IMLebanon

دماء القوى العسكرية والأمنية ليست برخيصة بل أسمى وأنقى من دماء تجار المخدرات والخارجين على القانون

 

 

 

ما كنت أحسب أنني بعد ان طلبت اعفائي من مهام رئاسة مكتب مكافحة المخدرات أنني سأتطرق لموضوع المخدرات النتن يوما من الايام، وقد قدمت جل ما استطعت تقديمه خلال خدمتي في هذا المكتب، مُسخرا كل ما أمدني الله به من قدرات جسدية وفكرية وعزم وجسارة للقيام بالواجبات الملقاة علي اخلاقيا قبل ان تكون قانونية وانسانية قبل أن تكون مهنية – مسلكية، واستكملت واجباتي بكتابة ونشر كتاب بعنوان المخدرات «ماهيتها، مخاطرها، اطر مكافحتها». إلا ان ما حصل ويحصل يوما بعد يوم يدفعني مكرها للتطرُّق إلى هذا الموضوع، لأنني أعي جيداً أهمية التصدي لهذه الآفة اللعينة، ومدرك لحقيقة مخاطرها على الوطن وابنائه، كما انني مطلعٌ على معوقات التصدي لها بفعالية.

وها أنا اليوم أجد نفسي مدفوعا للكتابة بعد أن آلمني مرور خبر استشهاد عنصر من الجيش اللبناني، وأن حالة جريحين آخرين من زملائه حرجة، ونفاذ تاجر المخدرات والمطلوب للعدالة ومن آزره بعملية الاعتداء على الجيش اللبناني بفعلتهم، وأكثر ما استفزني ذاك الصمت الاعلامي حيال الحادث المفجع المؤلم واذ اكتفى بالتعامل معه وكأنه خبر أقل من عادي، في الوقت الذي لو كانت فيه النتيجة على خلاف ذلك، اي مقتل احد تجار المخدرات، لكانت الدنيا قامت ولم تقعد، ولكان كثر ألقوا اللوم على القوى العسكرية والأمنية، ولكُنا شهدنا تغطيةً كاملة لعمليات قطع الطرقات والتظاهرات  التي اعتدنا عليها في كل مرة تلحق القوى الامنية أذى بأيِّ من تجار المخدرات او تلف المزروعات الممنوعة، او ضبط مصانع للكبتاعون او غيره من المخدرات.

لا يا سادة، إن دماء العناصر العسكرية والأمنية ليست برخيصة، وينبغي الا تكون مباحة أو مُستباحة، وابناؤنا العسكريون والأمنيون ليسوا أيتاما، ولا هم مجهولو النسب، او لقطاء، إنهم أبناء عائلات كريمة، لهم والدين واشقاء وأبناء، إنهم ممن يؤسف على فراقهم، لأنهم أنبل المواطنين من حيث وطنيتهم  وتفانيهم في حماية الشعب، إنهم وحدهم من يعي معنى الانتماء للوطن، ووحدهم من يصدقون الولاء الخالص له، ووحدهم من لا يبخل بالتَّضحية في سبيل واجبهم حتى وإن وجب استشهادهم.

أيها السادة، آن لكل المسؤولين أن يعوا، بل من واجبهم ان يعوا ان النشاطات غير المشروع بالمخدرات زراعة وتصنيعا واتجارا قد كلف لبنان الكثير، وشوه سمعته، وأضر باقتصاده، وجعل منطقة البقاع الشمالي منطقة مسلوبة الارادة، شبه خارجة عن كنف الدولة، وأهلها الشرفاء يعيشون تحت رحمة تجار المخدرات والمطلوبين للعدالة. وبدلا من أن يسعى كبار المسؤولين لدعم القوى العسكرية والامنية ويرفعون من معنويات عناصرها، كي تتمكن من  التصدي لتلك النشاطات الجرمية غير المشروعة عمدوا إلى إصباغ المشروعية على زراعة المخدرات،  وبدلا من ان يعززوا قدرات مكتب مكافحة المخدرات، وتعزيز تواجده على منافذ العبور وامداده بالآليات والتجهيزات والعناصر الكفوءة والمؤهلة علميا وجسديا، كانوا يمعنون في التضييق عليه، واعتماد سياسات تقشفية حياله، ويسهمون بشكل او بآخر بتشويه سمعته وسمعة العاملين فيه، بدلا من دعمه ومحاسبة الفاسدين فيه «هذا إن وجدوا» بعيدا عن التشهير والاضرار بسمعة المكتب والضباط والعناصر الشرفاء العاملين فيه والذين يصح وصفهم انهم يحملون دماءهم على أكفهم، وهم عرضة لمخاطر قاتلة كل يوم وكل ساعة.

