IMLebanon

حلّ موعود ومنشود… بعيد عن الحلحلة!

 

بعد مأساة الإنفجار الأسطوري الذي طاول بيروت ومرفأها وقطاعات واسعة من سكانها، مخلّفا فيها جملة من المآسي والنتائج التي أصبحت في هذه الأيام العصيبة من تاريخ لبنان، في واجهة الأحداث والتوقعات والإستنتاجات، فضلا عن المواقف المحتجة والمعارضة لاستعادة الصورة القاتمة التي طاولت بيروت في ذلك اليوم المشؤوم الذي دفع الرئيس الفرنسي ماكرون، فور حصول ذلك الحدث الجلل، إلى شدّ الرّحال إلى هذه المدينة المنكوبة، في محاولة من أمٍ حنونة و«أبٍ حنون» استهدفت لملمة «آثار-الإنفجار الكارثة»، بدءا من لملمة التناقضات اللبنانية الموغلة في أعماق الإختلافات الجذرية والمتفاقمة ما بين الطوائف وأحزابها، وسياساتها الإلغائية من كل منها ضدّ الفئات الأخرى، ووجهتها الأساسية محاولة الإمساك ما أمكنها بخيوط الحكم والتحكّم، فلم يكن مستغربا آنذاك، بعد سلسلة من الجهود والمحاولات الحثيثة التي قام بها الرئيس ماكرون على مدى زيارتين حافلتين بالجهد والطموحات إلى تحقيق نتائج بدت في حينها بوهلاتها الأولى، معجزةً أضاءت في الأجواء اللبنانية، خُيّل فيها للمهتمين بنتائح إنفجار المرفأ وسلسلة المآسي الحادة التي نشأت عنه، بما مكّن الرئيس ماكرون في حينه «أو هكذا خُيّلَ إليه» من تحقيق معجزة اتفاق لبناني جماعي على معالجة المأساة بأسبابها ووقائعها ونتائجها، وكان مستغرباً أن يكون في جملة الموافقين، أحزاب مكنتها موهبة المناورة والمداهنة والتخفي، من التراجع عن تعهداتها للرئيس الفرنسي، ومن معاودة الإمساك بخيوط المأساة اللبنانية، إلى درجة تمكّنت فيها من التنصل من التزاماتها المذكورة، فإذا بها تعود واحدةً تلو الأخرى إلى موقع التنصّل من أي اتفاق، والتهرّب من أي التزام، ورأى المتابعون لهذه التطورات التحُوّلية، بعضاً من الخروج الفرنسي من معمعة التناقضات اللبنانية بغرائبها وعجائبها الباهرة. ومرّت الأيام، ولبنان لا يقدّم ولا يفرز للوجود المتفاقم، إلا تدحرجا إلى مزيد من تأجيج نارٍ جهنّمية، كادت في نهايات عهد مرّت عليه الأيام والأشهر والسنوات دون أن يعطي للوطن وأهله، أيّا من التوقعات والتعهدات والوعود التي سبق له أن ملأ الأجواء بضجيجها الإصلاحي والتغييري، ولم يبرز من جهوده الحثيثة سوى سعيُ فخامته إلى إيصال رئيس تيار الإصلاح والتغيير إلى موقع السلطة ولواحقها، كل ذلك، والأيام تمضي ومناسبات إحراز النجاحات الموعودة تتآكل ومعها، تتآكل الفرص الكفيلة بانتشال الوطن من مهاويه ومن الأخطار التي تزداد ثقلا وتراكما، وتكاد أن تقطع عنه كل محاولات التنفس والوسائل الكفيلة بتأمين حدٍّ أدنى من الإنقاذ والخلاص للوطن ولتاريخه وسمعته الحضارية والإنسانية، فإذا به بلداً وقد بات مع أهله في قعر من الإنهيار والتخلّف في وقت انبرت فيه أوساط الحكم والتحكّم إلى الدفع به إلى الحضن الإيراني جنبا إلى جنب، نزع كل وقائع وحقائق ومؤشرات تنمّ إلى انتمائه إلى عالمه العربي الذي لطالما اعتزّ بانتمائه إليه، وحقق جملةً من المكاسب المعنوية والمادية لركائز وجوده واستمراريته وتطوير بنيته وتخليصه من جملة من المآسي والمواجع التي طاولته وكادت أن تصيبه بكوارث حياتية وإنمائية وإعمارية، مكنته المساعدات الخليجية من ترميم العواقب والخرائب التي خلفتها جملةُ الإعتداءات عليه، وبالتحديد، على مدنه ومناطقه الجنوبية وامتداداتها في الضاحية الجنوبية، ولم يلقَ الخليج العربي، الذي لطالما احتضن مئات الألوف من المواطنين اللبنانيين المنتمين لجميع الجهات والفئات والطوائف سوى سلسلة من الحملات المنظمة والمواقف العدائية التي تكثفت بحق الدول الخليجية وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، فلم تقابل مع مرّ الأيام والسنوات إلاّ بكثير من الأناة وطول البال والتنبيه والتحذير المتراكم، إلى أن كان ذلك الحدث-المناسبة الذي أطلقته تصريحات وزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي، فكان المناسبة التي فجّرت مجمل مقومات وتراكمات أزمات عديدة كان لا بد لها أن تنفجر على نحو ما حصل في المرحلة الأخيرة، ما بين الوضع اللبناني المتفاقم نتيجة لممارسات الحزب والتيار، بحق مجمل الدول الخليجية وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، وتبدّت الأمور المعقدة والمتفاقمة على حقيقتها التي أثبتت أن الوضع المشكو منه والدافع إلى سلسلة الإجراءات الحادة التي قوبلت بها مجمل الأوضاع اللبنانية –الخليجية، واستدعت إهتماما متجددا من الجانب الفرنسي المتآزر والمتماسك مع سلامة الأوضاع اللبنانية، والساعي إلى لملمة ما أمكنه من سيئات المسيئين في إطارها وفي تراجع مسؤولينا الأكارم عن موافقاتهم وتعهداتهم السابقة المتعلقة بلملمة الإنهيارات المستمرة إلى درجة تعريض الوجود اللبناني بأسره إلى أفدح الأخطار، وصولا في ذلك إلى حضيض جهنم، وفقا للتكهن الرئاسي المعروف، ودونما دخول بتفاصيل ما حدث مؤخرا من خلال مواقف المملكة العربية السعودية ومعظم دول الخليج، وفقا لما بات معروفا بتفاصيله الدقيقة التي نشرت بوسائل الإعلام، مكتفين بالتنويه بالتجاوب المشروط الذي لقيته مساعي الرئيس الفرنسي ماكرون مع سمو ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، والذي أسفر عن اتصال هاتفي مشترك ضمّ المسؤوليْن المذكورين مع رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي، وقد شكل ذلك مبادرة جهد مشكور قام به الرئيس الفرنسي، وتمت من خلاله عملية إحياء الأسباب والوقائع والشروط الأساسية التي سبق أن حدّدتها الدول الخليجية بحزم وتحفّظ لإعادة الأمور إلى نصابها وفي طليعتها، وضع حدٍّ لمواقف الحزب العدائية المعروفة ومنع الإعتداءات باختلاف أنواعها عن الدول الخليجية ووقف أعمال التحرش والتعدي بمختلف وجوهها المادية والمعنوية.

