي، أمر يزعج التحالف الحاكم، وكلّ مؤسسة وكل حزب غير فاسد، داخل الدولة وخارجها، هو عنصر إزعاج لـ»حزب الله» وحليفه في الحكم، مستذكراً أن النظام السوري كان يعمّم حالات الفساد ليُحكموا قبضتهم على مفاصل السياسة في لبنان، وهذا يتكرّر اليوم.

 

ليس أمام اللبنانيين بنخبهم وجمهورهم، وليس أمام أهل السنة بشكل خاص، سوى الالتصاق بالجيش والانخراط في حوارات موسعة مع قيادة الجيش، وهذا يشمل الجمعيات والمؤسسات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية، للوصول إلى رؤية مشتركة يتوجهون بها إلى الداخل اللبناني كنموذج للإنقاذ، وإلى الخارج العربي والدولي كنموذج للثقة والكفاءة والاقتدار على إدارة الخروج من الأزمات والكوارث.

 

يبرز النموذج السوداني كحالة هي الأقرب إلى الحالة اللبنانية، من حيث عنوان التفاهم بين الجيش والمجتمع المدني على إدارة المرحلة الانتقالية، مع أخذ الفارق السياسي والاجتماعي والتاريخي بعين الاعتبار، لكنّ الجامع المشترك هو سقوط الطبقة السياسية ووجود قوى مدنية تواقة للتغيير، واقتناع الجيش اللبناني بضرورة الحفاظ على الديمقراطية وعدم وجود طموحات بعسكرة الحياة العامة.