أيها السادة، لم يعد مقبولا مكافحة المخدرات بالشعارات وبالأقوال بدلا من الأفعال، ولم يعد من الجائز السكوت والوقوف موقف المتفرج من الاعتداءات الجسدية او اللفظية التي تطاول القوى العسكرية والأمنية، كما لم يعد من المقبول بعد اليوم التعامل مع منطقة بعلبك الهرمل وكأنها مقاطعة خارجة على القانون ويستحيل إعادتها إلى كنف الدولة، ولم يعد من الجائز ترك مصير أهلنا الشرفاء والأبرياء فيها رهن مشيئة عصابات إجرامية متغطرسة، تسرح وتمرح من دون أية ضوابط، وتركها تعيث في تلك المنطقة فسادا وكأنها عصية على الدولة، كذلك لم يعد من المقبول التعايش مع ظاهرة السلاح المتفلت مع تلك العصابات الاجرامية كأنه أمر واقع علينا التعايش معه، لأنه سلاح مسخرٌ فقط للقيام بشتى انواع النشاطات الاجرامية من تجارة بالمخدرات إلى عمليات خطف ابرياء والاحتفاظ بهم كرهائن لابتزاز ذويهم، او سرقة السيارات، او اعمال السلب والسرقة بقوة السلاح…الخ

لم يعد من المقبول الاكتفاء بالتصرف كما النعامة بالتعامي عما يحصل، او بردات الفعل والتعامل مع تلك العصابات الاجرامية بمنهجية ردات الفعل وبالقطعة او التغافل عن ارتكاباتها، ولم يعد يليق بأجهزتنا العسكرية والأمنية السكوت عن التطاول عليها والنيل من ضباطها وعناصرها، والتعامل معها وكأنه هانت وسهُل الهوان عليها.

فلتكن حادثة يوم أمس مفصلا حقيقيا، ونقطة تحول جوهرية في التعامل مع الخارجين على القانون والمجرمين المدجحين بالأسلحة، ولتطلق حملة عسكرية – أمنية لا هوادة فيها ولحين القاء القبض على المعتدين على الجيش اللبناني، او تسليمهم لأجهزة إنفاذ القانون لمحاكمتهم،  ولتعلن منطقة البقاع الشمالي منطقة عسكرية، وليمنع فيها حمل السلاح خارج اطار الاجهزة العسكرية والأمنية، ولتعطى تلك الاجهزة صلاحية إطلاق النار على اي مطلوب للعدالة يحمل سلاحا ظاهرا، لانه سلاح غادر ومقيت لا يستعمل الا للنيل من الابرياء وارتكاب الجرائم، او للنيل من هيبة الدولة والاعتداء على قواها المسلحة.

وأخيرا أدعوا اهلنا في منطقة بعلبك الهرمل الشرفاء لإضراب عام ابتداء من يوم غد، استنكارا لما تتعرض له الاجهزة العسكرية والأمنية، وللمناداة برفض العراضات المسلحة، والضغط فعليا لتسليم المُعتدين فورا، ومطالبة القوى العسكرية والامنية بالبدء فورا بتنفيذ خطة أمنية شاملة ومتكاملة بهدف إرساء الأمن وفرض هيبة الدولة والقضاء على كل مظاهر الاسلحة المتفلتة واطلاق النار من قبل المسلحين، واطلاق حملة لملاحقة المطلوبين للعدالة،  وعدم تركهم يرتاحوا إلا بتسليم أنفسهم.

وعليه لا يسعني سوى التحذير من أن تمر حادثة الاعتداء هذه كسابقاتها دون التعامل معها كما ينبغي، منبهاً إلى ضرورة وعي كبار المسؤولين لأهمية إعارة الموضوع الامني عامة، والتصدي للضالعين في جرائم المخدرات الاهتمام اللازم. وهذا يتطلب ان يتحلى المعنيون بالحد الأدنى من  المسؤولية الوطنية، والشجاعة الكافية، والقدرة على اتخاذ قرارات استثنائية جريئة، مبنية على حس أمني رفيع، ورؤية تترجمُ بخطة أمنية فاعلة وقابلة للتنفيذ، تكفل توفير مقتضيات التصدي لمختلف الظواهر الاجرامية، وفي طليعتها آفة المُخدرات.

أقول قولي هذا، مُتعهدا أمام الله والجميع أنه فيما لو قيد لي وانيط بي تولي مسؤولية ارساء الأمن والتصدي لآفة المخدرات يوما ما لأعمل  على فرض الأمن لا استجداءه، وعلى كامل التراب اللبناني، وللأخلصن أقطعن دابر ظاهرة تفشي آفة المخدرات بكل صورها، وملاحقة المطلوبين للعدالة وعدم تركهم يرتاحوا في اوكارهم، ولأخلص البلد من ظاهرة الأسلحة المتفلتة، وإن هذه الامور ليست من قبيل التمنيات، إنما أراها أهدافا موضوعية قابلة للتحقيق، وأن كل ما هو مطلوب: الجرأة في اتخاذ القرار، والحزم والحنكة الأمنية في التنفيذ.

راجيا ان يتقبل الله الشهيد البطل بواسع رحمته، ويغفر له ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان وأن يبلسم جراح المصابين ويعيدهم معافين إلى أسرهم. واختم بدعوتي لكبار المسؤولين كفاكم إمعانا في تقويض هيبة الدولة، واحباط عزيمة أجهزتها العسكرية والأمنية، وإحباطِ معنويات العاملين فيها بتجويعهم، وقهرهم بلقمة عيشهم وقوت عيالهم، والاستهتار بحالتهم الصحية ومتطلباتهم الاستشفائية.