IMLebanon

حذارِ جرَّ الجيش

 

 

 

لا ندري نوعية الحسابات التي أجراها “حزب الله” حين قرّرت المحكمة العسكرية استدعاء رئيس “القوات” الى وزارة الدفاع، في خطوة يصعب ألا تذكّر بتركيبة “سيدة النجاة” وبالأدوار المباشرة فيها وتلك التي تحت الغطاء.

 

ومع الاعتقاد بأنّ “الحزب” يدرس خطواته ويضع اهدافاً محددة، بعضها للمناورة ومعظمها للتنفيذ، فلقد فاته أن حادثة عين الرمانة رصدتها الكاميرات، وأنّ “توليفة” إلباس سمير جعجع ثوب المتهم الوحيد في “زاروب الفرير” لم تقنع معظم اللبنانيين والأكثرية الساحقة من المسيحيين، بعدما شوهد الحدث بالعين المجردة وبدت نظرية الكمين هي المدبَّرة.

 

لا يمكن أن يكون “الحزب” قد استسهل التصويب على “حزب القوات” ورئيسه في آن، ولا تجاهلَ واقع أن التوتر بين الجماعات يلغي الفروقات داخلها لمصلحة غريزة البقاء، لكن “الحزب” على ما يبدو مصمّم منذ وقت طويل على توجيه “ضربة قاطعة” الى “العصب” النابض بـ”لا”، بعدما هضم “طعْجَ” سائر المكونات ودانت له المؤسسات الرسمية وصار المسترئسون واقفين على أعتابه كما فعلوا عند غازي كنعان.

 

في رغبة “حزب الله” التخلّص من خصمه السياسي الأساسي المنادي بوحدانية السلاح خطرٌ لا يشبه على الاطلاق حوادث شويا وخلدة و”7 أيار”، ولا بساطة قمع ثورة “17 تشرين” التي مثّلت مدنية “الرأي العام” وتوق اللبنانيين الى دولة القانون من غير أن تمتلك أنياباً ولا مرجعية تاريخية. فـ”المعركة” مع “حزب القوات”، بغض النظر عن طبيعتها ونتائجها، تُحوِّل “حزب الله” طرفاً في “الحرب الأهلية” بمفعولٍ رجعي، وتستحضر تاريخاً من الدموع والدماء لا يعود الى هذه الحرب قبل نحو خمسين عاماً فحسب، لكنه مستعد للرجوع قروناً طويلة الى الوراء وفتح باب مظلومية وبطولات يصير فيها التصويب على جعجع استهدافاً وجودياً لطائفة مؤسسة للكيان.

 

واضح أن صبر “حزب الله” نفد من قدرة “القوات” على التنظيم وكسب الشارع المسيحي في وقتٍ يتراجع حليفه البرتقالي على المستويات كلّها خصوصاً قبل استحقاق الانتخابات. لكن “الحزب” في سبيل تحقيق مبتغاه لم يأخذ في دربه المحكمة العسكرية المتهمة أصلاً بالانحياز فحسب، بل وضع مؤسسة الجيش في وضعٍ صعب وكأنه على وشك أن يخيّرها، اذا احتاج، بين مواجهة فئة لبنانية ذات حيثية سياسية وطائفية وبين وضعها في دائرة “القبع” والحملات. وهو مسارٌ يرفضه كل لبناني يراهن على هذه المؤسسة الجامعة لتبقى موئلاً للوطنية في خدمة الدولة السيدة وليست أداةً في يد فريق أو منظومة أو محور اقليمي.

 

يبدو “حزب الله” في هذا الاتجاه كضارب “صولد” يبغي ربحاً كاملاً مهما كلف من أثمان، علماً بأن اللعب على الهاوية غير مأمون العواقب، إضافة الى أنه لا يدوم الا الحلال. فحذار جرَّ الجيش الى مواجهات واستخدامه لضرب فريق وتكريس هيمنة مرفوضة تُناقض العقد التأسيسي بين اللبنانيين قبل أن تدمّر فكرة لبنان من الأساس.

 

هذا جيش كلّ لبنان ولن يكون إلا حامياً للدولة والديموقراطية وضماناً للسلم الأهلي ومنعة الكيان.