 

وفي ما تعلق بما هو مطلوب وبما تسعى إليه بعض المواقع اللبنانية والمدعومة فرنسيا، والمتعلق بالشق المالي والإقتصادي، فقد كان الموقف السعودي محدّداً وواضحاً ومعه موقف فرنسي مماثل ومتجاوب، وهو موقف يؤكد على أن بلدان الخليج ستقوم بواجبها القائم والمستمر في ما تعلق بالشق الإنساني والإجتماعي تجاه الشعب اللبناني، أما ما تعلق بالمساعدات الرسمية المرتبطة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، فهو أمر مشروط بمستلزمات الشفافية ومباشرة الإصلاحات المطلوبة بإلحاح من المجتمعين الدولي والعربي، منعاً من كل التصرفات الشاذة والمؤسفة التي سادت في المراحل السابقة، وأدت إلى ضياع المساعدات المبنية على علاقات الأخوة والتقدير والمحبة التي كانت قائمة، ووضعت حدّا لها عمليات باتت معروفة ومكشوفة وضائعة في مهاوي الفساد والنهب المنظم.

 

وفي انتظار التطورات المقبلة، …والحال على ما هو عليه، يبقى الحل والحلحلة احتمالا معلّقا وضعيفا ولا يبشر بوصول قريب إلى حلول مقبولة ومعقولة ولنا في تعطيل انعقاد جلسات مجلس الوزراء، دليل ساطع على جملة من الإستهدافات السلبية. وقى الله لبنان من هول خطورة الأوضاع المتدهورة إلى حدود تهزّ كيانه بكل عنف وحدّة وجدّية.